إيران تريد «تعديلات كبيرة» على مسودة الاتفاق.. وتتجه لإرسال اليورانيوم على «دفعات»

تباينات داخل طهران حول إرسال 70% من اليورانيوم الإيراني للخارج

TT

وافقت طهران على «الإطار العام» لمشروع الاتفاق الدولي الذي يقضي بنقل جزء من اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي تملكه إلى الخارج لتخصيبه وتسليمها إياه وقودا نوويا، إلا أنها طالبت بإدخال «تعديلات كبيرة» على المشروع، بحسب ما ذكر تلفزيون «العالم» الإيراني. ويأتي ذلك فيما ظهرت تباينات في وجهات النظر داخل إيران حول إرسال ثلثي اليورانيوم الإيراني إلى روسيا لتخصيبه بدرجة أعلى دفعه واحدة أو إرساله على دفعات. فبعدما عارض رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني إرسال اليورانيوم الإيراني إلى الخارج، أيد نائبان بارزان في البرلمان مسودة الاتفاق مع الدول الغربية. وحول موافقة إيران على الإطار العام لمسودة الاتفاق مع الغرب وتوجهها لإجراء تعديلات عليها، أوضح تلفزيون العالم أمس نقلا عن مصدر مقرب من المفاوضات أن «إيران تقبل الإطار العام لمشروع الاتفاق لكنها تريد إدخال تعديلات كبيرة» عليه. وأضاف المصدر أن طهران ستعطي ردها رسميا «خلال 48 ساعة» للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي رفضت التعليق على هذا الخبر.

ويرمي مشروع الاتفاق الذي تقدمت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 21 أكتوبر (تشرين الأول) إلى تخفيف التوترات الناجمة عن مخاوف الدول الغربية من طبيعة الأنشطة النووية الحساسة التي تقوم بها طهران. ووافقت باريس وواشنطن وموسكو الجمعة على مشروع الاتفاق هذا، إلا أن طهران طلبت مهلة إضافية لاستكمال دراسته.

وبحسب دبلوماسيين غربيين فإن مشروع الاتفاق ينص على أن تنقل إيران بحلول نهاية العام الجاري 1200 كلغ من اليورانيوم المنخفض التخصيب (دون 5%) إلى روسيا لتخصيبه هناك حتى مستوى 20%، ليأتي دور فرنسا التي ستحول هذا اليورانيوم إلى قضبان وقود نووي لتشغيل مفاعل الأبحاث في طهران. وأوضح تلفزيون «العالم» بحسب المصدر نفسه أن «التعديلات الكبيرة» التي تريد طهران إدخالها على مسودة المشروع تشمل على الأرجح معايير نقل اليورانيوم وكمياته، لا سيما أن العديد من المسؤولين الإيرانيين رفضوا فكرة تسليم هذه الكمية الكبيرة من اليورانيوم، لا سيما أن إجمالي ما تملكه إيران من يورانيوم مخصب يبلغ 1500 كلغ.

وفي هذا الإطار أعلن الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي الذي شغل في السابق منصب قائد الحرس الثوري، قبل يومين أن بلاده يجب أن تحتفظ بـ1100 كلغ من اليورانيوم الضعيف التخصيب. من جهته أعلن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي أن طهران لم تحسم حتى الآن خيارها بين أمرين: شراء الوقود النووي من الخارج أو الحصول عليه مقابل تسليم جزء من اليورانيوم المنضب الذي تمتلكه.

غير أنه وفي الوقت الذي انتقد فيه مسؤولون إيرانيون كثر يومي السبت والأحد مشروع الاتفاق، فقد بدا نائبان نافذان أمس أكثر ترحيبا بمشروع الاتفاق. وقال النائب سيد حسين نجفي حسيني عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى (البرلمان) بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) أنه «إذا أخذنا في الاعتبار الجهود المشتركة يمكننا القول إن اتفاق فيينا يشكل نصرا للطرفين». وبدوره اقترح رئيس هذه اللجنة البرلمانية النائب علاء الدين بوروجردي أن تسلم إيران شحنات اليورانيوم على مراحل. وقال بحسب وكالة الأنباء العمالية «إيلنا» إنه «بإمكان إيران أن تسلم اليورانيوم (المنخفض التخصيب) على مراحل عدة من أجل الحصول على الضمانات اللازمة لتزودها بالوقود». غير أن عضوا آخر في هذه اللجنة هو النائب المحافظ محمد كوسري الذي يتمتع بنفوذ كبير، أعلن معارضته مشروع الاتفاق، مؤكدا أن مجلس الشورى (البرلمان) سيرفضه بأغلبية كبيرة. ولم يعرف حتى الساعة ما إذا كان هذا الاتفاق سيعرض على مجلس الشورى في حال وافقت عليه طهران. وكانت مصادر مطلعة قد أكدت أن السلطات الإيرانية قد تتجه لرفض إرسال اليورانيوم المخصب الذي لديها كله دفعه واحدة لروسيا دون أن تتجه الدول الغربية خطوات كبيرة نحو إيران من بينها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران. كما تحدثت مصادر أخرى عن صعوبة «بيع» مسودة الاتفاق مع الدول الغربية للمتشددين في إيران، على أساس أن إرسال 70% من اليورانيوم الإيراني إلى الخارج يترك إيران بلا مخزون من اليورانيوم. وتعتبر مسألة تخصيب اليورانيوم قضية أساسية، لأنه إذا كان اليورانيوم المنخفض التخصيب يُستخدم في المفاعلات النووية فإن اليورانيوم العالي التخصيب (90%) يمكن أن يُستخدم في صنع السلاح نووي. وتتهم عواصم غربية إيران بالسعي إلى امتلاك السلاح النووي تحت ستار برنامجها النووي المدني، الأمر الذي تنفيه طهران. وترفض إيران تجميد برنامج التخصيب رغم صدور خمسة قرارات عن مجلس الأمن تطالبها بتعليقه، تضمنت ثلاثة منها عقوبات بحق طهران.

واتفقت الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، على «ضرورة انتهاج مقاربة واحدة» لهذا الملف، على ما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية يان كيلي، في حين دعت موسكو المجتمع الدولي إلى التحلي بـ«أكبر قدر من التروي». وأشار كيلي أيضا إلى أن الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا يحاول عقد لقاء جديد بين ممثلي الدول الست وإيران بعد اللقاء الذي جمعهم في جنيف مطلع الأول من أكتوبر (تشرين الأول). وقال كيلي: «كل شيء رهن بالمفاوضات بين سولانا والسلطات الإيرانية، لكن ليس من المقرر بعدُ عقدُ اجتماع متابعة». وتابع أن مندوبي مجموعة 5+1 (الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) ناقشوا هاتفيا «ضرورة القيام بمقاربة موحدة في الملف النووي الإيراني».

من جهته أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أمس على هامش اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ أن «التعديلات الكبيرة» التي تطالب إيران بإدخالها على مشروع الاتفاق «ليست مؤشرا جيدا». وقال: «هل يعني هذا أنه أمر سلبي؟ سأدعهم يوضحون الأمر بأنفسهم، ولكنه ليس مؤشرا جيدا، في حين أنه كان في غاية البساطة» أن يوافق الإيرانيون على مشروع الاتفاق كما تقدمت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مضيفا: «لا أعتقد أن هذا أمر مشجع جدا». وأكد الوزير الفرنسي أن «إيران تضيع الوقت لأن الآن هو وقت الكلام. يوما ما سيكون الأوان قد فات»، موضحا أنه: «إذا بلغنا نهاية العام ولم نكن حققنا شيئا» في المفاوضات التي أعيد إحياؤها في الأول من أكتوبر في جنيف بين إيران والدول الغربية «عندها سنطرح السؤال».