جدل وتباعد في الرؤى حول هجرة العقول من الدول النامية إلى الغنية في اجتماع «تحالف الحضارات» بالرباط

سامبيو: وزير صحة دولة نامية أبلغني أن عدد أطباء بلده في الخارج يفوق عددهم في الداخل

الرئيس البرتغالي السابق سامبيو يتوسط لطيفة اخرباش الوزيرة في وزارة الخارجية المغربية وبنسالم حميش وزير الثقافة المغربي ود. عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام لمنظمة الإيسيسكو (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

تباعدت الرؤى حول هجرة العقول خلال اجتماعات «تحالف الحضارات»،الذي اختتمت أشغاله أمس في الرباط، إذ رأى البعض في هجرة العقول مصدرا للعملة الصعبة وتحسين مستوى معيشة المهاجرين، فيما رأى البعض الآخر أنها تحرم الدول النامية من خيرة شبابها الذين أنفقت عليهم أموالا طائلة لتكوينهم، من دون أن تستفيد من مؤهلاتهم في مختلف المجالات، لا سيما في الميدان الطبي، حيث يسجل نقص كبير في عدد الأطباء، كما قال جورج سامبيو الرئيس البرتغالي السابق، والممثل السامي لتحالف الحضارات، الذي ذكر أيضا أن وزيرا للصحة في دولة نامية، اشتكى له عام 2007 من أن عدد الأطباء المتحدرين من بلده الموجودين في الخارج أكثر من الداخل.

وأضاف سامبيو أن نقاشا عميقا حول هذا الموضوع له ما يبرره، ويستدعي اهتماما متزايدا، مشددا على أن الكثير من الدول النامية يعاني من هذه الظاهرة، وحذر من تداعياتها، مؤكدا أن العملية التنموية سوف تنهار إذا لم يؤخذ هذا الموضوع بالجدية اللازمة، «إذ لا يمكن تصور النتائج الوخيمة التي يمكن أن تسفر عنها، والتي تتجلى في انعكاساتها الخطيرة المحتملة على الصحة العامة في العالم».

من جهته، تطرق مارك شوير، مدير أمانة تحالف الحضارات، إلى التحولات التي طرأت على الهجرة بصفة عامة، مشيرا إلى أنها تعرضت أخيرا إلى بعض الأزمات، نتيجة القيود التي أصبحت مفروضة عليها، مركزا عرضه بصفة خاصة على مسألة اندماج المهاجرين في المجتمعات التي يوجدون فيها، ومعتبرا الهجرة «منبعا للتنوع الثقافي،» على الرغم من أنها «تؤدي إلى تصارع القيم في بعض المجتمعات»، على حد تعبيره.

وشدد ممثلو بعض الدول العربية على أهمية التبادل الثقافي بين الشعوب من خلال استقبال أفواج من الشباب للاطلاع على ثقافة وحضارة الآخر، لخلق جسور من التقارب والتفاهم والتعايش، مشيرين بالخصوص إلى تجربة مصر والمغرب في هذا المجال، داعين إلى تعميمها، لما تنطوي عليه من فوائد جمة.

وشهدت أمس الفترة الصباحية من الاجتماع الثالث لنقاط اتصال «تحالف الحضارات»، الذي انعقد مدة يومين بمقر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بمدينة الرباط، عدة موائد مستديرة حول «الاستراتيجية الإقليمية لتحالف الحضارات في بلدان جنوب شرق أوروبا»، و«الاستراتيجية الإقليمية لتحالف الحضارات في بلدان أميركا اللاتينية» و«تعزيز انخراط تحالف الحضارات في العمل مع المنظمات غير الحكومية»، و«إدماج صندوق تضامن الشباب التابع لتحالف الحضارات»، و«صورة الأخر في الكتب المدرسية،» و«الكتاب الأبيض لمجلس أوروبا حول حوار الثقافات».

وحظيت وسائل الإعلام مساء أول من أمس بنصيب وافر من النقاش، اعتبارا للدور الذي يمكن أن تلعبه على مستوى التقارب بين الأقطار، إذا ما تم استغلالها جيدا، بعيدا عن إثارة نوازع التوترات، أو استفزاز المشاعر الدينية للشعوب، في إشارة إلى الرسوم المسيئة للرسول الكريم، التي نشرتها الصحافة الدنماركية، والتي أثارت عددا من ردود الفعل، وأخذت أبعادا قوية، كما قال جان كريستوف، أحد المساهمين في الحوار.

ودعا المشاركون في جلسة العمل حول وسائل الإعلام إلى انتهاج معالجات إعلامية موضوعية تقوم على نظرية الاحترام المتبادل، خاصة فيما يرتبط بالمعتقدات الدينية، مؤكدين أن هذه الأخيرة يجب أن تبقى بمنأى عن أي مساس بحرمتها، تفاديا لأي «تصعيد ملتهب»، وفق تعبير كريستوف.

وأثيرت ضمن الجلسة الخاصة بالتربية والتعليم السياقات المتعلقة بتبادل المعلومات حول الأديان والمعتقدات، مع ضرورة الحفاظ عليها من الخدش، بيد أن قضية استقطاب العقول المهاجرة من لدن الدول الأكثر غنى، أثارت جدلا واسعا بين الحاضرين.

وضمن مبادرات تحالف الحضارات، جرى الحديث عن مشروع مقهى الحوار، وهو الأول من نوعه، ويهدف إلى خلق شبكة مقاه حوارية عبر الإنترنت في كل أنحاء العالم، كما قالت هيلينا باركو، إحدى المشاركات، لدى تقديم فكرة المشروع للحاضرين، من خلال وثيقة تم توزيعها عليهم.

وذكرت الوثيقة أن مشروع مقهى الحوار انطلق في اسطنبول في منتدى الأمم المتحدة لتحالف الحضارات، في أبريل (نيسان)الماضي، باعتباره الحل العملي لخلق قنوات وفرص جديدة لمعالجة سوء الفهم، وتشجيع تبادل المعرفة من خلال تشجيع الحوار بين الناس من مختلف الخلفيات والأديان والثقافات في تفاعل عالمي لتحفيز الأفكار والمشاريع التي تعالج قضايا المجتمعات، بعيدا عن التطرف والتعصب.

وبالموازاة مع تطوير مشروع منصة مقهى الحوار، يتم حاليا بناء استراتيجية عالمية للشبكة، بما في ذلك الشراكات المحلية، واختيار المدن للمرحلة التجريبية، تعبيرا عن أهمية المشاركة في تحالف المدن التي ستضم مقاهي الحوار، أخذا بعين الاعتبار توافرها على خصائص التنوع والتعدد، والتشبع بقيم وثقافة السلام، وسوف يتم البدء في تنفيذ أول شبكة من مقاهي الحوار التجريبية في يناير (كانون الثاني) 2010، ومن المقرر، كما جاء في الوثيقة، أن يستكمل هذا المشروع بنهاية السنة نفسها. وتتم إدارة مبادرة مقهى الحوار من قبل رابطة اتحاد مقاهي الحوار، وهي منظمة غير ربحية، وتشمل الشركاء الأولين لتحالف الحضارات، ومؤيدي المشروع، وكذلك الخبراء في المدن التي ستصبح جزءا من الشبكة.