سكان جنوب وزيرستان يحلمون بعجلة التنمية بعد رحيل طالبان

تحولت قراهم بسبب الأصوليين إلى هدف دائم للهجمات الصاروخية الأميركية

TT

لا يكره رجال القبائل في جنوب وزيرستان طالبان، لكنهم يكرهون ما آل إليه حالهم بعد وجود مقاتلي طالبان بينهم، حيث تحولت قراهم، نتيجة لوجود طالبان، إلى هدف دائم للهجمات الصاروخية الأميركية، وحالت دون مباشرة المدارس والمستشفيات عملها، كما أوقفت عمليات إنشاء الطرق. ولا يملك غالبية المواطنين الكهرباء أو خطوطاً هاتفية. ومع مسارعة مواطني جنوب وزيرستان على الفرار من حرب طالبان، أبدى العديد منهم تأييده للعمليات إذا كانت ستخلصهم من مرارة العزلة التي يعيشونها. وقال على خان، البالغ من العمر 33 عاما، صاحب متجر في قرية مكين: «على الرغم من أننا لم نتعرض للتهديد بصورة مباشرة من طالبان، لكن كل المصاعب التي نواجهها ناجمة عن وجود المقاتلين. وعندما ينصرف هؤلاء المقاتلون نتوقع أن يعاد افتتاح المدارس، فنحن نتمنى أن نعيش كما تعيش الأقاليم الأخرى في باكستان». وفي الوقت الذي فر فيه 155.000 شخص من جنوب وزيرستان من القتال الدائر، شن 30.000 جندي باكستاني هجوماً على ما يقرب من 10.000 مقاتل متحصنين في غرف محصنة تحت الأرض وشبكة من الكهوف والأنفاق التي بنيت في سهول المنطقة المقفرة وعلى الجبال. تعد عشائر محسود، واحدة من المجموعات التي تخضع بقوة للمواثيق القبلية التي تعود إلى قرون، جعلتهم يتجنبون الإقامة في المعسكرات وفضلوا الإقامة مع أقاربهم من القبليين في المدن الواقعة خارج وزيرستان مثل تانك وديرا وإسماعيل خان. ويبدو المشهد كئيبا بالنسبة لهم، حيث يعيشون على المساعدات الإنسانية.

وتمثل عشائر محسود الموجة الثانية من الباكستانيين الذين أجبروا على النزوح من منازلهم هذا العام بسبب العمليات العسكرية. فقد فر ما يقرب من مليوني باكستاني من وادي سوات المشتعل في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين عندما شنت القوات الباكستانية عملية عسكرية لاستعادة الإقليم من سيطرة طالبان وقد عاد غالبيتهم اليوم إلى منازلهم. وتتسم عشائر محسود والبشتون بسمات عرقية وثقافية خاصة، كسكان إقليم وادي سوات، تميزهم عن باقي إقليم البنجاب. بيد أن البشتون في سوات لديهم علاقة مختلفة مع طالبان على عكس نظرائهم في وزيرستان. ففي إقليم سوات كان مقاتلو طالبان مجموعة من الخارجين عن القانون تسللوا إلى المنطقة وعملوا على إرهاب السكان، وكانوا يقطعون رؤوس معارضيهم وقاموا بإحراق مدارس الفتيات واستعملوا الجلد كوسيلة للعقاب. أما مقاتلو وزيرستان، فنشأوا في القرى التي يسيطرون عليها الآن. وهنا في مدينة بهاكار التي يقطنها 300.000 شخص وتبعد عن حدود وزيرستان 50 ميلا، تحدثت مجموعة من قبيلة محسود كيفي. فقال أكبر جان، البالغ من العمر 30 عاما: «مقاتلو طالبان الموجودون في قريتنا من قبيلة محسود، لذا فنحن نعرفهم جميعا ولا نشعر بالغضب تجاههم. كانت البيئة مساعدة لطالبان ومن ثم كان من السهولة بالنسبة لهم تجنيد الأتباع، وقد انضم الكثير من القرويين إليهم من دون توجيه دعوة لهم للمشاركة». أما أمين خان البالغ من العمر 22 عاما، الذي يعمل في مهنة زراعة البطاطا، فأشار إلى أنه فكر بشدة في الانضمام إلى المقاتلين عندما بدأ القتال وبدأت الغارات الجوية تصيب قريته. وقال: «إنني على استعداد لمحاربة أعداء الإسلام، لكنني لم أنضم إلى القتال لأنني كنت قلقا بشأن القتال، حيث جعلني قصف لاذا أغير من رأيي».

يرى الكثيرون من رجال قبيلة محسود أن وجود طالبان جلب نوعا من الشعور بالأمان إلى تلك الأماكن المهجورة من باكستان، حيث يكثر المجرمون والخاطفون. وقالوا إن معدل الجرائم انخفض ومن معاقلهم الحصينة في قمم الجبال ومنحدرات التلال ينزل مقاتلو طالبان إلى المدينة ليقوموا بالاشتراك في حل النزاعات القبلية وأحيانا ما يكون الإعدام جزءا من الحل. وقال غول غاي، البالغ من العمر 38 عاما، والعاطل من قرية خيسورة: «الناس سيسامحونهم، لأن العديدين منهم من السكان المحليين من المدينة، كما أن الكثير من القرويين يعتقدون أنهم مسلمون جيدون». المشكلة مع مقاتلي طالبان، كما يقول السكان، إن وجودهم يبعد الحكومة عنهم ومن ثم يمنعون الاحتياجات الأساسية ـ الهواتف والكهرباء والطرق ـ من الوصول إلى وزيرستان. وقال أمين خان: «لدينا جامعة واحدة في لاذا وثانوية واحدة ومدرسة ابتدائية واحدة، لكن جميعها مغلقة. ومستوصف الرعاية الصحية الوحيدة في المدينة لم يعمل منذ عامين. ولم تصلنا الكهرباء أو خطوط الهاتف منذ أربع سنوات، كما أن الطرق غير معبدة منذ قرون، فلم نر الطرق الإسفلتية على الإطلاق».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» (خاص بـ «الشرق الأوسط»)