الحريري يريد «صفحة جديدة».. ويدعو أنصاره وحلفاءه لتفهم «التضحيات الوزارية»

صقر لـ «الشرق الأوسط»: الجميل منزعج من أداء «14 آذار» ويتمنى «صدمة إيجابية» فيها

TT

عندما يدخل رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة سعد الحريري إلى «السراي الكبير» اليوم، ستكون المرة الأولى التي يدخل فيها إلى نادي رؤساء الحكومات في لبنان، لكنّ كثيرين اعتبروها «عودة للحريري» إلى رئاسة الحكومة، في إشارة إلى والده الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي غادر «السراي» في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 مطلقا عبارته الشهيرة «إني استودع الله لبنان هذا البلد الحبيب»، ولم يعد إليه بسبب اغتياله بعدها بأشهر قليلة.

وسيكون لدخول الحريري إلى السراي اليوم وقع عاطفي كبير لديه، لدى المحيطين به، خصوصا أولئك الذين عايشوا الأب واستمروا مع الابن، حتى أن أحد أبرز مساعديه قال خلال وقوفه إلى جانبه عند قبر والده الراحل يتلو الفاتحة بعيد إعلان التشكيلة الحكومية «أعدنا الحريري إلى رئاسة الحكومة»! الوصول إلى التشكيلة التي قدمها الرئيس المكلف لم يكن سهلا، فعلى الرغم من فوز قوى «14 آذار» في الانتخابات النيابية الأخيرة، فقد وجدت نفسها تخوض في حكومة «توافق» تتشارك فيها مع الأقلية البرلمانية ولا تمتلك فيها الأكثرية العددية. واضطر الرئيس المكلف لتقديم التضحيات من حصته ومن حصص حلفائه، فرضيت المعارضة و«غضب» الحلفاء عندما وجد نفسه غير قادر على تقديم المزيد من التنازلات.

وفي الساعات الأولى التي أعقبت إعلان التشكيلة، وجد الحريري نفسه مرغما على دعوة أنصاره الذين توافدوا إلى «قريطم» حيث دارة آل الحريري إلى «تفهم» مدى أهمية التضحيات التي قدمت. أما حلفاؤه، فمنهم من نال ما يطلبه «بالحد الأدنى» كـ«القوات اللبنانية» التي حصلت على وزيرين ليس بينهما وزير ماروني، لكن مع حقيبة كبيرة هي حقيبة العدل، بالإضافة إلى وزارة الثقافة، ومنهم من شعر بـ«المرارة» وقبل على مضض، كما فعل النائب البيروتي ميشال فرعون الذي أراد الإعلام فنال وزارة دولة (لشؤون مجلس النواب)، ومنهم من انتابه الغضب كما فعل رئيس حزب الكتائب أمين الجميل الذي لوح بالانسحاب من الحكومة ومن «14 آذار» كلها.

وكان الحريري قد قال أمام مهنئيه ليل أول من أمس، إن هذه التضحيات هي من أجل لبنان، وأنه لا بد من تقديمها من أجل «صفحة جديدة» تنطلق من خلالها عجلة العمل الحكومي للنهوض بلبنان بعد ما شهدته البلاد خلال السنوات الماضية.

وبعد تبلغه خبر انزعاج الكتائب، اتصل الحريري ليلا بالجميل وتحدث إليه مطولا، لكن الأخير بقي عند موقفه، داعيا المكتب السياسي للحزب إلى الاجتماع ملوحا باتخاذ «قرارات خطيرة»، علما أن الكتائب نالت في الحكومة الحالية وزارة خدماتية تعتبر أفضل بكثير من الوزارة التي نالتها سابقا (السياحة). ولما لم يحضر الوزير سليم الصايغ إلى القصر الجمهوري لالتقاط الصورة التذكارية، توجه الحريري إلى «الصيفي» في بيروت حيث مقر الحزب والتقى الجميل بحضور النائب المقرب من الحريري عقاب صقر الذي بقي في «الصيفي» محاولا إقناع الكتائبيين، فلم يفلح في حملهم على إيفاد الصايغ إلى القصر الجمهوري كإعلان بقبول الحقيبة، فكان أن تم الاتفاق على أن تعلن الكتائب موقفها النهائي من المشاركة اليوم. لكن صقر قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأجواء «إيجابية»، مشيرا إلى أن الأمور «تتجه نحو الحل». وأضاف أن الجميل «المنزعج» من أداء «14 آذار» ومن عدم حصول الحزب على حقيبة هامة، كحقيبة التربية التي طالب بها، يريد من موقفه هذا «إحداث صدمة إيجابية» في قوى الأكثرية، مشددا على أن الجميل ليس في وارد مغادرة «14 آذار» وأنه يريد للعلاقة أن تبقى إيجابية مع الحريري. وأوضح أن رئيس الجمهورية الأسبق يريد «إصلاحات في فريق الغالبية وتحسين الأداء».

وفي قراءة للتوازنات التي أفرزتها عملية تأليف الحكومة، يبدو أن الحريري هو أكبر الخاسرين فيها، ولو فقد وزارة التربية لكان انتهى بوزارة أساسية واحدة، علما أن احتفاظه بوزارتين أساسيتين كما هو الحال، بالإضافة إلى وزارة ثانوية ووزارة دولة، هو في واقع الحال سابقة بين رؤساء الحكومات بعد اتفاق الطائف. فقد وجد الحريري نفسه مضطرا في البداية لإعطاء العماد ميشال عون حقيبتين أساسيتين وحقيبتين ثانويتين، بالإضافة إلى وزارة دولة (وزير بلا حقيبة)، وذلك بعدما ربط حزب الله مشاركته في الحكومة بوجود عون فيها. ولما كانت حصة الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) محفوظة بسبب العرف الطائفي الذي يعطي الشيعة وزارة سيادية ووزارات أساسية، كما أن حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كانت حقيبتين دسمتين، هما حقيبتا الأمن الذي توافق الجميع على أن يكون تحت رعايته، وجد الحريري نفسه مع عدد قليل من الوزارات، هي وزارة سيادية واحدة (المال) وبضع وزارات أساسية (التربية والأشغال العامة والعمل والعدل والشؤون الاجتماعية) ومثلها من الوزارات الثانوية (الثقافة والبيئة والإعلام والمهجرين) نال منها النائب وليد جنبلاط وزارة أساسية (الأشغال العامة) وأخرى ثانوية (المهجرين)، بالإضافة إلى وزارة دولة. وأخيرا وجد الحريري نفسه محرجا مع حلفائه المسيحيين الذي أرادوا «التعادل» على الأقل مع عون لمواجهته في الشارع المسيحي، فكان أن نال المسيحيون (في الأكثرية والأقلية ولدى رئيس الجمهورية) أبرز الوزارات: الدفاع والداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية والإعلام والعمل والثقافة والاتصالات.

أما في الجانب الشيعي، فحافظ رئيس مجلس النواب على حصته من دون تعديل يذكر، فبقيت وزارة الخارجية ووزارة الصحة تحت كنفه، واستبدلت وزارة الصناعة بوزارة الشباب والرياضة، وهي وزارة يعتبرها بري «تقدما إلى الأمام». أما حزب الله فقد رفع مستوى تمثيله في الحكومة إلى وزيرين بحقيبتين (الزراعة والتنمية الإدارية) بدلا من وزير واحد في الحكومة السابقة.