أكثر من 80 قتيلا و200 جريح في تفجير بيشاور

كلينتون: واشنطن تقف إلى جانب باكستان ضد المتطرفين

وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال اجتماعها أمس مع نظيرها الباكستاني شاه محمود قريشي في العاصمة إسلام آباد أمس (ا.ب)
TT

«هناك أشلاء وأناس محترقون وجثث وجرحى», الكلمات تكاد تخون الطبيب مسلم خان الذي هرع لنجدة ضحايا الاعتداء الدموي الجديد الذي ضرب أمس سوقا مكتظة في بيشاور وأسفر عن أكثر من ثمانين قتيلا. واحدث الانفجار فجوة هائلة أدت إلى انهيار مبنى والعديد من المتاجر في سوق مينا الأكثر اكتظاظا في هذه المدينة الكبرى في شمال غربي باكستان. وقال وزير الإعلام في الولاية الحدودية الشمالية الغربية ميان افتخار حسين للصحافيين لدى خروجه من مستشفى بيشاور الرئيسي إن «ثمانين شخصا قتلوا وأصيب 200 في الانفجار». وأكد الطبيب صاحب غول من قسم الطوارئ في المستشفى أن «عدد القتلى يتجاوز الثمانين. إنهم في غالبيتهم نساء وأطفال». وأضاف «نواجه نقصا في كميات الدم. أوجه نداء إلى جميع المتطوعين للمجيء والتبرع بالدم». لكن هذه الحصيلة مرشحة للارتفاع وخصوصا أن العديد من الضحايا لا يزالون تحت الأنقاض. وقال محمد صديق «كان الانفجار ضخما. الدخان والغبار في كل مكان. شاهدت أناسا يموتون وآخرون يصرخون من الألم». وانهمك عناصر الإطفاء حوله في إخماد حرائق عدة اندلعت، فيما سارع عناصر الشرطة إلى إجلاء سكان أصابهم الذعر نحو الشوارع الضيقة التي تحيط بالسوق. ودمر الانفجار في شكل كامل مسجدا وثلاثة مبان محاذية للسوق. وأصيبت مساكن أخرى وسيارات عديدة بأضرار، وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية. وسط هذه الفوضى، اخذ رجل يكرر من دون وعي اسم احد أفراد عائلته، فيما راح آخر يعض أصابعه محاولا إخفاء دموعه أمام مشهد المتاجر التي تلتهمها النيران. وقال شوكت مالك الذي ينتمي إلى فريق من خبراء المتفجرات «كانت سيارة مفخخة. لا يزال أناس تحت الأنقاض ونحاول إنقاذهم». وقدرت زنة المتفجرات المستخدمة بـ150 كلغ. ويظهر هذا الهجوم الجديد، وهو احد الهجمات الأكثر دموية في باكستان، خطورة التهديد الذي تشكله طالبان. وقد وقع قبل ساعات من وصول وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي حضرت للقاء المسؤولين السياسيين والعسكريين الباكستانيين. ولم تتبن أي جهة الاعتداء، لكنه يندرج في إطار الهجمات التي تشنها حركة طالبان الباكستانية والتي أسفرت عن أكثر من 200 قتيل خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) فقط. وقال ميان افتخار حسين «انه رد من الإرهابيين على العملية التي تنفذ في وزيرستان الجنوبية. إننا نقتلهم هناك فيردون في مدننا». وتدارك أمام الصحافيين «لكننا لن نرضخ للإرهابيين». ويشن الجيش الباكستاني منذ 17 أكتوبر هجوما بريا يهدف إلى طرد متمردي طالبان من معقلهم في وزيرستان الجنوبية، في مناطق القبائل المحاذية لأفغانستان.

وتقع مدينة بيشاور على حدود هذه المناطق التي يتحصن فيها مقاتلو طالبان الباكستانية وآخرون مرتبطون بـ«القاعدة». وتعرضت المدينة لسبع هجمات خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.

وتشهد باكستان منذ أكثر من عامين موجة اعتداءات غير مسبوقة خلفت أكثر من 2300 قتيل وتنسب في غالبيها إلى طالبان الباكستانية المرتبطة بـ«القاعدة».

وفي إسلام آباد أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي تزور باكستان أمس، عقب تفجير انتحاري بسيارة مفخخة في سوق مكتظة في مدينة بيشاور الشمالية الغربية، أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب باكستان في قتالها ضد «الجماعات الوحشية المتطرفة».

وصرحت كلينتون في مؤتمر صحافي بأن «باكستان تخوض كفاحا متواصلا ضد الجماعات المتطرفة العنيدة والوحشية التي تقتل الأبرياء وتروع المجتمعات». وأضافت «هذا كفاحنا نحن أيضا، ونشيد بالجيش الباكستاني لقتاله الشجاع, ونقف جنبا إلى جنب مع الشعب الباكستاني في قتاله من اجل السلام والأمن». وتابعت «وسنمدكم بالمساعدة التي تحتاجون إليها». وأضافت انه رغم أن ذلك «يبقى أولوية كبيرة، ولكننا ندرك كذلك انه من المهم توسيع علاقاتنا مع باكستان»، مؤكدة أن الولايات المتحدة تريد «تعزيز الديمقراطية» والمؤسسات المدنية. وتأتي زيارتها في منعطف مهم لباكستان بعد أن اظهر تصاعد الهجمات الدموية أن متطرفي طالبان و«القاعدة» يستطيعون استهداف أي شخص في أي مكان، وفي الوقت الذي يشن فيه الجيش هجوما واسعا. وأقرت كلينتون بوجود «سوء فهم» و«خلل في الاتصالات» بين البلدين إلا أنها أكدت أن إدارة اوباما ملتزمة ببناء علاقة طويلة الأمد مع البلد المضطرب. وأضافت أن «تسعة أشهر ليست فترة طويلة لتغيير علاقة فيها الكثير من الشوائب». وأكدت «لقد رفعنا مستوى التخاطب وتبادل المعلومات خلال الأشهر التسعة الماضية». وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز الحكومة المدنية في باكستان والتي توترت علاقاتها مع الجيش المتنفذ في أعقاب إقرار خطة المساعدات الأميركية غير العسكرية الضخمة البالغة قيمتها 5،7 مليار دولار. وانتقد الجيش والمعارضة الباكستانية تلك الخطة التي تهدف إلى مساعدة باكستان في قتالها للتمرد الإسلامي وذلك عن طريق بناء المدارس وتدريب الشرطة وتعزيز الديمقراطية، بحجة أنها تنتهك سيادة باكستان. وأعربت كلينتون عن «قلقها» بشأن المعارضة وأكدت أن الخطة لا تفرض أي شروط على باكستان، متعهدة بتقديم مزيد من المساعدات. وقالت «سنكشف عن بعض الاستثمارات التي نقوم بها في باكستان على الصعيد المدني» في إشارة إلى إنشاء الوظائف وإيجاد مصادر طاقة يمكن الاعتماد عليها وكذلك المساعدة في قطاعي التعليم والرعاية الصحية. ويشارك نحو 30 ألف جندي باكستاني في عملية عسكرية واسعة ضد مقاتلي طالبان في وزيرستان الجنوبية الواقعة في منطقة القبائل المحاذية لأفغانستان، حيث يعتقد مسؤولون أميركيون بأن «القاعدة» تخطط لهجمات على الغرب منها. وقالت كلينتون انه «من المهم إدراك الثمن الباهظ الذي يدفعه الباكستانيون» في الحرب على التمرد الإسلامي. وأضافت أن «الجيش ملتزم بشكل استثنائي وعلينا أن ندعمه بكامل قدرتنا». ويتوقع أن تلتقي كلينتون بعدد من المشردين الذين فروا من وجه القتال في وزيرستان الجنوبية والذين يتجاوز عددهم 200 ألف شخص.