أوباما يعلن «اليوم العالمي للحرية» في ذكرى سقوط جدار برلين

ميركل تدعو لنظام عالمي متعدد الأقطاب.. وتحث واشنطن على التنازل عن صلاحياتها الدولية

ميركل والزعيم البولندي النقابي السابق، ليخ فاليسا، والرئيس السوفياتي الأسبق، غورباتشوف، يحملون صورة لأشخاص يعبرون نقطة حدودية، بمناسبة إحياء ذكرى سقوط جدار برلين أمس (أ.ف.ب)
TT

أحيت ألمانيا، ومعها عدة دول، أمس، في أجواء احتفالية كبيرة الذكرى العشرين لانهيار جدار برلين الذي انتهت بسقوطه الحرب الباردة وتوحدت ألمانيا ثم أوروبا في أواخر التسعينات. واحتفلت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل بهذه الذكرى مع قادة عالميين أبرزهم آخر رئيس سوفياتي ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، وعراب الوحدة الألمانية، المستشار الأسبق هيلموت كول، إضافة الى الرئيس الروسي الحالي ديمتري ميدفيديف ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والعديد من ضيوف الشرف الذين قدموا من كل بقاع العالم. وشهد هؤلاء القادة الحاليون والسابقون، بحضور حشود قدرت بمئات الآلاف، أمس سقوط قطع الدومينو العملاقة التي يبلغ طول الواحد منها مترين ونصف المتر والمزينة برسوم وكتابات لفنانين وشبان من العالم اجمع. ووضعت قطع الدومينو هذه في وسط المدينة في الموقع السابق للجدار، كرمز لهذا المعلم الذي لم يبق منه إلا قطع صغيرة لا تشبع نهم السياح. ومساء، أقيم حفل موسيقي في الهواء الطلق تخلله إطلاق المفرقعات والأسهم النارية، كما عقدت سلسلة بشرية، في حين أقامت ميركل حفل عشاء على شرف مدعويها. وأقيم الاحتفال عند بوابة براندبورغ، رمز برلين وحيث كان يقام «جدار العار»، الذي بني في 1961 لمنع مواطني ألمانيا الشرقية الشيوعية من الفرار إلى الغرب. وبينما ترأست وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، الوفد الأميركي لحضور المناسبة، لم يكن الرئيس الأميركي باراك اوباما بعيدا عن الحدث. وبعد الشعور بالإحباط في بعض الأوساط الألمانية لعدم حضور اوباما المناسبة، تلقى الألمان بارتياح خبر إعلان اوباما تاريخ سقوط جدار برلين بـ«يوم الحرية العالمي». وبموجب قرار رئاسي بتوقيع اوباما، أصبح يوم 9 نوفمبر من كل عام يوماً لإحياء ذكرى الحرية. وقال اوباما في بيان لإعلان هذا القرار ان «الستار الحديدي الذي قسم أوروبا لعقود سقط ليدخل عصر جديد من الحرية والتعاون. وفي هذه الذكرى، نتذكر أنه لا يوجد تحد اكبر من (قدرة) عالم متحد بهدف مشترك». وأضاف: «بعد عشرين عاما، عالمنا صار أكثر تواصلا من أي وقت آخر في تاريخ الإنسانية مما يمكن فرص جديدة لتقدم مشترك». واعتبر أن «الحواجز التي تتحدى عالمنا اليوم ليست جدرانا من الاسمنت والحديد بل تلك المتكونة من الخوف وعدم المسؤولية وعدم الاهتمام». موضحاً أن «التاريخ يذكرنا أنه يمكن هدم مثل هذه الحواجز لكن في المناطق التي ما زالت توجد علينا أن نعمل مع كل الدول لتقوية المجتمعات المدنية ودعم المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون ودعم عمليات الانتخابات الحرة والعادلة». وأكد ان «الالتزام بهذه المبادئ في القرن الواحد والعشرين يتطلب التزاما أميركيا متواصلا وقيادة قوية». وتعهد اوباما بالالتزام بهذه الأهداف، موضحا انه «في يوم الحرية العالمي، نحتفل بالديمقراطيات الناشطة في أوروبا الوسطى والشرقية ونحيي حق مواطنيها لاختيار مصيرهم والمشاركة في نجاح دولهم المستقبلي».

وكانت كلينتون دعت اثر وصولها الى ألمانيا أول من أمس، الى «شراكة أقوى» بين الولايات المتحدة وأوروبا «من اجل إسقاط جدران القرن الواحد والعشرين» ومكافحة القمع الديني الذي تمارسه حركة طالبان بشكل خاص. وبدورها، اغتنمت ميركل مناسبة ذكرى سقوط جدار برلين، لتدعو الولايات المتحدة الى التخلي عن صلاحياتها لمصلحة منظمات دولية وذلك من اجل إقامة «نظام عالمي» قادر على مواجهة التحديات الحالية مثل الإرهاب.

وأوضحت ميركل «نحن الأوروبيين معتادون نسبيا على الأمر. لقد تخلينا طواعية عن الكثير من سلطاتنا لبروكسل والاتحاد الأوروبي، لكن شريكنا الأميركي يجد الكثير من الصعوبة في التخلي عن بعض سلطاته لمصلحة صندوق النقد الدولي أو أي منظمة دولية أخرى. هناك من هو عضو في الأمم المتحدة لكنه يملك حق النقض (الفيتو)»، في إشارة الى واشنطن. وأضافت ميركل في ندوة في برلين تحت عنوان «الجدران التي تسقط» في مناسبة الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين «ان الانصياع لقرارات الأغلبية ذات الطابع الدولي لم يصبح، على الأقل في حالة الولايات المتحدة، من العادات». واعتبرت المستشارة الألمانية انه «لعوامل متعددة، فان العيش المشترك بشكل سلمي غير ممكن إلا بوجود نظام عالمي»، وانه يتعين اليوم اعتماد «رؤية متعددة الأقطاب أكثر مما اعتدنا عليه». وأشارت الى مثال منظمة الصحة العالمية حيث «لا تملك أي دولة عضو حق الفيتو». وقالت «ان مثل هذه النماذج قليلة جدا». من ناحية أخرى، تطرقت ميركل في مقابلة منفصلة نظمها معها التلفزيون الألماني، إلى الوحدة الألمانية «التي لم تكتمل بعد»، ودعت إلى مزيد من الجهد لتعزيز الوحدة وإزالة الفوارق بين الشرق والغرب. ولم تنتقد ميركل، المستشار السابق هيلموت كول، الذي تدين له بصعودها السياسي في ألمانيا، لكنها أشارت إلى نشوء بعض «الحقول المزدهرة»، التي وعد بها كول الشرقيين آنذاك، مع ملاحظة أن هذه الحقول لم تكتمل بعد. واعتبرت المستشارة قيام جمهورية ألمانيا الديمقراطية «غير عادل» لأنه لم ينجم عن خيار انتخابي ديمقراطي وإنما نتيجة ظروف وشروط الحرب الباردة. ومعروف أن هيلموت كول، الذي استقبله الشرقيون بالزهور عام 1999، اضطر لتوجيه لكمات ساحقة لنفس الجمهور الذي رشقه بعد ذلك بأشهر بالطماطم والبيض الفاسد بسبب تنصله من وعوده الانتخابية.

ورغم أن آخر الإحصائيات تشي بأن رواتب الشرقيين ما زالت تنخفض بنسبة 30% عن الغربيين، وأن معدلات البطالة ترتفع في بعض المدن الشرقية الكبيرة إلى 25%، فقد وعد وزير المواصلات الجديد بيتر رامساور بتوجيه دفة عملية إعادة البناء نحو الغرب. وهي إشارة واضحة منه، عشية الاحتفالات بالذكرى الـ20 لسقوط الجدار، إلى مبلغ 1200 مليار يورو خصصتها الحكومات الاتحادية المختلفة منذ ذلك التاريخ للنهوض باقتصاد شرق ألمانيا. وقال الوزير، من الاتحاد الاجتماعي المسيحي، ان شوارع وسكك الولايات القديمة (الغربية) بحاجة إلى إعادة تأهيل ترتفع كلفته إلى عشرات المليارات.

ونشرت الصحف الألمانية نتائج عدة استطلاعات للرأي تكشف التغيرات التي جرت منذ سقوط الجدار. أحد هذه الاستطلاعات نشرته القناة الثانية في التلفزيون الألماني وتتحدث عن قناعة ألمانية كبيرة بضرورات الوحدة التي تحققت مجددا عام 1999. والغريب أن الألمان الشرقيين عبروا عن قناعة أكبر بعدالة الوحدة الألمانية، فقالت نسبة 91% منهم بذلك في حين لم تتعد هذه النسبة 85% بين الغربيين. والملاحظة الثانية هي أن القناعة بعدالة الوحدة كانت منخفضة بين أبناء جيل 35 ـ 50 سنة في حين أنها كانت مرتفعة (90%) بين الشباب الذين لم يشهدوا انهيار الجدار وبين المسنين الذين شهدوا بناءه والحوادث القاتلة على أسمنته.

ورأت بعض الاستطلاعات أن 50% من الألمان صاروا مقتنعين أن ألمانيا الموحدة أصبحت أقل عدلا. وقال 64% من الشرقيين و 43% من الغربيين أن كل جزء من ألمانيا المقسمة كان أكثر عدلا، من ألمانيا الموحدة.

ورغم «العدالة الناقصة» التي أوجدتها الوحدة الألمانية فإنها كانت تقدماً نحو الأحسن حسب رأي المواطنين. وقال 58% من الشرقيين والغربيين إن الوحدة جلبت لهم الفوائد أكثر مما جلبت لهم من السلبيات.