«حلحلة إقليمية» وزيارة «تعزية» لسورية.. أزالتا العُقد الداخلية لتأليف الحكومة اللبنانية

رئيس الجمهورية «هندس» اللمسات الأخيرة ويستعد لإطلاق الحوار والإصلاح

TT

نقل زوار رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان عنه ارتياحه إلى اللمسات التي رافقت المرحلة الأخيرة من المفاوضات المتعلقة بتأليف الحكومة، وأشاروا إلى أن «سليمان كان يتابع يوميا التطورات التي رافقت عملية التأليف من خلال خط مفتوح بينه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري، كذلك كان في أجواء اجتماعات فريق الأقلية النيابية وما كان يتخللها من مداولات». وأكدوا أن «سليمان كان يعمل بصمت على حلحلة العُقد بين الأطراف، لا سيما بين الحريري ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون. ومن العقد التي حلها نجاحه في إقناع عون بعدم توزير الراسبين باستثناء صهره الوزير جبران باسيل». وكان قد تردد كلام عن نية عون تسمية الراسبين في الانتخابات النيابية والمنتمين إلى «التيار الوطني الحر»، منهم وزير الشؤون الاجتماعية الحالي ماريو عون ونائب رئيس مجلس الوزراء عصام أبو جمرا.

كذلك يبدو أن سليمان تدخل لحلّ عقدة الحقيبة التي يفترض أن يحصل عليها النائب في الأكثرية بطرس حرب الذي زاره صباح أمس. وكان حرب قد طالب بوزارة العدل التي يصر حزب «القوات اللبنانية» على إبقائها مع الوزير الحالي إبراهيم نجار، وصرح أنه «يملك مشروعا لها» وأنه لا يريد سواها، ليصار إلى إقناعه بقبول وزارة العمل، بعد رفضه تولي حقيبة الإعلام.

وفي حين يبقى الاهتمام منصبّا على حلحلة آخر العقد مع حزب «الكتائب» وحقيبة التربية التي يفضل الحريري إبقاءها من حصة تيار «المستقبل» إذا تمكن من ذلك، يمكن القول إن تسهيل عملية التأليف كلف الأكثرية النيابية، وتحديدا تيار «المستقبل»، الكثير من التضحيات، سواء في المرحلة الأولى التي سبقت اعتذار الحريري، عندما اعتمدت صيغة «15 ـ 10 ـ 5» التي وُزعت بموجبها المقاعد الوزارية على الأكثرية والأقلية ورئيس الجمهورية، ما يحرم الأكثرية حصولها على ثلثي مجلس الوزراء. وكذلك عندما حصل الاتفاق الضمني على عدم التصويت على أي من المسائل الرئيسية المتعلقة بالقرارات الأساسية في الدولة والاستعاضة عن التصويت بالتوافق المسبق. بعد ذلك كان على الحريري التفاوض مع فريق الأقلية النيابية بالمفرق وليس بالمجملة، بحيث لم يكن ممكنا تأليف الحكومة من دون إرضاء عون، لأن حزب الله أعلن عدم مشاركته في الحكومة إذا لم يكن عون ممثلا فيها. كما أعلن أنه لا يستطيع إقناع عون بالتنازل عن سقف مطالبه التي نال أكثرها، وعندما حاول رفع السقف مجددا من خلال مطالبته بحقيبة الاقتصاد، عاد وتراجع عن مطلبه هذا ليقبل بوزارة الصناعة، وذلك بعد زيارة باسيل برفقة الوزير السابق ميشال سماحة لسورية التي تلاها اجتماع مساء الجمعة الماضي مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وقوى «8 آذار» ضم كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري وعون ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.

وقد نفى عون أمس «التأثير السوري» في الإفراج عن تأليف الحكومة، وقال: «الأمور حُسمت وأعطينا جوابنا قبل ذهاب باسيل إلى سورية التي زارها لتقديم واجب التعزية لوزيرة سورية (الوزيرة بثينة شعبان) وقد تم تأجيل الزيارة أسبوعا إلى ما بعد تصاعد الدخان الأبيض، ولم نذهب إلى سورية في الفترة الماضية كي لا تفسّر في السياسة. واسم جبران باسيل انكشف لأنّه كان محل معركة طوال فترة أربعة أشهر». وأضاف: «الكل يقول إنني المعرقل خلال الأشهر الماضية، لكن حتى لو انتهيت من تسليم الأسماء الوزارية قبلهم بساعة يعني ذلك أنني لست المعرقل. بما أني انتهيت قبلهم بساعة، فهذا يعني أنني لم أكن من يعرقل». وكان باسيل قد نفى بدوره أي ضغط سوري مورس في اللحظات الأخيرة، على رغم تزامن الزيارة مع التطورات الإيجابية على صعيد إخراج التشكيلة الحكومية.

غير أنّ مصدرا مواكبا للوضع الحكومي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التفاوض لتأليف الحكومة الأولى لسعد الحريري هو التفاوض الأقسى الذي شهده لبنان في هذه المرحلة، وحلحلة العقد جاءت بعدما نضجت الظروف الإقليمية». وأضاف: «إذا عدنا إلى مقاربة الوضع من خلال الإعلان عن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لفرنسا في 13 الجاري مع مديح بالتسهيلات المفترضة التي أسهم فيها لتأليف الحكومة، وإذا عدنا إلى زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لإيران التي أسفرت عن مقاربات متناسقة مع الأولويات المستجدة لدى الطرفين بعد توتر شهدته العلاقات بين البلدين، وبعد زيارة باسيل لسورية، أيا كانت التفسيرات المرافقة، وبعد رسائل واضحة تلقاها حزب الله من السوريين، يبدو سهلا الحديث عن العقد وحلحلتها».

وأشار إلى أن «الداخل كان يعقد استنادا إلى الجو الإقليمي الذي لم يكن قد اتخذ قرارا حاسما بتأمين الاستقرار على المستوى الداخلي في لبنان. وقد اتخذ القرار بعد إخضاعه لأنواع مختلفة من التفاوض في الخارج بين السوريين من جهة والسعوديين والفرنسيين والمصريين من جهة أخرى، وبعد توجيه اللوم إلى السوريين سواء من جهة السعوديين الذين طالبوهم بتطبيق الأجندة المتفق عليها، أو من الفرنسيين الذي ذكروهم بوعودهم بالتسهيل مقابل كسر عزلتهم». وأضاف: «عمليا هذا الجو الإقليمي دفع باتجاه الحلحلة. وعلى هذا الأساس عاد عون عن رفضه التشكيلة الأخيرة. وعلى هذا الأساس انتهى الصراع الذي كان يرمي إلى إلغاء كل نتائج الانتخابات النيابية لإرساء توازن جديد يشبه توازن ما بعد السابع من مايو (أيار) 2008. صحيح أن عون حافظ على ما كان لديه، لكنه بالتأكيد لم ينَل ما كان يرمي إليه».

وكان النائب في تكتل «لبنان أولا» عقاب صقر قد قال لـ«الشرق الأوسط»، عقب لقائه سليمان، إن «رئيس الجمهورية يريد أن ينقل البلاد بعد إعلان تأليف الحكومة إلى أجواء الانفتاح. كما سيدعو إلى طاولة الحوار ولن يألو جهدا لتحصينها. ولن يزيده الهجوم عليها إلا إصرارا على تفعيلها انطلاقا من أن الحوار المفتوح بين أقطاب القوى السياسية في لبنان من شأنه أن يوجد مناخا إيجابيا ويخفف من أي تشنج في العلاقات داخل مجلس الوزراء في ما بعد». وأضاف: «يسعى سليمان لتأسيس نواة لكسر الجدران بين اللبنانيين وإيجاد دينامية للتحاور والتقارب. كما أنه بصدد الإعلان عن مشروع إصلاحي كبير وعلى كل المستويات فور انطلاق العمل الحكومي، وذلك لإعادة بناء الدولة وفق تعديلات دستورية تشمل كل السلطات في ضوء التجارب والميثاق الوطني».