رئاسة الحكومة استقبلت سعد رفيق الحريري بالزهور.. والدموع

موظفون استعادوا الغائب الأكبر وآخرون طالبوهم بالابتهاج بمسيرة الحريري الابن

TT

«تأهب!»... هتف الضابط المسؤول عن فرقة التشريفات في الباحة الداخلية للسراي الحكومي. تأهبت الفرقة وعزفت نشيدها في حين كان رئيس الحكومة سعد الحريري يسير على السجاد الأحمر يرافقه الأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور سهيل بوجي. من بعيد يبدو الأمر في نطاق البروتوكول المتبع في مناسبات كهذه. لكن الاقتراب من المشهد يبدو مختلفا. باقة الزهور التي تضم وردا وأوركيديا في يد إحدى موظفات المراسم تدل على ذلك. حماسة الموظفين ودموعهم التي انهمرت من دون أن يتمكنوا من إمساكها تدل على ذلك.

تفاصيل كثيرة حفل بها دخول الحريري الابن إلى مكان عرف جميع من فيه الرئيس الراحل رفيق الحريري وأحبوه.

كان محيط السراي في حركة غير عادية. عناصر الأمن المكلفون بضبط المداخل غلب عليهم الترقب والأمل. أحدهم قال: «الآن سوف يتحسن البلد وتزدهر الأحوال. فالرئيس (سعد الحريري) صبر وتحدى وسوف يبرهن لهم أنه سينتشل البلاد من أزماتها. قلبه مفتوح للجميع». بعد ذلك واصل تفتيش السيارة قبل السماح بدخولها إلى حرم السراي.

الاستعدادات في الباحة الداخلية كانت قائمة على قدم وساق منذ الصباح. السجاد الأحمر نُظف أكثر من مرة بعد فرشه. سجل حضور كثيف للمصورين الصحافيين والتلفزيونيين. تمركزوا وحددوا خطواتهم ليواكبوا الحدث. الإعلاميون حاولوا كسر الانتظار بالتوقعات ومناقشة ولادة الحكومة. إحداهن قالت: «لا يهم كثيرا إذا كانت التشكيلة الحكومية على قدر التوقعات. المهم أنها أنجزت ويجب أن ننتهي من المماحكات والتجاذبات. فقد تعبنا». لترد عليها زميلة أخرى سائلة: «إذا ساد الوفاق الذي يتحدثون عنه كيف سنعمل؟».

كلمة «مبروك» ترددت كثيرا. المباركة كانت لولادة الحكومة بعد مخاض استمر زهاء 135 يوما، أكثر مما كانت متعلقة بالتركيبة الحكومية بحد ذاتها. كبار الموظفين في السراي كانوا في انتظار وصول رئيس الحكومة أما الموظفون الآخرون فقد انتظروه في الطابق الثاني حيث مكتبه. وجوه جديدة من فريق عمل الحريري وصلت منذ الصباح إلى المكان، ما رسخ الأمل بإطلاق المرحلة الجديدة من عمر لبنان التي بدأت صباح أمس. إلا أن وصول مستشاري الحريري نادر الحريري وهاني حمود أشار إلى أن ساعة الصفر قد حانت. بعد خمس دقائق وصل رئيس الحكومة وهتف الضابط المسؤول عن التشريفات «تأهب!» وتأهب الجميع، ثم عزفت موسيقى التشريفات. صمتت الحوارات الجانبية في الباحة الداخلية ونشطت حركة رجال الأمن مع ملاحقة عدسات آلات التصوير كل حركة أو تفصيل تشهده الباحة.

الموظفون استعادوا الغائب الأكبر.. تحدث البعض عن ذكرياته مع الحريري الأب. آخرون طالبوهم بإغلاق الصفحة والابتهاج بمسيرة الحريري الابن ومسيرته الواعدة. غالبيتهم صافحوا الحريري بيد، وباليد الأخرى حاولوا مواراة دموعهم. وجه الرئيس كان متماسكا لكن خلف التماسك كانت نظراته تشي بحكايات كثيرة يحتفظ بها لنفسه. بعد الانتهاء من المراسم كان الاستقبال في الطابق الثاني يعكس مشهدا مختلفا عن المشاهد التي سادت هذه المناسبة. فما أن غادر الحريري المصعد حتى استقبل بتصفيق حار، ليدخل إلى صالون مكتبه ويتقبل التهاني من الجميع. إحدى الموظفات تنفست الصعداء وقالت: «ظبطت» (أي نجح الأمر وتشكلت الحكومة)، ثم طاب لها «همس» زغرودة، لأن المجال لا يسمح بإطلاق العنان للانفعالات الاحتفالية، فقالت: «اويها فتأتوا وتسمعوا أخبارنا السارة/ اويها بعدما صار سعدنا رئيس وزارة/ اويها الله يطول عمره في هذه الدارة». موظف آخر قال: «لم تشهد عمليات تسلم رئاسة الوزارة مثل هذه الاحتفالية. فالعادة لم تكن تجري بهذا الشكل ولم يكن تصرف الموظفين عفويا إلى هذه الدرجة. كانت المراسم الرسمية تغلب على أي انفعال أو عاطفة». بعد ذلك دخل الرئيس مكتبه. وقال أحدهم: «تفضلوا يا جماعة. بلّش الشغل». «الشغل» استهله الحريري بترؤسه اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بصياغة البيان الوزاري، ليعود الإيقاع إلى وتيرته في السراي.