سلفا كير بعد عودته من القاهرة: العرب وحزب المؤتمر يبحثون عن الوحدة «في الزمن الضائع»

رئيس البرلمان يهدد بسحب مخصصات نواب الحركة الشعبية إذا لم ينهوا مقاطعتهم للجلسات

TT

بدأت لجنة برلمانية سودانية مختصة في جلسة مغلقة أمس في مناقشة قانون الأمن الجديد، في ظل غياب نواب كل من الحركة الشعبية، والتجمع الوطني السوداني، وأحزاب جنوبية أخرى. وهدد رئيس البرلمان نواب الكتل البرلمانية التي قاطعت جلسات البرلمان بـ«سحب الثقة عنهم، وسحب امتيازاتهم المالية»، ما لم ينهوا مقاطعتهم للبرلمان. وكان البرلمان أجاز بالأغلبية مشروع قانون الأمن الوطني في مرحلة «السمات العامة»، دون الالتفات إلى غياب الأحزاب المقاطعة. فيما قال سلفا كير ميارديت النائب الأول للرئيس السوداني، رئيس الحركة الشعبية، بعد عودته من زيارة رسمية إلى القاهرة، إنه أبلغ المصريين أن العرب وحزب المؤتمر الوطني شريكه في الحكم بدأوا يبحثون عن الوحدة بين شمال السودان وجنوبه «في الزمن الضائع».

وبوسع البرلمان إجازة قانون الأمن الجديد في ظل غياب نواب الحركة الشعبية وغيرهم من النواب، حيث يحصل حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير ـ وهو يؤيد بقوة القانون الجديد ـ على نسبة 52% من قاعد البرلمان، والحركة الشعبية على نسبة 28%، وبقية النسب موزعة على القوى السياسية الأخرى، وذلك حسب اتفاق السلام.

ويرى حزب المؤتمر الوطني أن القانون الجديد لا بد أن يبقي على جهاز الأمن بسلطة الاعتقال، غير أن الحركة الشعبية تقول إن هذه السلطة يجب أن تنتهي لأن اتفاق السلام حدد صلاحيات جهاز الأمن بجمع المعلومات وتحليلها وقديمها للسلطة السياسية. وأقر مشروع القانون الخلافي محل النقاش في البرلمان سلطة الاعتقال لمدة شهر لدى جهاز الأمن.

وقال أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان إن الاثنين المقبل سيكون آخر موعد لأعمال التشريع بالبرلمان ليتفرغ المجلس لإجازة الميزانية العامة للدولة، اعتبارا من الثلاثاء المقبل وحتى الثامن عشر من الشهر ذاته، وأمهل كتلة الحركة الشعبية حتى اليوم الأربعاء للانخراط في عمل المجلس، وهددهم بوقف مخصصاتهم.

وقال الطاهر إن البرلمان لا خيار أمامه سوى الاستمرار في أعماله دون الالتفات إلى الكتل المقاطعة، وأشار إلى انتهاء أعمال التشريع يوم الاثنين المقبل. وطالب اللجان المختصة بالإسراع في إعداد قانون الأمن في مراحله النهائية، قبل إيداع الميزانية العامة للدولة في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وشدد: «سنستمر ما دام النصاب مكتملا».

وحذر الطاهر، نواب الحركة من عملية المقاطعة وأمهلهم حتى الأربعاء لمعاودة الحضور لجلسات البرلمان، وقال: «نمهلهم للعودة حتى لا يفقدوا ثقة رئيس البرلمان والميزات التي منحها لهم الشعب، لا سيما أن العمل داخل المجلس مسؤولية ويجب على كل فرد تحمل المسؤولية». وحمّل الطاهر الحركة مسؤولية أي تأخير في إجازة قانون الاستفتاء، واتهم جهات داخل الحركة الشعبية بالعمل على تعطيل وإعاقة عمل البرلمان بدوافع مختلفة.

وقال رئيس البرلمان إن أي حكومة تعتمد في بقائها في السلطة على جهاز الأمن تعتبر فاشلة، وشدد على ضرورة إسقاطها، وقال إن مشروع القانون يحتوي على جملة من العقوبات تصل إلى حد الإعدام لمخالفات رجال الأمن، «حتى لا يكون الجهاز كالوحش بلا قيود»، وأشار إلى صلاحيات وزارة العدل في مساءلة جهاز الأمن، في ما يتعلق بالاعتقالات. وكشف رئيس البرلمان في بداية الجلسة عن طلب تقدم به عدد من النواب على رأسهم القيادي في كتلة التجمع النائب علي السيد، بتأجيل عرض قانون الأمن في جلسة أمس لمزيد من التشاور، وعبّر عن رفضه للطلب بسبب ضيق الوقت بالنسبة لعمر الدورة البرلمانية.

من جهته، انتقد القيادي في كتلة التجمع الوطني فاروق أبو عيسى (معارض) أن حديث الطاهر رئيس البرلمان يشير إلى إرادة المؤتمر الوطني في البقاء في السلطة لوحده بعد تدمير الآخرين، وعدم جديته في إنجاز عملية تعديل قوانين التحول الديمقراطي. واتهم حزب المؤتمر الوطني بتعطيل المفوضية القومية للدستور، وقال: «بعد أن أدرك الوطني أن المفوضية بها قليل من الليبرالية والتوافق تم تجميدها وإغلاقها نهائيا». وشدد على ضرورة أن تقف الأحزاب السياسية موقفا حاسما في مماطلة الوطني بشأن تعديل القوانين، وأضاف: «وعليها أن تعي أنها ستدخل انتخابات حرة وفي أجواء لا تتوافر فيها الحريات الأساسية وفي ظل القوانين الحالية». وذكر أبو عيسى أن هناك تقريرا بشأن كل تلك القضايا سيطرح على رؤساء أحزاب مؤتمر جوبا في اجتماع يعقد السبت المقبل، وأضاف: «سنضع أمام الرؤساء حقيقة أن البرلمان بعد الاثنين المقبل لن ينظر في أي قانون، وبالتالي انغلق الباب نهائيا أمام تعديل القوانين في ظل هذا البرلمان».

إلى ذلك، أنهى الفريق سلفا كير ميارديت النائب الأول للرئيس السوداني، رئيس حكومة الجنوب، زيارة للقاهرة، وعاد إلى الخرطوم قبل انتهاء مدتها، وقالت مصادر مطّلعة إن سبب قطع الزيارة تطورات أمنية بين قبيلتين حدوديتين واحدة سودانية والأخرى كينية.

وقال للصحافيين في الخرطوم إن المصريين ركزوا على ضرورة العمل للوحدة، وإنه أبلغهم أن الوحدة تمثل الخيار الأول في اتفاق السلام بين الشمال والجنوب (اتفاق نيفاشا)، وكشف أنه نقل للجانب المصري «عدم اهتمام العرب وشريكهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالوحدة والعمل لأجلها، وقال إن إقناع الجنوبيين بذلك الخيار جاء في الزمن الضائع».

وكشف سلفا كير أنه بحث مع الرئيس المصري حسني مبارك تطورات الأوضاع في السودان خصوصا في ما تبقى من تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، بجانب تنفيذ مشروعات التنمية التي تقوم عليها مصر في الجنوب وجهودها لتحقيق الاستقرار والسلام والحفاظ على وحدة السودان. وأضاف أن مصر أبدت تخوُّفها من خيار الجنوبيين للانفصال، وأضاف أن المسؤولين شددوا علينا بإثناء الشّعب الجنوبي لخيار الوحدة، وتابع: «أوضحنا لهم أنه وبحسب نيفاشا الخيار الأول لدينا هو الوحدة، وأن الثاني هو الانفصال». وقال: «أخبرناهم بأن الخيار الثاني حال وقوعه فإن اللائمة لا تقع على الحركة الشعبية ومسؤولي حكومة الجنوب فقط، إنما هناك المؤتمر الوطني الشريك في الاتفاق»، وأضاف: «أكدنا لهم بأن الوحدة الجاذبة تكون في اتجاه الشمال إلى الجنوب بدلا من الجنوب إلى الشمال». وكان سلفا كير قال عقب اجتماعه مع مبارك إنه من الممكن أن ينفصل الجنوب عن الشمال في الاستفتاء المقبل، واعتبر أن الوحدة أصبحت «غير جاذبة». وقال إن هناك أملا في أن يظل السودان موحدا إذا كان حزب المؤتمر الوطني جادا في هذه المسألة. وفي القاهرة اتفق سلفا كير مع محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» على إنشاء آليات مشتركة لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات في ما تبقى من الفترة الانتقالية لضمان ترجيح خيار وحدة السودان أرضا وشعبا. وأكدا في مفاوضات مغلقة على ضرورة استمرار العلاقة واستقرارها لمصلحة البلاد.