واشنطن تواجه شريكا ضعيفا بكابل في زمن الحرب

تحوم حوله الشبهات لاستعادة الشرعية قبل إرسال مزيد من القوات

TT

مع تردد البيت الأبيض اول من امس، في قبول حميد كرزاي، كفائز في سباق الانتخابات الأفغانية، تواجه إدارة أوباما في الوقت الراهن تعقيدا جديدا، يتمثل في دعم شريك تحوم حوله الشبهات لاستعادة الشرعية الكافية لمساعدة الولايات المتحدة في البحث عن سبيل للخروج من الحرب التي تدور رحاها منذ ثماني سنوات. لكن يكون الأمر سهلا، نظرا لوجود الكثير من الأدلة التي تؤكد على سعي فريق كرزاي لضمان إعادة انتخابه، من خلال عمليات تزوير واسعة النطاق لهزيمة عبد الله عبد الله متحديه الرئيس في الانتخابات. ولم يخف مسؤولو الإدارة امتعاضهم من كرزاي، وتساءلوا خلال الاجتماع الذي عقدوه في البيت الأبيض، كيف ندرس إرسال عشرات الآلاف من القوات الإضافية الأميركية لدعم حكومة أفغانستان التي يعتبرها غالبية الأفغان غير شرعية؟

كان يفترض أن تكون الإجابة عبر الانتخابات. لكن الإدارة تقول الآن إن على كرزاي استعادة شرعيته مرة أخرى عبر تغيير نهج حكمه في وقت ينظر إليه فيه على أنه أضعف سياسيا من أي وقت مضى منذ عام 2001.

وقال أحد كبار مساعدي الرئيس أوباما:«سيتضح لنا خلال الأشهر الثلاثة أو الستة القادمة ما إذا كان سيتمكن من العمل بصورة مختلفة, وما إذا كان سيعمل بجدية لمواجهة الفساد وتعبئة جيش قادر على تولي المسؤولية منا، خاصة وهو يفقد القوات بالسرعة التي ندربهم بها». وأصر المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه بسبب السرية التي تحيط بها إدارة أوباما النقاشات الخاصة بشأن الاستراتيجية الجديدة وطلب الجنرال ماك كريستال القائد العسكري في أفغانستان 40,000 جندي إضافي. وأضاف المسؤول:«لم يكن هذا دون شك ما كنا نطمح إلى الوصول إليه قبل تسعة أشهر». يذكر أن الرئيس أوباما حاول جاهدا مع مساعديه خلال الأيام الأولى من رئاسته البحث عن بديل مقبول لكرزاي، لكن هذا المسعى لم يسفر عن نتيجة. ومنذ ربيع العام الحالي، سادت شكوك حول إمكانية بقاء كرزاي في القصر الرئاسي بعد انتهاء الانتخابات، وكان التساؤل عما إذا كانت نتائج التصويت ستظهر قدرة هذه الدولة المدمرة التي كانت تحت رحمة القوى الكبرى على تحمل تبعاتها. وقد برر قرار أوباما في مارس (آذار) الماضي بإضافة 21,000 جندي الحاجة إلى ضمان إقامة انتخابات عادلة وسلمية إلى حد ما، ودعم مصداقية كرزاي كي يمتد نطاق سلطاته إلى ما وراء كابل.

بيد أن الرئيس أوباما بدأ في التقليل من الطموحات الأميركية، مع نصيحة وزير دفاعه روبرت غيتس بالتراجع عن تحويل أفغانستان إلى دولة ديمقراطية على النسق الغربي، وتجنب استخدام كلمة انتصار التي اعتاد سلفه بوش على تكرارها. كما عمد إلى تضييق الأهداف العسكرية الأميركية من تدمير القاعدة ـ التي يعتقد أنها موجودة في باكستان ـ إلى منع طالبان من العودة إلى الحكم مرة أخرى. وقال أحد كبار مساعدي الرئيس أوباما في مجال الأمن القومي:«ما نحتاجه هو إضعاف قوة طالبان حتى يتمكن الجيش الأفغاني من السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد والقدرة على التعامل معهم».

وقال جيمس دوبينز الذي حاول صياغة استراتيجية أفغانستان لإدارة بوش ـ وكتب عن إحباطه بسبب تحول الأنظار إلى العراق ـ للكونغرس مطلع هذا العام «يجب أن يكون الهدف ضمان انخفاض أعداد القتلى بين المدنيين العام القادم أكثر من العام الحالي. ففي حملة مكافحة التمرد هناك فارق كبير بين الفوز والخسارة".

غير أن أهداف أوباما المحدودة تتطلب حكومة شرعية في كابل، تتمتع بقدرة إدارة الجيش وإعادة بناء قوات الشرطة الضعيفة والفاسدة. والتي تحتاج أيضا حكام أقاليم يتمتعون بالنزاهة في المعونات الغربية بصورة صحيحة. وقبل انتهاء الانتخابات فعليا، بانسحاب عبد الله عبد الله، طلب الرئيس أوباما من مستشاريه للأمن القومي ووزارة الخارجية الخروج بأجندة يمكنهم من خلالها الضغط على كرزاي، مثل الوصول إلى خصومه السياسيين والتخلص من حكام الأقاليم والوزراء الفاسدين والإعلان عن حملة جديدة ضد الفساد وإقامة حوار مع الشخصيات الأكثر اعتدالا في طالبان أو أولئك الذين لا يرتبطون بعلاقات وثيقة معها.

وقال السيناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والذي ساعد في ليّ ذراع كرزاي لقبول الانتخابات:«إذا كانت تلك مرحلة تغيير، يجب علينا أن نعزز من قدرة الحكومة الأفغانية، ونصر على ضرورة تبنيها إصلاحات دائمة».

يذكر أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقرب من ثلاثة أرباع تريليون دولار في أفغانستان، مع الحديث في الوقت ذاته عن تلك الإصلاحات الدائمة. وكانت إدارة الرئيس بوش قد قامت بجهود متواصلة لتحذير كرزاي من تورط أفراد عائلته في قضايا فساد تهدد حكومته. وأرسلت الوفد تلو الآخر لتعليمهم أساليب الإدارة الجيدة، والتي نجح بعضها، فيما انتقدوا البعض الآخر، على أنها إملاءات من الاحتلال الأجنبي وهو ما تسميه كوندليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة «الحساسية الأفغانية». وعلى مدار ثماني سنوات حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها تدريب القوات الأفغانية، وفي الوقت الذي تمتلك فيه قوات تقدر بأكثر من 90,000 جندي يشير القادة الأميركيون إلى أن القوات التي يحتاجونها لدعم حربهم ضد طالبان تقارب 50,000 جندي.

وفي النهاية فإن تلك القوة ـ الجيش الأفغاني الذي يمكن الوثوق به للدفاع عن الحكومة ـ هي طريق أوباما للخروج من أفغانستان. وإذا ما لاحت إمكانية الوثوق به وأنه قادر على السيطرة على مناطق حيوية في البلاد بالتعاون مع القادة المحليين، فبإمكان الرئيس أوباما حينئذ الإعلان عن أن البلاد لن تديرها الميليشيات مرة أخرى. عندئذ يمكنه الانسحاب مما سماه هذا الصيف «حرب الضرورة».

* خدمة نيويورك تايمز