ألمانيا: السجن المؤبد لقاتل مروة الشربيني

المصريون «مرتاحون» لتطبيق العقوبة القصوى

رجل يحمل لافتة كُتب عليها «أوقفوا العنصرية ضد الإسلام» وذلك خلال مظاهرة للمسلمين والأجانب أمام محكمة دريسدن في جنوب ألمانيا (أ.ف.ب)
TT

وسط إجراءات أمنية مشددة وحضور صحافي ألماني، عربي وروسي مكثف، أعلنت محكمة دريسدن قرارها في قضية مقتل الشابة المصرية مروة الشربيني على يد شاب ألماني، من أصل روسي، وجه لها 16 طعنة بدافع الحقد على الأجانب والمسلمين في ملعب للأطفال في مدينة دريسدن (شرق).

وقضت محكمة في دريسدن (جنوب شرقي ألمانيا) أمس بسجن الألماني من أصل روسي أليكس فينز (28 عاما) مدى الحياة بجريمة قتل المصرية المحجبة مروة الشربيني في يوليو (تموز).

ووقعت الجريمة في قاعة المحكمة خلال جلسة محاكمة وأثارت غضبا عارما في العالم الإسلامي. وكانت مروة الشربيني (31 عاما) حاملا في شهرها الثالث عند وقوع الجريمة، وقد أطلقت عليها الصحافة المصرية لقب «شهيدة الحجاب». وكان فينز الذي سيبلغ الـ29 عاما الخميس، اعترف بأنه طعن مروة الشربيني 16 طعنة بواسطة سكين مطبخ، أثناء نظر محكمة الاستئناف في طلب تقدم به لحكم أصدرته بحقه محكمة البداية لتوجيهه إهانات عنصرية إلى الشربيني. كما طعن القاتل زوج مروة عندما حاول الأخير حمايتها. وبهذا الحكم، سيقضي فينز 15 عاما على الأقل خلف القضبان.

وكان ممثل النيابة العامة فرانك هاينريش طالب بالسجن مدى الحياة للمتهم، الذي ترعرع في روسيا، بعد أن دان المتهم بارتكاب الجريمة مع سبق الإصرار والترصد، في حين عبر ممثل الدفاع ميشائيل شتوم عن قناعته بأن موكله ارتكب الجريمة في لحظة غضب آنية وطالب، على هذا الأساس، بإيقاع عقوبة سجن محدودة به. واعتمد المحامي في دفاعه على تقرير من الجيش الروسي يشخص معاناة أليكس و. من داء انفصام الشخصية. ويفترض حسب هذا التقرير أن يكون الشاب الروسي ـ الألماني الأصل قضى فترة سنة في مصح للأمراض العقلية في روسيا. ويشي التقرير أيضا بأن المتهم تم تسريحه من الخدمة العسكرية في روسيا بسبب اضطراباته العقلية غير المفهومة. وواجهت النيابة العامة التقرير الروسي بتقرير قدمه الطبيب الألماني شتيفان تشورسكي والذي شخص فيه أليكس و. كمؤهل للمحاكمة وأنه يتحمل تبعات جريمته «بلا حدود». إلا أن محامي الدفاع شتوم طعن بالتقرير، واتهم تشورسكي بعدم الحرفية، وطالب في الجلسة الأخيرة بتقرير جديد من طبيب «محايد». وتظاهر نحو 100 مسلم من مختلف أنحاء ألمانيا أمس في مدينة دريسدن ضد العنصرية وذلك قبيل صدور الحكم في قضية مقتل الصيدلانية المصرية على يد متطرف روسي داخل قاعة محكمة دريسدن. وأكد أحد المتحدثين في المظاهرة أن هدفها ليس ممارسة الضغط على المحكمة ولكنها تهدف إلى مكافحة حملات الكراهية ضد الإسلام على شبكة الإنترنت. وطالب المتظاهرون الحكومة الألمانية بالتصدي للمواقع الإلكترونية والجماعات التي تحض على الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وقال الشيخ أبو أنس الذي يعيش في مدينة براونشفايغ إن قتل مروة الشربيني لم يكن مفاجئا بالنظر إلى هذا التحريض ضد الإسلام والمسلمين. النائب هاينريش، في جلسة الأسبوع الماضي اعتبر الجريمة ضد مروة الشربيني من النوع الثقيل التي تتطلب السجن مدى الحياة وعدم إطلاق سراح المتهم بعد قضاء 15 سنة في السجن كما هي الحال في الأحكام على الشباب. وقال النائب إن أليكس و. خطط لجريمته بدقة وحاول منذ البداية قتل الزوجين، وتنبغي محاكمته على أساس ارتكاب الجرم مع سبق الإصرار. واعتمد النائب العام في مطالعته تقارير الشهود التي تحدثت عن ممارسة القتل «بعزيمة وقوة»، وأن الزوج لم ينج من الموت إلا بمعجزة. كما واصل المجرم الطعن ضد المرأة الحامل وهي بلا حراك على الأرض تعبيرا عن حقده الأعمى وإصراره على القتل.

عمل أليكس و. «عن وعي على تحطيم عائلة» ولم يبال أبدا بنظرات الطفل وحالة مروة الشربيني كامرأة حامل. ولم يكتف القاتل بالجريمة وإنما واصل شتمه للقتيلة بعد اعتقاله بطريقة جعلت النائب العام هاينريش يعجز عن وصف مشاعره.

وكان أليكس و. اعترف في الجلسات السابقة بارتكابه جريمة القتل، لكنه أنكر تخطيطه للجريمة كما رفض «العداء للأجانب» كدافع للقتل. بدأت قضية مروة الشربيني في أحد ملاعب الأطفال في مدينة دريسدن، التي تشتهر بنشاط اليمين النازي فيها، حينما شتم أليكس و. المرأة الحامل متهما إياها بالإرهاب. وقد طلبت الشربيني تدخل الشرطة وأقامت دعوى على الشاب بتهمة الإهانة والتعدي على حقوق الآخرين. وحكمت المحكمة آنذاك على الشاب بغرامة لا تزيد على 330 يورو، إلا أنه طعن في الحكم واستأنف القضية. التقى الاثنان مجددا في ملعب الأطفال ودار جدل بين الاثنين حول الموضوع مجددا، وفاجأ أليكس و. الآخرين حينما استل سكينه ووجه 16 طعنة إلى المرأة الحامل، أودت بحياتها، وتظاهر نحو 60 شخصا، تجمعوا من كل ألمانيا، أمام مبنى المحكمة مطالبين بالاقتصاص من القاتل وحماية الجالية المسلمة من المتطرفين. وأطلق المتظاهرون، وكلهم من الرجال الملتحين والنساء المحجبات، على أنفسهم اسم «الانتقال إلى الجنة»، ونقل راديو «في.دي.آر» عن إحداهن أنها جاءت من شتوتغارت (400 كم)، وأنها تطالب بإنزال أقصى عقوبة بالمتهم. وقال الشيخ أبو أنس، من براونشافيغ، لوكالة الأنباء الألمانية إن التظاهرة لا تبغي الضغط على المحكمة، ولكنها تطالب الحكومة بمعاقبة كل المواقع الإلكترونية التي تحرض على الكراهية ضد الإسلام.

من جهة اخرى أبدى المصريون ارتياحا شديدا لتطبيق أقصى عقوبة في القانون الألماني، وهي السجن مدى الحياة، على الألماني (أليكس فينز) قاتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني، ورحب حقوقيون بالحكم، واعتبروه دليلا على نزاهة القضاء الألماني. ورغم أن المحكمة العليا بمدينة دريسدن الألمانية، أعلنت في بداية المحاكمة أن القضية جنائية من الدرجة الأولى، نافية أن تكون هناك محاكمة سياسية للمتهم، فإن الحقوقيين المصريين اعتبروا القضية برمتها تشير إلى المناخ العنصري ضد المسلمين والأجانب في أوروبا.

وقال حافظ أبو سعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، «إن القضاء الألماني أثبت نزاهته وحياديته، وبعث بهذا الحكم رسالة واضحة ضد كل متعصب»، وأضاف: «أرجو أن تصلنا الرسالة كاملة، كان هذا الحكم ضد التعصب كما تجلى في سلوك مواطن ألماني، وعلينا أن نتحلى بالموضوعية، وندين بدورنا كل سلوك متعصب ضد الآخر بغض النظر عن جنسه أو دينه». وأكد أبو سعدة، أن الحكم يدعونا جميعا لكي نكون ضد أي مظهر من مظاهر العنصرية.

ويرى ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، أن الحكم يسهم في تحقيق تقارب بين الغرب والعالم الإسلامي، مع ضرورة النظر بعين الاعتبار للقضاء الألماني، الذي لم يتأثر بأي عامل سياسي، وأصدر حكمه وفقا للقانون الألماني ومتناسبا مع الجرم المرتكب، لا سيما أن الواقعة تعبر عن الكثير من مظاهر الكراهية.

وفي تعليقه على الحكم، قال بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن العقوبة طبيعية ومتوقعة، فالجريمة حدثت تحت سمع وبصر القضاء الألماني، وفي قاعة محكمة، وتوافر فيها (الجريمة) ركن «سبق إصرار.. لا شبهة فيه». وأضاف حسن، «هذه العقوبة الرادعة رسالة واضحة ضد التعصب لم توجه فقط للعالم الإسلامي، بل كذا للداخل الألماني الذي شهد موجة أفكار عنصرية، أودت بحياة مجموعة من الأفارقة حرقا، هذا الحكم جاء ليعزز روح التسامح وهو حكم مرحب به».

وكان المتطرف الألماني أليكس فينز، قد انهال على مروة الشربيني طعنا بالسكين داخل إحدى قاعات المحكمة في يوليو (تموز) الماضي، أثناء محاكمته على توجيه عبارات عنصرية للصيدلانية المصرية بسبب ارتدائها الحجاب. ولقيت السيدة الشربيني حتفها على الفور في قاعة المحكمة أمام طفلها، وحاول المتهم قتل زوجها علوي عكاز، الذي أصيب بإصابات بالغة..

واعتذرت الحكومة الألمانية رسميا لمصر، كما قدمت فعاليات كثيرة في المجتمع الألماني اعتذارها للشعب المصري، الذي استقبل الحادث بموجة غضب عارمة، سرعان ما انتقلت إلى بلدان العالم الإسلامي.