أهالي جازان: 5 سنوات من مجاورة الحوثيين كانت نهايتها النزوح والتدخل العسكري

تهريب الدقيق وأصوات الانفجارات والقذائف المجهولة شكلت علاقتهم مع الحرب

عائلة جازانية تضررت من الأحداث على الحدود اليمنية
TT

وجد أهالي المناطق الحدودية في محافظات صامطة والحرث والعارضة التابعة لجازان (جنوب غربي السعودية) منذ الثامن عشر من يوليو (تموز) 2004، أنفسهم مضطرين لسماع أصوات الانفجارات والقصف الجوي، في أول ظهور لحركات التمرد الحوثي في محافظة صعدة اليمنية، المحاذية لجازان من ناحية الشرق.

هذه الأصوات التي كانت تسمع بشكل مكثف أحيانا ومتقطع في أحيان أخرى لم تكن تعني لسكان القرى الحدودية بجازان أكثر من كونها نشرة أخبار وحديث مجلس يتساءلون فيه عن حقيقة الأحداث التي تدور خلف جبال النضير ورازح والشعف المطلة على الشريط الحدودي بين جازان وصعدة، معتمدين في ذلك على روايات المتسللين اليمنيين عن الأحداث والأنباء الرسمية التي تبثها وسائل الإعلام اليمنية. ومع اتساع دائرة التمرد ومعاودة الحرب لتجددها في فصول استمرت لست حروب متواصلة، آخرها ما تشهده صعدة حاليا من تمرد، وجد أهالي تلك القرى أنفسهم أكثر اهتماما بأنباء الحرب وأكثر اعتيادا على سماع أصوات الانفجارات والمواجهات. وفي يونيو (حزيران) 2008، ومع اندلاع الحرب الخامسة في مسلسل التمرد الحوثي شمال اليمن، وجد أهالي جازان أنفسهم في متابعة حرب ذات نطاق أكبر وأكثر قربا إلى قراهم الحدودية، حيث سقطت حينها قذيفة مجهولة في منطقة جرداء في قرية القصبة بالخشل شرقي جازان، إضافة إلى أن عددا من المتضررين من الحرب من اليمنيين نزحوا ليقيموا في منطقة الشريط الحدودي مع قيامهم بعمليات تسلل متكررة للتزود بالمواد الغذائية من الدكاكين والمتاجر الموجودة في تلك القرى. ومع تنامي الأحداث على مدى السنوات الماضية، تجلى أثره على القرى الحدودية بجازان في زيادة عمليات تهريب الدقيق من جازان إلى صعدة، حيث يعتمد عليه المتمردون بحسب ما يفيد ناشطون في عملية التهريب كمصدر للتموين، حيث ذكر بعضهم أنه يملك مخزونا يكفيه لمؤونة سنوات. وزاد من وتيرة عمليات التهريب هذه أن أكياس الدقيق يمكن بيعها في صعدة بأضعاف ما تشترى به من المخازن في جازان، إضافة إلى أن تهريب القات زادت وتيرته عما كان عليه في السابق، وذلك بسبب الفراغ الأمني اليمني على الحدود واعتماد كثير من أهالي صعدة ومن ضمنهم المتمردين على المردودات المادية التي يحققونها من بيعه داخل السعودية التي يعد فيها القات نوعا من المخدرات يعاقب مستخدمه ومروجه بأحكام تصل إلى السجن لعدة سنوات. يذكر أن التسلل والتهريب هو نشاط يومي تشهده الحدود السعودية ـ اليمنية، واقتصر في فترات سابقة على تهريب القات والمواشي إلى السعودية وعمليات تهريب الدقيق والمؤن الغذائية إلى اليمن، إضافة إلى أن البطالة التي يعاني منها اليمنيون تدفع بعشرات الآلاف منهم إلى امتهان الأعمال اليدوية والحرفية ذات الأجر المتواضع داخل السعودية، حيث يزاولونها بشكل غير نظامي، معتبرين أن قصر مسافة العودة في حال اكتشاف وجودهم هو عامل حافز لامتهان التسلل بصورة متكررة. وفي أغسطس (آب) 2009، وجد أهالي القرى الحدودية أنفسهم في فصل آخر من رواية التمرد الحوثي، غير أن مؤشرات الحرب وتأثيراتها هذه المرة باتت أقرب وأوضح. فشرارة الحرب السادسة لم تنطلق من وسط صعدة هذه المرة إنما انطلقت من المناطق اليمنية الواقعة تماما على الشريط الحدودي بين السعودية واليمن، حيث أعلن الحوثيون في بداية الحرب سيطرتهم على مناطق الحصامة والمشنق والملاحيط، وجميعها لا تعد المسافة الفاصلة بينها وبين القرى السعودية خمسة كيلومترات على أقصى تقدير. وبحسب روايات للسكان المحليين فإنهم شهدوا حينها انسحاب فرقة من الجيش اليمني مكونة من 300 فرد عبر الأراضي السعودية. ومع تواصل مسلسل الحرب الحالية انطلق مئات النازحين اليمنيين للعيش في المنطقة الفاصلة بين السعودية واليمن، مستغلين حالة الأمان المتوفرة هناك. بل إن العشرات منهم نجحوا في التسلل إلى داخل القرى الحدودية والعيش هناك. أهالي القرى الحدودية وجدوا أنفسهم بالإضافة إلى مشاهد النازحين شغلتهم الحرب بأصواتها التي باتت أقرب هذه المرة بل إن مشاهدة الطائرات الحربية اليمنية وهي تقصف مواقع الحوثيين ونيران المدفعية أصبح أمرا ممكنا ومعتادا. وفي هذه الفترة عاد مسلسل التهريب لينتعش بصورة أكبر حيث قطعت الحرب كافة الطرق الموصلة إلى صعدة مما أدى إلى ظروف إنسانية حرجة دفعت بالكثير إلى الاعتماد على تهريب الدقيق والوقود من الأراضي السعودية كمصدر للتموين. وفي هذه الأثناء كان بإمكان سكان الغاوية والقرقاعي، وهي قرى حدودية، مشاهدة أفراد من عناصر التمرد الحوثي يتسللون إلى داخل القرى السعودية دون سلاح كي يتزودوا بالمواد الغذائية. وبحسب سكان محليين، فإن الحوثيين اعترضوا على قيام حرس الحدود السعودي بمد سياج فاصل على طول الشريط الحدودي لمنع عمليات التهريب والتسلل، مشيرين إلى أنه سجلت حالات تحرش بأفراد حرس الحدود لمنعهم من القيام بذلك. وفي شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، سجلت القرى الحدودية سقوط عدد من القذائف نتجت عنه حالات إصابة لمواطنين، وقدر السكان هذه القذائف بأنها عشر قذائف تنوعت بين قذائف مدفعية و«آر بي جي» وقذائف سقطت بالخطأ جراء عمليات القصف التي قام بها سلاح الجو اليمني كان أشدها قذيفة سقطت على مركز صحي بقرية الجابري مما أدى إلى انهياره وإصابة ممرض سعودي وممرضة هندية وأطفال كانوا يوجدون في المركز. كما سقطت قذيفتان على قرية سودانة وقذيفتان على قرية مدبع وقذيفتان في قرية بتول الحدودية وقذيفة ضربت مسجدا في قرية المظبر. هذه القذائف ولدت حالة هلع وترقب لما يمكن أن تسفر عنه هذه الحرب. وبعد كل هذه المقدمات التي استمرت لخمس سنوات كان اعتداء عناصر حوثية على قوة لحرس الحدود السعودي يوم الثلاثاء الماضي نجم عنه مقتل جندي وإصابة أحد عشر آخرين ليدخل أهالي القرى الحدودية في أتون الحرب خصوصا بعد أن تسببت قذيفة في مقتل أربع نساء من عائلة واحدة في قرية القرن. وهكذا وجد أهالي قرى جازان الحدودية أنفسهم يجمعون أغراضهم وينزحون إلى مخيمات إيواء أقامتها الحكومة السعودية ـ التي ردت على هذا الاعتداء باستدعاء قوات الجيش السعودي وسلاح الجو لحماية حدودها من أي اعتداء وسط حالة استنفار غير مسبوقة وإخلاء للقرى الحدودية وتعليق للدراسة ـ آملين وهم يعبرون طريق المسارحة – الحرث وسلاح الجو السعودي يحلق فوقهم، أن تكون هذه نهاية حرب اعتادوا مجاورتها ومتابعة أخبارها على مدى خمس سنوات.