موسى كوسا لـ«الشرق الأوسط»: نرفض توطين الصينيين في أفريقيا

وزير خارجية ليبيا: القذافي حريص على العرب أكثر من حرصه على الشعب الليبي

TT

هاجم وزير الخارجية الليبي، موسى كوسا، الوجود الصيني في القارة الأفريقية، ووصفه بأنه «شبه احتلال». وطلب الوزير الليبي من الصين الالتزام بمواقف سياسية داعمة للحقوق العربية والأفريقية.

وأوضح كوسا، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على هامش مشاركته في منتدى الصين ـ أفريقيا بشرم الشيخ، أنه «لم يشن حملة هجومية ضد الصين خلال المؤتمر، بل حاول تسمية الأشياء بمسمياتها، وتقييم المواقف حتى تكون العلاقات قائمة على خدمة الشعوب»، مطالبا الصين بدعم أفريقيا في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، كما تحدث عن استضافة ليبيا للقمة العربية المقبلة، وقال إن معمر القذافي عربي ووحدوي أصيل وحريص على العرب أكثر من حرصه على الشعب الليبي. وفيما يلي نص الحوار.

* وصفت في كلمتك بالمنتدى الوجود الصيني في القارة السمراء بأنه استعمار جديد يهدف إلى السيطرة والهيمنة على القارة الأفريقية. ما هي أسباب هذا الهجوم على الصين؟ ـ أنا لا أعتبر حديثي حملة على الصين، بالعكس لدينا رؤية إيجابية حول الصين لأنها ساعدت في حركة تحرر أفريقيا، وهو ما نعتبره عملا كبيرا قامت الصين بإنجازه، ونتمنى أن تستمر على نفس النهج. ونرى أيضا أهمية وجود الصين كدولة قوية تساهم في تحقيق التوازن الدولي، ولكن ليس على حساب الشعوب. وأنا تحدثت في كلمتي عن الصين الموحدة، وهذا أمر أساسي نحترمه ونؤيده كأفارقة لكن عندما نبحث في الواقع نجد أن هناك شبه غزو صيني للقارة الأفريقية، وهذا أعاد إلى الذاكرة ما كان يفعله الاستعمار في القارة الأفريقية، من خلق للمستوطنات، وتشتيت للمجتمع الأفريقي، ولذلك ننصح الأصدقاء الصينيين بألا يسيروا في هذا الاتجاه، أي جلب آلاف الصينيين لأفريقيا بحجة العمالة، في حين أن أفريقيا تعاني من البطالة، وبالتالي فإننا ندعوهم للمساهمة في حل البطالة في أفريقيا حتى تتكامل الأهداف. إذ يمكن للصينيين القيام بتدريب العمالة الأفريقية، ومن ثم إيجاد سوق عمل تستوعب الآلاف من الأفارقة بدل توطين الصينيين الذين يحصلون على المزارع والمنازل في أفريقيا وهذا نعتبره استيطانا.

* لكن كيف تقرأ التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الصيني، ون جياباو، ومفادها أن بلاده قامت بتدريب وتشغيل آلاف الأفارقة وتحرص على نقل التكنولوجيا إليهم؟ ـ هذا عمل جيد. ونحن نرحب به. ولكن هذا الترحيب لا يعنى جلب الصينيين للاستيطان في أفريقيا. ونحن نتساءل لماذا؟

*هل تقترح آلية جديدة للتعاون بين الصين وأفريقيا؟ ـ أولا، نحن نرى في الآلية الراهنة إهانة للاتحاد الأفريقي. فهل يعقل أن الصين كبلد واحد، تترأس قارة بكاملها. هذا أمر في حد ذاته فيه إجحاف؟

* ألا ترى أن الصين تعد قارة أيضا؟ ـ الصين قارة، ولكن التعاون لا ينبغي أن يكون بهذه الطريقة لأن نمط التعاون يحدث مشكلات مع دول أخرى. وعلى سبيل المثال قد تأتي فرنسا وتتحدث عن منتدى أفريقي ـ فرنسي، ونفس الشيء قد تفعله دول أخرى. وهذا لا يليق بأفريقيا. واليوم نرى أن الصينيين كانوا يرفضون تمثيل مفوضية الاتحاد الأفريقي في أعمال المنتدى، ونحن نسأل كيف ترفض الصين وجود الأداة الإدارية للاتحاد الأفريقي؟ فعدم رغبة الصين في وجود المفوضية الأفريقية معناه أنها لا تريد الاتحاد الأفريقي، ولا وحدة أفريقيا، وأنها تريد التعاون مع أفريقيا كدول وليس كاتحاد وبرامج.

* هل تقترح آلية أفريقية للتعاون مع الصين؟ ـ حتى يكون العمل منطقيا لابد من التعاون مع مؤسسات الاتحاد الأفريقي. وأجدد القول أنه ليس لنا موقف ضد الصين ولكننا نختلف معها بشأن رؤية التعاون والنظرة إلى الأفارقة.

* رئيس الوزراء الصيني ذكر أن بلاده ترد الجميل للأفارقة الذين ساعدوا الصين للوصول إلى مكانتها في الأمم المتحدة. ما تعليقكم على ذلك؟ ـ الصين ساعدت حركات التحرر ونحن معها والأفارقة كان لهم دور في مساعدتها بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهذا نعتبره رصيدا جيدا ومهما، ولكن عندما وصلت الصين إلى مرحلة معينة في مجلس الأمن والمجتمع الدولي، بدأت تتنصل بشكل أو بآخر، ولم تساند الأصدقاء، ولم نر للدور الصيني فاعلية، ولم تدعم أفريقيا في الحصول على مقعد في مجلس الأمن بل بالعكس عارضت ذلك. وهذا يجعلنا نتساءل: «ماهو الفرق بينهم وبين الإمبرياليين؟».

* لكن الصين أعلنت أنها مع وجود أفريقيا في مجلس الأمن لتحقيق التوازن الدولي والعلاقات المنصفة؟ ـ أفريقيا موجودة وليبيا كذلك وأوغندا وغيرها، وهذا لا يعنى أن أفريقيا حصلت على مقعدها في مجلس الأمن. ونتمنى من الصين ألا تنسى القاعدة التي انطلقت منها، أي العمل من أجل التعاون والاهتمام بمشكلات هذه المناطق والوقوف بجانبها. أما أن تتركها في مواجهة مع الآخرين بسبب حسابات بينهم، فهذا أمر غير مفهوم. وأذكّر هنا بموقف الصين من تقرير غولدستون، الذي اعتبرته غريبا، وكان من المفروض أن يكون لها موقف أكثر وضوحا وليس الاكتفاء بالتصويت على استحياء.

* طالبت أصوات في المنتدى بأن يشمل التعاون مع الصين القضايا السياسية لتكون أكثر عدلا وإنصافا للقضايا العربية والأفريقية، طالما أنها تتحدث عن شراكة وصداقة مع هذه التكتلات، وألا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط. هل أنتم مع هذا الطرح؟ ـ التعاون الحقيقي يجب أن يشمل السياسة والاقتصاد وكل المجالات بحيث لا يقتصر على إنشاء طرق أو بناء مدرسة. صحيح أن هذا مطلوب ولكن التعاون الدولي لا يقوم على أساس بناء مبان وإعطاء مساعدات وإنما من خلال مواقف سياسية.

* قبل استضافة ليبيا للقمة العربية في مارس (آذار) المقبل، هل مهدت الدبلوماسية الليبية لمصالحات عربية ـ عربية لإنجاح أعمال القمة؟

ـ إن ليبيا لها وجهة نظرها وستكون لها مبادراتها وأفكارها. والآن هناك مشاورات تجرى بين الرئاسة الحالية والقادمة والجامعة العربية، وسوف نكثف اللقاءات والزيارات مع وزراء الخارجية العرب. ومؤخرا كان لنا تشاور مع وزير خارجية مصر، أحمد أبو الغيط، وتحدثنا حول الإعداد للقمة العربية.

* مطروح على القمة ملف العلاقات العربية ـ العربية، وهناك موقف الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الأخير، ومفاده أن العرب لا تجمعهم سوى حروف الأبجدية. فهل سيحاول الجمع بين المختلفين وإصلاح ذات البين بينهم؟

ـ معمر القذافي عربي ووحدوي أصيل، وبالتالي فإنه حريص على الأمة العربية أكثر من حرصه على الشعب الليبي. وبالتأكيد سوف يفكر في هذه القضايا، ويعالج ما يمكن معالجته.

* بخصوص المأزق الذي تعرفه القضية الفلسطينية، هل ترون جديدا في الأفق، خصوصا في ظل انعقاد اجتماع لجنة المبادرة العربية للسلام يوم الخميس المقبل؟

ـ لقد طرحنا حلولا، وندفع في هذا الاتجاه. أما الاجتهادات الأخرى فكفانا منها. فنحن نسمع بها منذ أكثر من أربعين عاما. وليس أمامنا سوى قيام دولة واحدة.

* لكن إسرائيل ترفض كل الحلول والمبادرات، بما في ذلك مبادرة ليبيا. ـ ما دام الطرف الإسرائيلي يرفض ذلك، يجب على العرب أن لا يأخذوا مواقف أخرى. وعندما يعمل العرب بروح الفريق الواحد، يمكن تحقيق جديد في الأفق.