آية الله حسين الصدر: الدور العربي شاغر في العراق.. والجارتان الشرقية والشمالية تملآن الفراغ

المرجع الديني لـ«الشرق الأوسط»: كنا نتمنى على الكيانات السياسية أن تكون بمستوى ثقافي وسياسي عال وأن تبتعد عن التراشق وتبادل الاتهامات

المرجع الديني آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر («الشرق الأوسط»)
TT

حث المرجع الديني، آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر، الأحزاب والكتل المرشحة للانتخابات النيابية القادمة في العراق على تقديم برامجها الانتخابية، قائلا إن أغلب الأحزاب ليس لها برنامج للمستقبل طرحته أو تطرحه على الشعب العراقي لتتيح للناخب معرفة برامج وأهداف هذه الأحزاب سواء على المستويات الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية أو الخدمية، كما دعا صناع القرار العراقي إلى الانفتاح على المحيط العربي.

واعتبر آية الله الصدر في حديث خص به «الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني أن مسألة «التنافس بين الأحزاب والكتل الانتخابية العراقية مسألة طبيعية وسليمة إلى درجة ما، فهذا ما يفرضه الواقع الديمقراطي في البلد، ذلك أن كل حزب يحاول أن يثبت أفضليته وأنه الأكثر قدرة والأصلح»، لكنه نبه إلى مسألة مهمة وهي أن «غالبية طروحات الكتل الانتخابية قائمة على أسس غير سليمة، منها مذهبية وطائفية وقومية وعرقية وحزبية، وهذه الطروحات لا تتمكن من بناء العراق وهي ليست في صالح الشعب العراقي ووحدته الوطنية، ويجب أن تقوم هذه الطروحات على أسس المواطنة والانتماء للعراق والكفاءة والنزاهة».

واستطرد قائلا «كنا نتمنى على الكيانات السياسية أن تكون بمستوى ثقافي وسياسي عال، وأن تبتعد عن التراشق وتبادل الاتهامات فيما بينها حيث لا تنفع هذه الأساليب الناخب العراقي بشيء، وأن تقوم بالتعريف عن نفسها وعن مرشحيها وبرامجها ليتاح للعراقيين اختيار من يرونه صالحا لهم»، منوها إلى تفاؤله من النظام الديمقراطي، وقال «مع ذلك أرى أن العراق الآن يسير بالاتجاه الصحيح مع كل ما يعانيه من مشكلات وعقبات وآلام».

وحول الخلافات الدائرة بين الكتل السياسية بصدد القائمة الانتخابية المفتوحة والمغلقة وتعدد الدوائر الانتخابية، قال آية الله الصدر«أنا كنت من أوائل من تحدث، بل وتحدثت كثيرا، عن ضرورة اعتماد القائمة المفتوحة لأنها تمثل جوهر الديمقراطية، وأن تكون الدوائر الانتخابية متعددة وبواقع قائمة انتخابية لكل محافظة، ذلك أن القائمة المغلقة هي خلاف للنظام الديمقراطي، فالناخب العراقي يختار شخصا بعينه وليس رقما مبهما، وطلبت من الكيانات الانتخابية أن تكون واضحة وصريحة مع الشعب العراقي وأن يعرضوا للناخبين كفاءات وامتيازات ومواصفات مرشحيهم»، منوها إلى أن «ما يعانيه العراق اليوم من مشكلات هو بسبب القائمة المغلقة، إذ انتخب العراقيون أرقاما، واليوم لا يجدون من يذهبون إليه من البرلمانيين لمساعدتهم».

ويعتبر العراقيون المرجع الديني آية الله الصدر، الأكثر انفتاحا، ولا يخلط بين السياسة والدين، وينتهج أساليب أكثر معاصرة، حيث تشرف مؤسسته «الحوار» ـ التي لها فروع في جميع أنحاء العراق وغالبية الدول العربية كما ستفتتح لها فرعا في لندن الشهر المقبل ـ على العشرات من المعاهد الدراسية والتدريبية المتطورة التي تعتمد أساليب حديثة للغاية لكلا الجنسين، إضافة إلى معاهد متطورة للمكفوفين والأيتام تعد هي الأولى في العراق. كما أنه المرجع الديني الوحيد المنفتح بحرية على الإعلام، سواء من خلال القناة الفضائية التلفزيونية (السلام)، أو صحيفة (نداء السلام)، ودوريات أخرى تشرف عليها مؤسسة السلام الإعلامية، كما أنه معروف عنه استقباله للكتاب والمثقفين والإعلاميين في مكتبه بمدينة الكاظمية، بل ويتواصل مع غالبيتهم عبر شبكة الإنترنت.

وتحدث المرجع الديني عن الأوضاع الراهنة في العراق، قائلا، إن «العراق ما زال يمر بمخاض عسير، مخاض سياسي وأمني واقتصادي وفكري، هذا المخاض ربما تطول سنواته، وتكثر مستلزماته، ولا أعتقد أن الأسباب مجهولة لكل من يتدبر جيدا طبيعة النقلة التي مر ويمر بها هذا البلد، وطبيعة تركيبته الاجتماعية والفكرية والدينية، ليس من شك أن الواقع الإقليمي له دور في كل ذلك، ولم تتبلور لحد الآن معالم المنهج الاقتصادي الذي يمر به البلد، كذلك السياسي إلى حد ما، كذلك الجانب التربوي، أقصد على مستوى تخطيط الدولة، على مستوى قرارات الدولة، ما زال هناك تعثر في إرساء صورة واضحة للدولة وبرامجها»، منوها إلى أن «هناك شبه توجه نحو بلد ديمقراطي مدني تعددي، يستعين بالموروث، ويحتل فيه المقدس مكانته الروحية المتميزة، وهناك وعي بأهمية هذا المقدس كموجِّه، ومنقذ روحي، وداعم وهي علامة وعي في تصوري».

وأشار إلى أن «الوضع الأمني سيبقى معرضا لاهتزازات قوية، بين الحين والآخر، لأن العراق أضعف حلقة في المعادلة الإقليمية، ولأن بعض دول الجوار حولت العراق إلى ساحة صرا ع متبادل، أو هي طامعة بخيرات العراق، وهناك خلل واضح في تركيبة القوات المسلحة، لم يعد هناك بناء دقيق، محكم»، مطالبا بأن «تعيد وزارتا الداخلية والدفاع خططهما، ويجب أن تكون هناك عملية إعادة شاملة للخطة الأمنية، فإذا لم يكن هناك أمن فليس هناك نظام ديمقراطي بالمعنى الموضوعي الصحيح».

وشدد آية الله الصدر على أن «الشعب كله ضد الطائفية والعنصرية، ولكن رجال السياسة يلعبون بهذه الأوراق المدمرة، نحن نحترم الهويات الدينية والمذهبية والقومية، مسلم، مسيحي، شيعي، سني، عربي، كردي، تركماني، هذه هويات فرعية، ولسنا ممن يقول إنها هويات قاتلة، هذا التصور مخالف للحقيقة، ضد قانون الاجتماع الإنساني، هي قاتلة عندما يتم تغليبها على الهوية الأم، والهوية الأم هي العراق، والعراق على كل حال ماض، لعل من الأدلة على أنه ماض للأمام هذا الخوف الذي ينتاب بعض الأنظمة المجاورة».

وعن أزمة الحكومة العراقية مع بعض الدول العربية، قال آية الله الصدر «ليس هناك فتور بين العراق وبعض أنظمة العالم العربي، بل هناك أزمة، كما هو الحال مع سورية مثلا، وهناك برود مع السعودية، وهناك ثقة مترددة مع مصر، وهناك نقاط خلاف ليست سهلة بين العراق والكويت، الحصيلة أن هناك وضعا غير طبيعي بين العراق والكثير من أنظمة العالم العربي»، محملا «صنّاع القرار السياسي وبعض الأنظمة العربية مسؤولية هذه الأوضاع».

وقال «كان الأجدر بصنّاع القرار السياسي العراقي أن ينفتحوا على العالم العربي منذ سقوط النظام، وكان الواجب على العالم العربي أن يقبل بالعراق كما هو، وليس من منطلق تغيير الواقع الذي فرض نفسه»، مشيرا إلى أن «علاقة العراق بالعالم العربي كانت متأزمة في زمن الحكم السابق، وإن تحميل الوضع العراقي الجديد حصرا بذلك خطأ كبير، لقد قضى النظام السابق على مقولة أو مشروع الأمن القومي العربي، وليس من شك، وإن تخلف أو تلكؤ بعض صناع القرار السياسي في العراق عن الانفتاح الجاد والمؤثر والمسؤول على العالم العربي ترك آثاره المؤسفة في هذا المجال»، منوها إلى أنه «من الأجدر بالحكومات العربية أن تبادر وتأخذ زمام المسألة بعين الجد والمسؤولية، خاصة وهي أنظمة مستقرة، وقد عانت الأمرين من حكم النظام السابق، ولقد كان لهذه السياسة ذات النكهة السلبية نتائجها السلبية على النظم العربية ذاتها».

وأضاف المرجع الديني قائلا «إن الطبيعة تكره الفراغ كما يقول علم الفيزياء، كذلك الساحة السياسية تكره الفراغ، وعدم الحضور العربي الإيجابي البنّاء الفاعل في العراق ترك الساحة لغير العالم العربي أن يأخذ راحته بكل هدوء وقوة ومُكنة، بل إن ما تشاهده بعض الأنظمة العربية من مشاهد إرهابية مزعجة وموجعة على يد (القاعدة) وغيرها ربما كان بسبب هذا الفراغ الذي كانت هي من أسبابه الرئيسية، مشكلة الأنظمة العربية أو بعضها أنها تتعامل في العمل السياسي وفق لعبة خطرة، هي إما وإما، وهذه لعبة ابتلعها التاريخ، أصبحت في خبر، خاصة بعد انتعاش وعي الأقليات في هذا العالم، وانتشار ريح الديمقراطية ولو على شكل أفكار وأمنيات، وهي لعبة بدائية في تصوري، لم تأخذ بنظر الاعتبار مستجدات الفكر السياسي الحديث، ولا تجارب السياسة المعاصرة».

ودعا «الأنظمة العربية إلى عدم التدخل بشؤون العراق الداخلية، ولكن هناك شك بذلك للأسف الشديد، لا أريد التسمية هنا، ولكن تشير المعلومات والتحليلات إلى أن بعض الأنظمة العربية تتدخل بالشأن العراقي بشكل أو بآخر، وهذا يتيح للجارتين الشرقية والشمالية الشرقية أن يكون لهما الحضور الأكثر فاعلية في العراق»، في إشارة إلى إيران وتركيا.

ودعا آية الله الصدر «العراق إلى مصارحة الأنظمة العربية، التي ما زالت تتعثر في فتح سفارات لها في بغداد، أو التي لها مشكلات استراتيجية مع بغداد أن يجلسوا على طاولة واحدة، علنية، صريحة، لوضع تصور لعلاقات أفضل».