مخاوف من تحول البيت الأبيض إلى قلعة.. للرجال فقط

اهتمامات أوباما «الذكورية» تزعج بعض النساء العاملات في الإدارة

TT

هل تحول البيت الأبيض إلى قلعة للرجال فقط؟ تصاعدت الشكوك خلال الأسابيع الأخيرة ـ ولم تكن تلك المرة الأولى ـ في أعقاب تعرض الرئيس باراك أوباما لانتقادات من أنصار المرأة ومدونين ليبراليين بسبب استضافته مباراة كرة سلة رفيعة المستوى من دون مشاركة لاعبات. والملاحظ أن الرئيس يبدي ميولا ذكورية قوية. فهو منذ انتخابه، أبدى معرفة كبيرة بكرة السلة وأبدى عشقا لممارسة لعبة الغولف في عطلات نهاية الأسبوع، وأظهر تفضيله لاقتناء «كلب كبير غليظ» على «كلب يليق بالفتيات»، بجانب عدة لقاءات لتناول الجعة في محاولاته تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة. إضافة إلى ذلك، يترأس أوباما بيتا أبيض يعج بشخصيات ذات طابع ذكوري قوي، مثل رام إيمانويل، رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض الذي غالبا ما يتسم سلوكه بالفظاظة، ولورانس سمرز، المستشار الاقتصادي المتهور، وروبرت غيبس، السكرتير الصحافي الذي اعتاد الحديث مستخدما تعبيرات رياضية.

تحولت مشاعر السخط حيال المباراة التي اقتصرت على الرجال فحسب إلى مصدر قلق مستمر لبيت أبيض خاض معركة ضد انطباع ساد منذ فترة الحملة الانتخابية الرئاسية لأوباما، بأن أقرب مستشاري الرئيس من الرجال فحسب وأنه غالبا ما يوجد بصحبة رجال فقط ـ ليس فقط عند ممارسة الرياضة، وإنما أيضا عند اتخاذ قرارات كبرى. وفي الوقت الذي تعد المستشارة البارزة فاليري جاريت، بلا شك، واحدة من أقرب المستشارين إلى الرئيس، تشكو بعض السيدات داخل أو بالقرب من الإدارة من أن مستشاري أوباما من السيدات لا يحظين بنفس الدرجة من الأضواء مثل أقرانهن الرجال، بل وربما لا يتمتعن بذات الدرجة من النفوذ. وتعرب دي دي مايرز، السكرتيرة الصحافية السابقة في عهد إدارة كلينتون، عن اعتقادها بأن «النساء يشكلن قاعدة تأييد أوباما. ورغم ذلك، لا يبدو أن هناك الكثير من النساء يمثلن القاعدة داخل الحاشية المقربة منه». يذكر أن شقيقة دي دي، بتسي، كانت من كبار مسؤولي الحملة الانتخابية لأوباما. وأضافت مايرز أن النساء ينتظرن من الرئيس الكثير. وأوضحت أن «أوباما يتمتع بأسلوب شخصي يروق للنساء، حيث يجري النظر إليه كشخص قادر على بناء الإجماع في الرأي. إنه ليس بشخص فظ ولا يلقي نكات وقحة».

خلال مقابلة أجرتها معه قناة «إن بي سي» الأسبوع الماضي، وصف أوباما الضجة حول مباراة كرة السلة سالفة الذكر بأنها «هراء»، موضحا أن اللاعبين جرى اختيار معظمهم من فريق اعتاد المشاركة في مثل هذه المباريات برعاية الكونغرس، وأن قائمة المدعوين جرت مراجعتها من جانب سيدات من فريق العمل المعاون له. وأكد الرئيس الذي غالبا ما يعمد لتوضيح أنه محاط في المنزل بشخصيات نسائية قوية، على اعتقاده بأن المباراة «لا تبعث بأي نمط من الرسائل أو الدلائل». واستطرد خلال المقابلة مشيرا إلى أنه استعان بالمرأة في «بعض أهم المناصب المرتبطة بعملية صنع القرار داخل البيت الأبيض». وبالمثل، أبدت جاريت رفضها فكرة أن البيت الأبيض يسيطر عليه الرجال، مشيرة إلى أن هذه الشكاوى تعكس «وجهة نظر في واشنطن لا صلة لها بالواقع». واستشهدت جاريت بعدد من السيدات البارزات اللائي عينهن أوباما في مناصب كبرى، بينهن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وستة مسؤولين آخرين بدرجة وزير منهن القاضية بالمحكمة العليا سونيا سوتومايور، ومديرة شؤون إصلاح النظام الصحي نانسي آن ديبارل، ومستشارة السياسة الداخلية ميلودي بارنيز. وطبقا للإحصاءات الصادرة عن الإدارة، فإن النسبة بين الجنسين بين مسؤولي البيت الأبيض تكافئ 50% مقابل 50%. ورغم ذلك، من الملاحظ هيمنة الرجال على بعض القطاعات رفيعة المستوى داخل البيت الأبيض ـ مثل الاقتصاد والأمن الوطني ـ وتتسم بطابع ذكوري قوي لا يمكن نفيه. أما الحاشية المقربة من أوباما فتتضمن غيبس وإيمانويل ومستشاره البارز ديفيد أكسلرود، في ما بات يعرف في أوساط بعض مسؤولي البيت الأبيض من النساء باسم «الفتيان». إلى جانب ذلك، فإن النساء اللائي يتقلدن مناصب مهمة داخل البيت الأبيض لا تسلط عليهن الأضواء بنفس القدر المتاح لأقرانهن من الرجال، رغم سعي الإدارة تعزيز صورهن على الصعيد العام. (يذكر أنه خلال نفس الأسبوع الذي شهد عقد مباراة كرة السلة، استضافت أنيتا دن، مديرة شؤون الاتصالات في البيت الأبيض، مجموعة من المراسلات الصحافيات في اجتماع غير مسجل مع جاريت حول رقائق الشوكولاته والحلوى). يقول أحد خبراء استراتيجيات الإعلام لدى الحزب الديمقراطي، إنه في الوقت الذي عين أوباما سيدات في مناصب مهمة، فإن مستوى قرب العلاقة وسلاستها في تعاملاته مع العاملين معه من الجنسين لا يبدو دوما متكافئا. وتقول ترايسي سيفل، مستشارة هيلاري كلينتون أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية والتي تتحدث بانتظام إلى بعض مساعدي الرئيس من السيدات، إن هناك شعورا بأن أوباما يبدي شعورا بالألفة والمرح برفقة الرجال على خلاف الحال مع السيدات. وخلال مقابلات أجريت معهن، وصفت خمسة سيدات تعملن في البيت الأبيض أو تقدمن المشورة إلى مسؤولين هناك، الثقافة السائدة داخل الإدارة، بأنها مثيرة للدهشة. وأشارت إحدهن، والتي رفضت مثل باقي السيدات الكشف عن هويتها خوفا من النظر إلى تعليقها باعتباره نقدا علنيا للإدارة، إلى «شيوع الثقافة الرياضية في البيت الأبيض»، الأمر الذي قد يثير «الضيق». وأضافت أن عدم اهتمامها بالرياضة من الممكن أن يثير بعض الضيق لدى الآخرين. ومع أن هذا الوضع شائع في الكثير من أماكن العمل، فإن الاهتمام بالرياضة ربما يوفر نقطة التقاء وتقارب مع الرئيس.

جدير بالذكر أن بين فنكينبندر، المساعد الصحافي الصغير ولاعب الغولف، تمت دعوته على المشاركة في مباراة غولف مع الرئيس. (طبقا للسجلات التي يحتفظ بها مارك نولر من قناة «سي بي إس»، لعب الرئيس 23 جولة غولف منذ توليه الرئاسة، لم تضم أي منها سيدات، رغم تنويه نولر بأن المكتب الصحافي في البيت الأبيض لا يكشف دوما عن أسماء اللاعبين كافة. من ناحيته، أعلن المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، بيل برتون، أن الرئيس أوباما ينوي لعب الغولف خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع مع بارنيس. في الواقع، لا يعد أوباما أول رئيس للبلاد يتحول عشقه للرياضة والاهتمامات الذكورية الأخرى، مثل قراءة الكتب الكوميدية، جزءا من شخصيته. فقد ظهر الرئيس جورج بوش الأب مثلا بمظهر الرجل العاشق للرياضة والمحب لأكل اللحوم. وتبعه بيل كلينتون الذي اشتهر بعشقه تناول الـ«بيغ ماك» وتدخين السيجار، ثم جاء جورج بوش الابن العاشق لركوب الدراجات. ويرى مارك مكينون، المستشار الإعلامي لبوش الابن ورفيقه في تسلق الجبال وركوب الدراجات، أن هذا الأمر ترك انطباعا إيجابيا. وأوضح مكينون أن مشاهدة الرؤساء يمارسون الرياضة يضفي عليهم طابعا مألوفا وقريبا من المواطنين. ويؤكد مسؤولون بالبيت الأبيض أن النشاطات الترفيهية تعد مجرد مصدر واحد من مصادر التقارب وتوثيق الصلات بين العاملين هناك، حيث شدد كبار مساعدي أوباما على تنامي الروابط بينهم نتيجة تشاركهم في تسعة شهور من التجارب القاسية داخل البيت الأبيض، الأمر الذي يؤكدون أنه أقوى من عنصر النوع. وتقول جين بساكي، نائبة السكرتير الصحافي، التي تعمل مع سبعة متحدثين رسميين آخرين تقل أعمارهم عن 35 عاما: «الكثير منا على معرفة ببعضهم بعضا منذ فترة بعيدة وتجمعنا روابط أشبه بالأخوة». وأشارت إلى العاملين معها بأنهم «إخوانها» منذ فترة حملة الانتخابات الرئاسية لأوباما. وفي الوقت ذاته، أكدت سيدات أخريات داخل البيت الأبيض أن أي مناقشة حول ثقافة البيت الأبيض ينبغي أن تأخذ في الاعتبار هيمنة الرجال على الحياة السياسية لسنوات طويلة، لكنها الآن باتت تدمج النساء بدرجة أكبر. وأبدت دن رفضها لفكرة سيطرة نادي «الفتيان» على البيت الأبيض، مشددة على وعي إدارة أوباما القوي بقضايا المساواة. ونوهت بأنها تلقت دعوة مؤخرا لحضور حفل احتفال بسيدة حامل من مسؤولي الإدارة، في الوقت الذي لم تتم دعوة أي مسؤولين رجال إلى الحفل. وقالت إنها شعرت بالارتياح حيال ذلك، مثلما أنها لا ترى بأسا في عدم لعب كرة السلة مع الرئيس. وعلقت على ذلك بقولها: «هذا مجرد جزء من ثقافة سائدة هنا أنا مستثناة منها. ولا آبه لذلك».      

* خدمة «نيويورك تايمز»