البرلمان يقر قانون امتيازات لأعضائه.. والعراقيون يطلقون عليه «خدمة التصويت السريع»

تضمن منحهم وعوائلهم جوازات سفر دبلوماسية.. ومساواتهم بالوزراء

إحدى جلسات مجلس النواب العراقي (رويترز)
TT

«بارك» الشعب العراقي، وخصوصا الفقراء منهم، لأعضاء مجلس النواب الامتيازات الجديدة التي منحوها لأنفسهم وعوائلهم من خلال ما سماه بعض المواطنين «خدمة التصويت السريع»، فيما طالب آخرون النواب باتباع هذا التصويت على القوانين التي تهم الشعب العراقي، وإيجاد امتيازات للكثير من العوائل التي تسكن تحت الجسور وبين القبور لعدم وجود مأوى يحميها من برد الشتاء وحر الصيف.

وكان مجلس رئاسة الجمهورية قد أصدر الاثنين الفائت القانون رقم (23)، الخاص بتعديل قانون مجلس النواب رقم (50) لسنة 2007، حيث أعطى القانون الجديد بعض الامتيازات الجديدة لأعضاء البرلمان لتضاف للسابقة مثل مكافآت مالية ورواتب تقاعدية وتعيين حراس وقطع أراض. كما ينص القانون على أن تسري أيضا بعض الامتيازات التي أعطيت للجمعية الوطنية التي تشكلت في أعقاب الإطاحة بالنظام العراقي السابق. كما يمنح القانون هيئة الرئاسة وأعضاء مجلس النواب جوازات سفر دبلوماسية لهم ولأزواجهم وأولادهم أثناء الدورة التشريعية و8 سنوات بعد انتهاء الدورة.

كما أعطى القانون الجديد الصلاحيات لرئيس البرلمان لتنفيذ وتسهيل هذه الفقرات، «نظرا للدور المهم الذي يمارسه أعضاء مجلس النواب ومساواتهم بالوزراء في جميع المجالات».

وجاء ذلك في الوقت الذي ما زال فيه قانون الانتخابات معطلا بسبب الخلافات السياسية، إضافة إلى عدد آخر من القوانين.

صدور هذا القانون أثار ضجة كبيرة داخل الأوساط الإعلامية والشعبية الأمر الذي استدعى إصدار رئاسة الجمهورية بيانا في وقت لاحق تبين فيه بعض الأمور.

وقال نصير العاني، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، لقد «سبق أن صوت أعضاء مجلس النواب على مشروع قانون بمنح أنفسهم امتيازات وجوازات دبلوماسية مدى الحياة، وتم نقض المشروع للمرة الأولى من قبل مجلس الرئاسة لاعتراضه على هذه الامتيازات، وأعيد المشروع إلى مجلس النواب»، وأضاف: «وقد صوّت مجلس النواب مجددا على المشروع وأرسل إلى مجلس الرئاسة الذي قام بدوره بالاعتراض على مشروع القانون للمرة الثانية وإعادته إلى مجلس النواب»، وأكد البيان: «مؤخرا قام مجلس النواب بالتصويت على المشروع بأغلبية، ثلاثة أخماس المجلس، ونظرا لاعتراض مجلس الرئاسة على مشروع القانون لمرتين متتاليتين فإن مجلس الرئاسة لا يحق له نقض القانون للمرة الثالثة استنادا إلى نص المادة (38/خامسا/ب ـ جـ) من الدستور، واعتبر المشروع نافذا بتصويت مجلس النواب عليه بأغلبية ثلاثة أخماس المجلس ولم يبقَ لمجلس الرئاسة سوى إرسال مشروع القانون للنشر في الجريدة الرسمية استنادا للصلاحية المخولة لمجلس الرئاسة بموجب أحكام المادة (73/ثالثا) من الدستور».

وأثار القرار حفيظة العراقيين الذي كانوا ينتظرون أن ينصفهم أعضاء البرلمان من خلال قوانين تصب في صالح الشرائح المستضعفة. واستنكر رجال دين شيعة خلال خطبة صلاة الجمعة أمس هذه الامتيازات، داعين إلى الابتعاد عن المصالح الشخصية والعمل على إقرار قانون الانتخابات التشريعية. وقال ممثل المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني في كربلاء أحمد الصافي إن «نسبة كبيرة من أعضاء مجلس النواب، تصل إلى ثلاثة أخماس، يصوتون على امتياز خاص بهم». وحسب وكالة الصحافة الفرنسية اعتبر أن «الإنسان عندما يفكر بهذه الطريقة من الصعب أن تؤمن مصلحة البلد عنده». وتساءل «ما هي المصلحة بأن يكون لدى عضو مجلس النواب جواز سفر دبلوماسي له ولعائلته لمدة ثماني سنوات قادمة؟». وطالب الصافي البرلمانيين العراقيين بـ«ضرورة التطرق إلى أشياء تخدم المجتمع وان نتجرأ لاتخاذ قرار يتماشى مع حجم التحديات» مضيفا «نطلب أن يتركوا المشاكل الضيقة من أجل البلد». ويرى الصافي أن البرلمانيين يطلقون «الشعارات البراقة وعند التطبيق نرى الشعار في جانب والبلد في جانب آخر».

من جانبه، قال صدر الدين القبانجي العضو البارز في «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» الشيعي، «لدينا علامة استفهام كبرى حول السادة أعضاء البرلمان المحترمين الذين يتقاضون رواتب عالية جدا وذلك على تصويتهم بالإجماع على قرارات تخدم مصالحهم الشخصية». وتساءل خلال خطبة صلاة الجمعة من الحسينية الفاطمية وسط النجف «لماذا لا يكون هذا الإجماع على قانون الانتخابات الذي ما زال يراوح بين مكاتب المجلس السياسي للأمن الوطني والبرلمان؟» وتابع «أليس الأحرى أن يكون إجماعهم على ذلك؟».

وأكد النائب بهاء الأعرجي عضو الكتلة الصدرية، ورئيس اللجنة القانونية في البرلمان، رفضه القاطع لهذه المطالب قائلا «أنا اعترض على هذه الامتيازات وسأكون حجر عثرة أمام تنفيذها» وتابع «ليس هناك من نائب بحاجة إلى قطعة أرض أو جواز سفر دبلوماسي لأن هذا الجواز يستخدم لإنجاز أعمال وتسهيل مهام سيكون هو بعيدا عنها». وفي ما يتعلق براتب النائب قال الأعرجي إن «النائب يتقاضى تسعة ملايين وستمائة ألف دينار إضافة إلى رواتب عناصر حماية عددهم ثلاثين حارسا» موضحا أن ما يتسلمه النائب ومن ضمنه رواتب الحراس الثلاثين هو نحو 30 مليون دينار (نحو 26 ألف دولار)». وأكد مصدر برلماني أن الراتب المقرر لكل حارس هو 750 ألف دينار عراقي (نحو 640 دولارا). وأكد الاعرجي أن «معظم النواب ليسوا بحاجة إلى ثلاثين رجل حماية ولكنهم يتسلمون مستحقاتهم رغم ذلك» مشيرا إلى أن «هناك نوابا آخرين لديهم أكثر من ثلاثين عنصر حماية».

من جانبه، قال النائب محمود عثمان العضو البارز في التحالف الكردستاني «أنا ضد هذه الامتيازات منذ البداية، وقلت لهم لا تطلبوا جوازات ولا أرض لأننا تحت وابل من الانتقادات وهذا سيجعلنا تحت مزيد من الانتقادات». وأضاف «طالبت بأن تجري هذه الأمور في جلسة علنية وليس داخل جلسات سرية لأن ذلك سيضاعف من (تأثير) هذه المطالب».

وتقول أم علي، التي تسكن بين أكداس القمامة في إحدى مناطق الطمر الصحي في مدينة النجف منذ عدة سنوات: «نحن كعراقيين نبارك لمجلس النواب الامتيازات التي منحوها لأنفسهم وإلى عوائلهم، كنا نتصور إن إنقاذنا من واقعنا المرير سيكون على يد من انتخبناهم ووضعنا فيهم ثقتنا، وكنا نحلم أيضا أنهم سيحاربون لأجل شمول الفقراء بقطعة أرض سكنية على أرض العراق التي كان يجب أن تكون للعراقيين لكننا لا نملك شبرا منها وللأسف الشديد، وتفاجأنا عند سماعنا أنهم منحوا أنفسهم امتيازات تفوق ما كانوا يحلمون بها أنفسهم»، وأضافت لـ«الشرق الأوسط» والحسرة تملأ كلامها أن «الله عز وجل سوف يأخذ لنا حقنا من كل الذين ظلمونا».

وقال المواطن جواد حسن: «عندما نرى المجلس يتأخر في إقرار بعض القوانين الملحة التي فيها فائدة وضرورة للشعب العراقي، ونرى الأعضاء يتعاركون على شاشات الفضائيات، حينها نستغرب كيف يتفقون بسرعة عند إقرار امتيازاتهم وتذهب الخلافات»، مضيفا أن «هذا التصويت أطلق عليه الشارع العراقي خدمة التصويت السريع، ونتمنى من الله أن يزيدهم تفاهما واتفاقا لتمرير بعض القوانين المعطلة».

ومن جانبه، قال علاء الحلي، أستاذ في الحوزة الدينية في النجف، إن «التشريعات التي أقرها مجلس النواب مؤخرا، التي تمنح الأعضاء امتيازات إضافية تتعارض أخلاقيا مع الالتزامات التي ألزم بها أعضاء مجلس النواب أنفسهم أمام الناخبين»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «غالبية الشعب العراقي يعانون من أضرار مادية واقتصادية وإنما ما فعله أعضاء المجلس هو خيانة للعقد الاجتماعي المتفق عليه بينهم وبين من أجلسهم في مكانهم الحالي»، مؤكد أن «المرجع الديني الأعلى علي السيستاني إلى الآن يسكن في دار متواضعة مستأجره، وأن على الساسة التأسي به».

إلى ذلك، قال الخبير القانوني العراقي طارق حرب لـ«الشرق الأوسط» إن «موضوع الرواتب والأراضي وأي امتيازات أخرى هي أمور طبيعية يحق لهم (النواب) تشريع قوانين عليها كونها من الأمور الداخلية، لكن المشكلة هنا في الجواز الدبلوماسي الذي اتفقت جميع القوانين العالمية على إعطائه للسفراء أثناء وبعد خدمتهم في السلك الدبلوماسي كنوع من التكريم العرفي، وأيضا يعطى لأصحاب الدرجات الرفيعة لكن أثناء توليهم المهام، ويسحب منهم فور إحالتهم إلى التقاعد»، وأضاف أن «البرلمان العراقي صوّت على قانون يسمح للنواب بالتمتع به هم وعوائلهم أيضا لثمان سنوات بعد تقاعدهم، وهذا ما لم نسمع به إلا في العراق، ومن الناحية القانونية هو شأن دولي وليس محلي».

وكان رئيس البرلمان، إياد السامرائي، بيّن في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» حول موضوع الامتيازات البرلمانية، إن «الحملة التي تثار بين الحين والآخر هو ضد العملية الديمقراطية وهي تستهدف دور المجلس والسعي لإضعاف دوره، ونحن فتحنا أبواب البرلمان أمام الجميع، وبخاصة الإعلام»، وأضاف متسائلا: «على الجميع النظر للأمر من ناحية أخرى ويسالوا كم نائبا استشهد؟ كم نائبا تعرض للخطف؟ كم نائبا فقد الكثير من إفراد حمايته أو أقاربه ؟ وما هي حياة النواب في ظل هذه الظروف من تعرض للتهديدات وغيرها؟».