معرض لثمانين فنانا عراقيا في عمان يجسد هموم بلادهم

أعمال تروي جروحا وآلاما.. وأخرى أفراحا وأعراسا

TT

فرضت هموم العراق من حرب وعنف وقتل ودمار واحتلال نفسها على أعمال معرض فني عراقي كبير أقيم في عمان بمشاركة ثمانين فنانا ونحاتا يمثلون مختلف المدارس والحركات الفنية في هذا البلد الذي كان يوما أكثر المجتمعات تفتحا في الشرق الأوسط.

ويعرض منذ من 17 أكتوبر (تشرين الأول) وحتى 17 نوفمبر (تشرين الثاني) ثمانون عملا فنيا من منحوتات ولوحات ورسوم لفنانين رواد مثل وداد الاورفلي ومحمد غني حكمت وإبراهيم العبدلي وسالم الدباغ ومحمد عارف وحسن عبد علوان وآخرين شباب أمام الجمهور في غاليري «رؤى» وسط عمان. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سعاد الحوراني، مديرة غاليري «رؤى» التي تعد أقدم صالات العرض في عمان، قولها إن الفنانين «جاءوا ليسردوا حكاية ما منهم من روى جرحا وألما ومنهم من روى فرحا وعرسا ومنهم من فضل السكوت والتأمل والانتظار».

ويعكس عدد من اللوحات معاناة العراقيين في بلد تخلص لتوه من سنوات الحرب الطائفية ويمشي بخطى مترددة نحو السلام رغم الصورة القاتمة. وعند مدخل المعرض علقت لوحة «العربة والحصان» للفنان إبراهيم العبدلي على شكل حصان رشيق القوام يقف صامتا أمام العربة التي كان يجرها وقد تحطمت وتقطعت أوصالها. ويقول العبدلي (69 عاما) المقيم في عمان ويعمل أستاذا في كلية العمارة والفنون في جامعة البتراء إن «فكرة اللوحة تلخص وضعنا الحالي في العراق، فالعربة هي العراق والحصان يبدو حزينا وكأنه يريد أن يقول شيئا إلا أنه يقف صامتا مندهشا أمام هول المشهد». وأضاف أن «اللون الأحمر الذي يغلب على اللوحة دليل على النار وجو الحرب والقتل والدمار والدم».

وفي إحدى زوايا المعرض تقف لوحة أخرى للفنان العراقي فاضل الحربي الذي أصيب خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988)، تسرد ما مر به وضع العراق من مآسي وحروب تحت الاحتلال الأميركي. وفي اللوحة التي كتب عليها بالإنجليزية «بلا أمل» تبدو جلية آثار أقدام الجنود الأميركيين إلى جانبها آثار أقدام أناس حفاة وقد تلونت باللون الأحمر. وفي أعلى اليمين واليسار قضبان حديدية وقد خرجت منها أيادٍ ضعيفة هزيلة مكبلة بالقيود.

وليس ببعيد عن هذه اللوحة لوحة «الجسد المهشم» للفنانة العراقية بتول الفكيكي التي ولدت في بغداد وتقيم في لندن منذ 15 عاما. وتعكس لوحاتها التي غلب عليها اللون الأسود، معاناة المرأة التي تواجه هواجس مصيرها وحيدة في خضم أزمات متعددة. وتقول الفكيكي التي رسمت جداريات كبيرة في مطار بغداد الدولي وفي دار الأزياء العراقية في بغداد إن «المرأة العراقية وما يقع عليها من ظلم وجور ووجع هي أساس لوحاتي». وتضيف أن «هذه المرأة هي مثال لملايين النساء العراقيات المهمشات اللواتي يواجهن مصيرهن في بلد متعدد الأزمات والمشاكل إلا أنها تستمد من الضعف قوة معنوية تدفعها إلى التشبث بالأمل والحياة». وتتابع أن «هناك دائما رجلا في لوحاتي لكنه مهمش لأن هم المرأة بالنسبة لي أكبر من هم الرجل وما تعانيه هو أكبر بكثير مما يعانيه الرجل».

أما زاوية فن النحت، فعبرت بمنحوتاتها عن مجسمات وكتابات وتماثيل ودمى ونماذج عن آلهة من بلاد وادي الرافدين. وشاركت في أعمال النحت أسماء لها باع طويل أمثال محمد غني حكمت (80 عاما) الذي سرق 150 تمثالا من البرونز والخشب والحجر والجبس من أعماله خلال الاجتياح الأميركي للعراق 2003 ومنعم فرات وصادق ربيع وعبد الجبار البنا وليث فتاح الترك.

ويقول النحات خالد عزت المولود في بغداد سنة 1937 «أردنا أن نثبت للعالم أن العراق باق بحضارته التي تمتد لستة آلاف سنة وأن شريعة حمورابي هي التي علمت الإنسانية الحقوق والواجبات وما يحصل في العراق الآن لا يعبر عن حقيقة هذا البلد الضارب في القدم».

ويقول الناقد العراقي صلاح عباس إن «بعض لوحات المعرض حاولت بطريقة أو بأخرى معالجة الجرح والألم العراقي بعد سنوات طويلة من الحرب والاقتتال وخلفتها من آثار مؤلمة ومدمرة على المجتمع العراقي». وأوضح أن «أغلب الأعمال التي أتت من العراق تحكي قلقا وألما وحزنا وموتا ومأساة»، مشيرا إلى أن «مكنونات الفن التشكيلي العراقي معروف عنها أنها هائلة في الترميز والإيحاء».

من جهته، رأى الناقد العراقي عادل كامل الذي سبق أن ألف أكثر من أربعين كتابا عن الفن العراقي أن «هذه التجارب تعكس روحية إنسان العراق ومخيلته وذاكرته الزاخرة بالجراح والكسور والتصادم والفوضى والعنف».

وأوضحت سعاد الحوراني أن «ثمانين فنانا عراقيا (56 رساما و24 نحاتا) من بغداد والبصرة واربيل وعمان ولندن واستوكهولم وأوسلو يشاركون في المعرض»، موضحة أن «قسما منهم فنانون كبار رواد لهم أسماؤهم وتاريخهم وآخرون صغار شبان». وأضافت أن «أعمال جميع هؤلاء الفنانين وضعت أعمالهم جنبا إلى جنب بدون استثناء».