«الحُرّث» مجددا من السياحة والزراعة إلى اعتداء الحوثيين

بعد مرور تسع سنوات على ظهورها في أحداث حمى الوادي المتصدع

TT

في مطلع عام 2001 كانت طائرات الرش الوبائي تجوب سماء محافظتي الحُرّث والعارضة لمكافحة انتشار وباء حمى الوادي المتصدع الذي أصاب المنطقة آنذاك مخلفا خسائر في الأرواح والموارد الاقتصادية لسكان المنطقة. وهو الأمر الذي استدعى من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد حينها) أن يتجه مباشرة من العاصمة الفرنسية باريس حيث كان يقوم بزيارة إلى فرنسا، لتهبط طائرته في مطار جازان الإقليمي في خطوة جذبت الاهتمام العالمي والمحلي على كل المستويات، للاهتمام بهذا الجزء في أقصى أطراف السعودية في منطقة جازان (جنوب غربي السعودية).

وبعد ما يقرب من تسع سنوات على ذلك الاهتمام الفريد، وفجأة، تدخل محافظة الحرث حيز المتابعة السياسية والأمنية والرصد الإعلامي والترقب الاجتماعي، بعد أن شهدت يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين أول اعتداء من المتمردين الحوثيين اليمنيين على جبل دخان الواقع داخل الأراضي السعودية، مما أسفر عن مقتل رجل أمن وإصابة 11 آخرين، لتشهد المحافظة مرة أخرى تحليقا مكثفا للطائرات في أجوائها ولكن هذه المرة في تحرك عسكري من قبل القوات السعودية للرد على المتسللين الذي اعتدوا على حدودها. وليست هذه هي المرة الأولى التي تكون فيها الحرث تحت نطاق تحليق لطيران حربي، فسكان هذه المنطقة يتذكرون مشهدا مماثلا يعود إلى ستينات القرن الماضي أثناء تدخل القوات المصرية في صراع الملكية والجمهورية.

تبعد محافظة الحرث المتفيئة بظلال المرتفعات اليمنية المطلة عليها من الشرق عن مدينة جازان بنحو 60 كيلومترا، ويقدر عدد سكانها بنحو 50 ألف نسمة، وتمتاز بمناخها المعتدل شتاء والحار صيفا مع هطول الأمطار بشكل مستمر وخصوصا في فترة الصيف، مما ساعد في ازدهار نشاط الزراعة، ويعد القمح والذرة والسمسم والدخن أهم المحاصيل الزراعية، إلى جانب أنواع متعددة من الفواكه، كالموز والمانجو والخضراوات والطماطم والبامية والفجل والملوخية.

وفي كتب الأدب تحضر محافظة الحرث كمسرح لأحداث رواية «الطين» التي ألفها الروائي السعودي عبده خال، حيث يصف في روايته طبيعة تلك الأرض، حيث يشتغل أهلها بالزراعة وتربية الأغنام والمواشي معتمدين على ما يدره وادي خلب الشهير من سيول كصورة تعود إلى حقبة من الماضي ما زالت تحتفظ بوجودها لدى كثير من السكان الذين ظلوا على طبيعتهم القروية. وإضافة إلى نشاطها الزراعي يحضر النشاط التجاري الذي يمارسه السكان لتصريف منتجاتهم الزراعية واقتناء مستلزماتهم الأخرى في مشهد سوق الخوبة الأسبوعية، إحدى أشهر أسواق منطقة جازان، والتي تعقد كل خميس. ويفد إليها المتسوقون من كل أنحاء منطقة جازان، ومن بعض مناطق المملكة الأخرى، وتعتبر مركزا تجاريا لتوافر جميع أنواع (البن) ذات الجودة العالية، وكذلك جميع المستلزمات من أوان منزلية حديثة وتراثية، وكذلك وجود أنواع مختلفة من الحيوانات والطيور والمواشي. وتعد السوق نقطة للتبادل التجاري ولكن بصورة شعبية بين اليمن والسعودية، حيث يفد إليها المتسوقون من المناطق الحدودية مع اليمن لبيع منتجاتهم بحثا عن مردودات مادية أفضل.

وتمتاز محافظة الحرث، التي تم تأسيسها بحاضرة الخوبة مع بداية توحيد المملكة العربية السعودية في عام 1932م، بوجود عدد من المواقع السياحية التي تشهد إقبالا كبيرا عندما تهطل عليها الأمطار، ومن أهم هذه المواقع العين الحارة، ووادي الدجن، ووادي دهوان، ووادي ذهبان، وجبل جحفان، وحجر سعيدة، والحصون، وسوق الخوبة المشهورة، ولكل من هذه المعالم طبيعته الخلابة ومناظره الشيقة التي تجمع بين الغطاء النباتي والتركيبة الجبلية ذات الارتفاع المتوسط واحتضانها للأودية التي تنبع من جبال صعدة في اليمن. ويعد متنزه وادي الدجن واحدا من أشهر هذه المتنزهات حيث يمتاز بغطائه النباتي الكثيف، مما جعله مقصدا للسياح ومكانا لعقد المناسبات الاجتماعية لمسؤولي المنطقة. وفي الفترة الأخيرة بدأت الهيئة العليا للسياحة في رصد عدد من المواقع السياحية بالمحافظة مثل العين الحارة وذلك لإعادة تأهيلها وتسجيلها ضمن المناطق السياحية السعودية.

وكغيرها من مناطق المملكة تشتهر الحرث في تركيبتها الاجتماعي بالبناء القبلي المتنوع، حيث تعد قبائل الهزازي والشراحيلي والمجرشي من أشهرها. وفي الجانب العمراني تشهد المحافظة نهضة عمرانية حولت مساكنها من النمط القروي الذي يتميز باتساع مساحة البيت وتناثر غرفه وملحقاته إلى النمط المعماري الحديث التي ينتشر في بقية مدن المملكة.

وفي المجال الصحي، أنشأت الحكومة السعودية أكثر من ستة مراكز رعاية أولية مجهزة بالتجهيزات اللازمة في مختلف أرجاء المحافظة، كما يوجد بها مستشفى اكتمل إنشاؤه وينتظر التشغيل بسعة (50) سريرا قابلة للزيادة، وكذلك هناك مركز لمكافحة الأمراض المستوطنة، أما في المجال التعليمي فتضم المحافظة الكثير من المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنين والبنات في معظم قراها، إضافة إلى مدرستين لتحفيظ القرآن الكريم للبنين والبنات أيضا.

وتشتهر الحرث كغيرها من المناطق المتاخمة للحدود اليمنية بكونها واحدة من أشهر نقاط التهريب القات والمواشي من اليمن إلى داخل السعودية، إضافة إلى أن أحداث صعدة الأخيرة قد ولدت نوعا من التهريب المعاكس، حيث انتشرت عمليات تهريب الوقود والدقيق منها إلى داخل صعدة.

يشار إلى أن منطقة جازان تقع في الجزء الجنوبي الغربي للمملكة العربية السعودية، وتحدها الأراضي اليمنية من الجنوب والشرق، ومن الشمال منطقة عسير، ومن الغرب البحر الأحمر، وتبعد عن مدينة مكة المكرمة بمسافة 700 كيلومتر.

وتقدر مساحة منطقة جازان بنحو 40 ألف كيلومتر مربع، وهذا يعني أنها تحتل مساحة 0.6 في المائة من مساحة السعودية، وتتميز المنطقة بطول سواحلها على البحر الأحمر، والتي تقدر بنحو 200 كيلومتر، إضافة إلى جبالها الشاهقة الخضراء الممتدة في الجهة الشرقية، وتتبع المنطقة عدة جزر في البحر الأحمر، أهمها وأكبرها جزيرة فرسان.

وتتميز جغرافية جازان بالتنوع الجغرافي الرائع، وتختلف عن بقية المناطق السعودية بجغرافيتها الفريدة، وتملكها لكل أنواع التضاريس، وهذا ما جعلها منطقة مؤهلة لكل الأعمال السياحية، فتحدها المناطق الجبلية من الشرق والتي تتميز بأجوائها المعتدلة صيفا والباردة شتاء، ويحتضنها البحر بشواطئه الجميلة من الغرب، فضلا عن الكثبان الرملية والسهول والأراضي الزراعية الخضراء التي تتميز بها المنطقة، وتجعلها من أجود مناطق السعودية زراعة، وهو ما قد يكون السر وراء تميز أبنائها بالشعر والثقافة.

وتعد جبال بني قيس والعبادلة وجبل سلا أشهر المرتفعات الجبلية، وهي تقع في القسم الجنوبي الشرقي من المنطقة، إضافة إلى جبال بلغازي الواقعة شرقي المنطقة، وجبال هروب، وجبال الريث، وجبال الربوعة، وجبال القرشة، وجبال الحشر.

كما تخترق 29 واديا منطقة جازان من الشرق إلى الغرب، وتصل كمية المياه التي تخزن في سد وادي جازان إلى نحو 45 مليون لتر مكعب، على الرغم من أن هذا الوادي ليس بأكبر أودية المنطقة، وإنما نفذ فيه مشروع السد للتحكم في مياهه واستغلالها في ري أراضيه الخصبة لاعتبارات فنية كقربه من العمران، وإلا فإن وادي بيش يفيض على أقل تقدير بأضعاف ما يفيض به وادي جازان.