«منتدى المستقبل» يناقش في مراكش سبل تعزيز التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بشمال أفريقيا والشرق الأوسط الموسع

وسط دعوات لتفعيل توصياته السابقة وإخراجه من حالة الجمود التي يعانى منها

TT

بدأت أمس بمدينة مراكش المغربية، فعاليات الدورة السادسة لـ «منتدى المستقبل» بعقد اجتماع للخبراء وكبار الموظفين، على أن يتواصل اليوم، باجتماع على مستوى الوزراء، يتوج بإصدار بيان ختامي، ينتظر منه، حسب المنظمين، «أن يحمل بين طياته رسالة قوية موجهة إلى المجتمع الدولي، عامة، والمجتمع المدني، خاصة».

وتشكل هذه الدورة، التي تنظم بشراكة بين المغرب وإيطاليا، بصفتها رئيسة دول مجموعة الثماني برسم السنة الحالية، مناسبة لتقييم مختلف الإنجازات التي تم تحقيقها، والمبادرات التي تم اتخاذها منذ الدورة الأولى، وكذا تدارس دينامية ودور المجتمع المدني ومساهمته في الشراكة بين بلدان منطقة الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا وبلدان مجموعة الثماني. وتميزت الجلسة الخاصة بالخبراء وكبار الموظفين، بكلمة يوسف العمراني، وكيل وزارة الخارجية المغربية، استعرض فيها الترتيبات التي اشتغلت عليها الرئاسة الحالية للمنتدى، والتي «عملت على تمتين مكتسبات الماضي، واستكشاف آفاق عمل جديدة وخلاقة، من خلال وضع مقاربة تقييمية لهذه الشراكة وتنويع أنشطتها عن طريق إدراج مواضيع جديدة مثل التنمية البشرية».

ودعا العمراني إلى «توحيد الجهود من خلال إعطاء قيمة نوعية لعملنا المشترك، تأخذ بعين الاعتبار قدرتنا على الاستماع إلى بعضنا البعض، واستعدادنا الدائم لتنفيذ الأهداف التي سطرناها سويا».

وزاد قائلا «علينا أن نتجنب أسباب الريبة والتوجس والخوف من الآخر، وهي مشاعر تتولد وتقوى بسبب انعدام المعرفة بالآخر».

بالمقابل، طلب العمراني من المجتمع المدني «أن يعمل بشكل إيجابي ومسؤول وفي جو من الشفافية والموضوعية، وذلك حتى تكون مساهمته مكملة للمجهودات الحكومية ومواكبة لها». وتحدث العمراني عن السياق الدولي والجهوي، الذي ينعقد فيه المنتدى، وقال إنه يختلف عن السياق الذي عقدت فيه الدورات السابقة، بعد أن طرأت أخيرا مجموعة من التحولات، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو المالي، مشيرا إلى الآثار الوخيمة التي خلفتها الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة، فضلا عن «الأحداث الأخيرة المؤسفة والمقلقة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط من اقتحام سافر ومستمر للحرم القدسي». ورأى العمراني أن اجتماع مراكش، مطالب بالتفكير بتروٍّ بغية الوصول إلى فهم أفضل للتحديات المرتبطة بهذه التحولات الدولية الكبرى، والخروج بتصور أمثل «للسيناريوهات الممكنة بمنطقتنا، التي تزخر بمؤهلات مهمة كفيلة بتحقيق التنمية المنشودة، مما يتعين معه وضع مقاربة حازمة وتضامنية، والعمل على تضافر الجهود بشكل عملي وفعال لتحقيق الأهداف المنشودة».

وشدد العمراني على القول إن «النظام الديمقراطي يشكل أحد العوامل الأساسية المحفزة للسلم والاستقرار والازدهار، بيد أن الديمقراطية ليست خلطة سحرية قادرة على معالجة كل الصعاب بشكل فوري وإنما هي ثقافة حية تتجذر بمرور الوقت وبالصبر والحزم والمثابرة، وهو ما يعني أن وضع نماذج للديمقراطية يختلف من بلد لآخر، وذلك حسب خصوصية كل بلد على حدة، وظروفه الخاصة وغناه الثقافي، في حين أن القيم الديمقراطية تظل عالمية».

وخلص العمراني إلى القول «إن نجاح أي مشروع إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يظل رهينا بمدى الاستفادة من طاقات كل دولة واحترام وتيرة تطورها، حيث أثبتت التجارب السابقة أهمية الانتقال الديمقراطي التدريجي المحرر للطاقات الفردية والمحترم للمصلحة العامة في كل مسلسل ديمقراطي وتنموي».

وسبق انطلاق أشغال «منتدى المستقبل»، اجتماع تمهيدي لـ«منتدى المستقبل» لمنظمات المجتمع المدني لمنطقة الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا، عقد بالدار البيضاء، مساء السبت الماضي، الذي دعا الاجتماع الوزاري للمنتدى إلى «تفعيل وإخراج المنتدى من حالة المراوحة والجمود التي يعاني منها في الفترة الأخيرة، واقتراح آلية لمتابعة نتائجه وقراراته وتوصياته من خلال متابعة الحوار المعمق بين منظمات المجتمع المدني»، كما وجه الدعوة لحكومات المنطقة لـ«اعتماد العدالة الانتقالية كآلية لفض النزاعات، وتجاوز مراحل الصراع والاقتتال الداخلي، واحترام الحق في التنوع والتعدد الثقافي والعرقي والديني والمذهبي في دول المنطقة، ودعم منظمات المجتمع المدني بالحركة الإصلاحية الديمقراطية السلمية القائمة في إيران وإقرار حقها في التعبير والتنظيم والتظاهر».

ودعا المشاركون في هذا الاجتماع التمهيدي إلى «التدخل العاجل لإيقاف التدهور الحاصل في مدينة القدس من تهويد بيوت الفلسطينيين وتهجيرهم»، وألحوا على «أهمية إيقاف الاستيطان وإلغاء كل مظاهر الاحتلال»، إيمانا منهم بأن تحقيق العدالة في فلسطين غير منفصل عن تحقيق الديمقراطية في المنطقة، كما طالبوا بـ«العمل على تأييد ومتابعة الجهود الدولية الرامية إلى متابعة وإعمال توصيات تقرير ريتشارد غولدستون، وذلك إيمانا من المشاركين والمشاركات بأن إحلال السلم بالمنطقة يمر عبر الالتزام بالشرعية الدولية».

وفي سياق ذلك، قالت أمينة بوعياش، الأمينة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط» «قدمنا تقارير مشتركة بين المنظمات والحكومات، انطلاقا من الورشات الثلاث التي عقدناها في الرباط والدوحة وبيروت، وهناك مطالبة بأن يصادق المجلس الوزاري للمنتدى على هذه التقارير».

ورأت بوعياش أن «المنتدى عرف تذبذبا، خلال السنوات الماضية، ولذلك تم التفكير في شكل مغاير للتحضير، حيث عملنا بشكل مشترك خلال الورشات، وخلال الاجتماع الوزاري سيتم طرح الإشكالات، ليس بطرح التوصيات، فقط، بل بمناقشتها».

وبشأن ما إذا كان هذا التوجه يشكل انتقادا ضمنيا لعدم تفعيل توصيات المنتدى، قالت بوعياش «هو انتقاد، وبحث عن آليات للتطوير. نحن لم نقف عند حدود الانتقاد، بل مررنا إلى مرحلة متقدمة، تحاول البحث في كيفية إيجاد مخارج لترسيخ حضورنا وأصواتنا كمنظمات مجتمع مدني». يشار إلى أن «منتدى المستقبل» هو مبادرة مشتركة للدول الأعضاء في مجموعة الثماني (ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا، اليابان، بريطانيا، روسيا) وعشرين بلدا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمفوضية الأوروبية، والجامعة العربية، تم إطلاقها في قمة مجموعة الثماني بسي آيلاند، في ولاية جورجيا الأميركية سنة 2004، حيث أكدت دول هذه المجموعة التزامها بالعمل على تشجيع الإصلاح في المنطقة والمساعدة على تهيئة بيئة مواتية لحوار شكلي، مرن، منفتح وشامل.

ويجمع المنتدى ممثلين حكوميين من بلدان المنطقة ومن دول مجموعة الثماني (على مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد والتجارة، وعند الاقتضاء وزراء التعليم أو التنمية)، وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص.

وتم تنظيم خمس دورات سنوية تحت الرئاسة المشتركة للمغرب والولايات المتحدة الأميركية (2004) والبحرين والمملكة المتحدة (2005) والأردن وروسيا (2006) واليمن وألمانيا الاتحادية (2007) والإمارات العربية المتحدة واليابان (2008).