بري يهدد بالاعتصام داخل المجلس النيابي حتى تأليف الحكومة

العقدة حقيبة رابعة لعون هي الشؤون الاجتماعية.. أو ما يوازيها

TT

نقل أمس عدد من النواب اللبنانيين عن رئيس مجلس النواب نبيه بري أن «الأزمة الحكومية وصلت إلى مرحلة توجب تحركا فاعلا لتأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن». وقالوا إن بري بصدد تقديم ثلاثة مقترحات هي: أولا، التمني على الرئيس ميشال سليمان الدعوة إلى طاولة الحوار الوطني للبحث في الأزمة.. والثاني دعوة مجلس النواب إلى اجتماع عام من أجل مناقشة الأزمة الحكومية.. والثالث أن يلجأ شخصيا إلى الاعتصام في المجلس النيابي إلى أن تحل الأزمة وتؤلف الحكومة». وكان بري أرجأ أمس جلسة انتخاب أعضاء اللجان للمرة الثانية على التوالي، إلى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة، ذلك أنه لم يحضر سوى 46 نائبا بينهم أربعة نواب من الأكثرية.

وبالعودة إلى مسألة تأليف الحكومة، لخص مصدر من الأكثرية النيابية لـ«الشرق الأوسط» الأزمة، معتبرا أن «المشكلة تتجلى على مستويين: المستوى الأول وقوف قوى المعارضة خلف (رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب) الجنرال (ميشال) عون. أما المستوى الثاني فيكمن في مقاربة الجنرال عون العروض التي يقدمها الرئيس المكلف الشيخ سعد الحريري من دون الخوض في تفاصيلها. فهو (عون) ينتقي ما يناسبه من العرض ويرفض الباقي». ويعيش لبنان في وضع عدم وجود حكومة منذ انتهاء ولاية البرلمان السابق في 20 يونيو (حزيران) الماضي، رغم اتفاق القيادات السياسية اللبنانية منذ الأيام الأولى لتكليف النائب سعد الحريري بتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة على مبدأ قيام حكومة شراكة تضم المعارضة والموالاة، ثم اتفقوا على صيغة تقاسم مقاعد هذه الحكومة بينهم فتنال الأكثرية 15 وزيرا بحيث لا تمتلك أكثرية مقاعد الحكومة المؤلفة من 30 وزيرا ولا تستفرد بالقرار، وتنال المعارضة 10 وزراء بحيث لا تنال أكثر من ثلث المقاعد فتعطل القرارات الكبرى، وينال رئيس الجمهورية التوافقي العماد ميشال سليمان 5 وزراء يمثلون كفة التصويت ترجيحا أو تعطيلا. عندها كان من المفترض أن تنتهي مفاوضات تقاسم الحقائب الـ17 بين القيادات المعنية، بالإضافة إلى 13 وزير دولة، خلال أيام. لكن ما حصل هو أن هذه العملية استغرقت حتى الآن نحو 5 أشهر، وهي مرشحة للمزيد من التمديد إذا لم تحسم الاتصالات الجارية قضية التأليف قريبا. وقد انحصرت عملية التفاوض بين الرئيس المكلف وعون. فرئيس الجمهورية حسمت حصته مباشرة بتوافق شبه كامل، وكذلك كانت حصة الفريق الشيعي المتمثل في حركة «أمل»، التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، فينال الأول حقيبتي الخارجية والصحة ووزارة ثالثة، وينال «حزب الله» حقيبة «العمل» أو لا ينالها باعتبار أن هم الحزب هو المشاركة في الحكومة بوزير على الأقل ووزيرين على الأكثر. وفي المقابل حسم النائب وليد جنبلاط حصته المؤلفة من 3 وزراء بينها وزارة الأشغال من نصيب وزيرها الحالي غازي العريضي، بعدما نجح في تخطي عقبة وضع «القوات اللبنانية» عينها عليها، فيما أبدت القوى المسيحية في «14 آذار» تعاونها الكامل مع الرئيس المكلف. ويبدو الآن أن العقدة الأخيرة تتمثل في حصول عون على حقيبة توازي حقيبة الشؤون الاجتماعية تضاف إلى حقيبتي الاتصالات والطاقة ووزارة ثالثة قد تكون السياحة أو ما يوازيها. وتلعب الوزارات ونوعيتها دورا كبيرا في التوزيع الطائفي والسياسي وحتى المناطقي في لبنان، وهي خريطة معقدة وبسيطة في آن واحد، معيارها النفوذ الذي تسمح به هذه الوزارات لشاغليها. وبناء على العرف المعتمد في لبنان، يتقاسم المسلمون والمسيحيون السلطة في الإدارات الرسمية والمؤسسات الدستورية مناصفة، ونسبيا بين المذاهب في كل طائفة. وفي السنوات التي تلت إبرام اتفاق الطائف، واعتماد التعديلات الدستورية التي نص عليها، جرى اعتماد صيغة الحكومة الثلاثينية ـ ما خلا بعض المرات ـ التي يسهل تقاسمها بين الطوائف والسياسيين في وقت واحد. وتتوزع التركيبة الطائفية لأي حكومة ثلاثينية ـ كتلك المنتظرة ـ مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بمعدل 15 وزيرا مسلما ـ بينهم رئيس الحكومة ـ و15 وزيرا مسيحيا. أما التوزيع داخل كل طائفة فيكون بستة وزراء سنة (بينهم رئيس الحكومة) وستة وزراء شيعة و3 وزراء دروز. أما مسيحيا، فتنال الطائفة المارونية 6 وزراء باعتبارها الأكبر، وتوزع المقاعد الباقية بين طائفة الروم الأرثوذكس (4 وزراء) والروم الكاثوليك (3 وزراء) والأرمن (مقعدان). ويدخل الاعتبار الطائفي في العمق أكثر، لجهة نوعية الوزارات التي يحصل عليها وزراء كل طائفة، فإذا حصل السني على وزارة المال سيحرم السنة حكما من وزارة «سيادية» ثانية، لأن الوزارات السيادية مقسمة بين الطوائف الكبرى، وهذه الوزارات هي: الدفاع والداخلية والخارجية والمال. وقد انضمت إليها بالأهمية أخيرا وزارة العدل لارتباطها بملفات قضائية مهمة، منها قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيرها. وهكذا درج العرف على التوزيع الطائفي والسياسي لهذه الوزارات، فينال كل طرف سياسي حصته من إحدى الوزارات السيادية من طائفته، أو طائفة فريقه السياسي. وستتوزع الوزارات السيادية في الحكومة المقبلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي سينال منها وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ويشغلهما الوزيران إلياس المر (أرثوذكسي) وزياد بارود (ماروني)، فيما ينال الرئيس المكلف وزارة المال عبر وزير سني ورئيس مجلس النواب نبيه بري وزارة الخارجية عبر وزير شيعي. وقد أوجد هذا الواقع أولى العقد التي وقفت في وجه التركيبة الحكومية، إذ إن عون طالب بداية بإسناد إحدى الوزارات السيادية إلى فريقه، وهو ما حال دونه الاتفاق غير المعلن على تولي رئيس الجمهورية ملف الأمن، وبالتالي حصوله على وزارتي الدفاع والداخلية، فطالب بوزارة أخرى «توازيها» ملمحا إلى العدل. ومع قبول فريق «14 آذار» بالشراكة الحكومية، كان لا بد من تنازلات «مؤلمة»، يبدو أنها ستكون من نصيب الرئيس المكلف الذي كان يريد الحصول على وزارات المال والاتصالات والطاقة والعدل، وكل منها لسبب يراه وجيها. فوزارة المال شريك أساسي في بناء وتطبيق السياسة الاقتصادية، وتوقيع وزير المال ملزم على كل مشروع يحتاج إلى صرف أموال، أما وزارة العدل فلها اعتبارات أمنية ـ قضائية في المرحلة المقبلة، سواء لجهة إدارة ملف القضاء اللبناني والإصلاحات فيه، أو لجهة التعامل مع بعض الملفات الحساسة قضائيا، ومنها ملفات الاغتيالات. أما وزارة الاتصالات، فهي وزارة منتجة تدخل نحو مليار دولار سنويا إلى خزينة الدولة، وهو رقم تراه مصادر قريبة من الرئيس المكلف قليلا مقارنة بالإمكانات التي توفرها، وقد تحدث النائب المقرب من الحريري عقاب صقر في بداية المفاوضات الحكومية عن وجود «مشروع» لدى الحريري للنهوض بهذا القطاع من شأنه أن يوفر آلاف فرص العمل للبنانيين والمزيد من المداخيل للخزينة. أما وزارة الطاقة فلا تقل أهمية، إذ إنها تدير قطاع الكهرباء، الذي يعتبر أحد أكبر «مزاريب الهدر»، إذ تقارب كلفة خسائره ما ينتجه قطاع الاتصالات.

ولما كانت وزارة المال من الحساسية، بحيث لا يمكن إسنادها إلى وزير معارض «قد يعطل بعدم توقيعه الكثير من المشاريع»، وكذلك وزارة العدل «لما قد يسببه فيها وزير مشاكس من مشاكل»، كان لا بد من التضحية بالمشروعين «الإنعاشيين» لقطاعي الاتصالات والطاقة، مع إمكان المساهمة بالنهوض بهما من خلال مجلس الوزراء مجتمعا الذي يرسم السياسات العامة. وتعتبر الوزارات السيادية في قمة الهرم الوزاري، لجهة تهافت القيادات السياسية عليها،