رئيس فيدرالية ناشري الصحف المغاربة لـ«الشرق الأوسط»: الصحافة في بلادنا لم تهتم كما ينبغي بأخلاقيات المهنة

الهاشمي الإدريسي: لسنا مع مبدأ المساندة المطلقة للزملاء. . ولا نزكي الأحكام المبالغ فيها.. والمسؤولية مشتركة إزاء ما يحدث بالقطاع

خليل الهاشمي الإدريسي
TT

قال خليل الهاشمي الإدريسي، رئيس فيدرالية ناشري الصحف في المغرب، إن حرية الصحافة في بلاده كما في باقي دول العالم العربي، تثير نوعا من الخوف أحيانا. لأن العادة في هذه الدول جرت على تغليب منطق الانغلاق على مبدأ الانفتاح، مشيرا إلى أن ممارسة الصحافة بروح المسؤولية تقتضي وجود نوع من التنظيم والمراقبة الذاتية حتى توفر على الدول اللجوء للزجر في كل ما يتعلق بجنح الصحافة.

وأوضح الهاشمي الإدريسي، في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» أنه «في الديمقراطيات الحية، كما هو الحال عندنا، فإن الأمور لا تسير بهذه الكيفية. فالصحافي بطبعه يحاول دائما الذهاب أبعد مسافة ممكنة في إطار ممارسة مهنته. وهو في ذلك مؤطر بأمرين اثنين. أولا، أخلاقيات المهنة، وهي حتى الآن جد محدودة في بلادنا وذلك لضعف التكوين أحيانا، ولانعدام الضمير المهني لدى بعض الصحافيين. ثانيا، احترام القانون. لكن هذه القواعد القانونية يجب تطبيقها بطريقة عادلة ومتبصرة».

ودعا الهاشمي الإدريسي الطرفين الرسمي والصحافي إلى العمل سويا على إرساء تقاليد ديمقراطية تتمحور حول الحق في الإعلام.

إلى ذلك، قال الهاشمي الإدريسي «نحن لسنا مع مبدأ المساندة المطلقة للزملاء. لكننا أيضا لا نزكي الأحكام المبالغ فيها والتي تحدد تعويضات خيالية»، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة يكون واضحا أن الهدف ليس تطبيق القانون أو إحقاق الحقوق وإنما إغلاق مؤسسات صحافية بطريقة غير مباشرة.

وردا على سؤال حول من يتحمل مسؤولية ما يقع في مجال الصحافة، قال الهاشمي الإدريسي إن المسؤولية مشتركة بين الدولة وقطاع الصحافة، وشدد على القول إن الصحافة المغربية لم تهتم كما ينبغي، في السنوات الأخيرة، بمسألة أخلاقيات المهنة.

وزاد قائلا «لقد انتشت بعبير الحرية الجديدة الذي مكنها من أن ترفع وتسمع صوتها ففاتها الاهتمام بملف القواعد الأخلاقية والمسؤولية المعنوية والتكوين».

وفي ما يلي نص الحوار.

* البيان الصادر عنكم أخيرا وعن نقابة الصحافيين يبينان حالة الاختناف التي تجتازها الصحافة المغربية جراء عملية شد الحبل القائمة بينها وبين الدولة. ما هو تصوركم للخروج من حالة الاختناق هذه؟

ـ إن قراءة سليمة وموضوعية لبيان فيدرالتنا تبين أن الأزمة الحالية يمكن فعلا تجاوزها إذا توفرت الرغبة الجدية لذلك لدى كل الأطراف. لكن إذا كانت هناك نية لدى الطرف الآخر في مواصلة حوار الصم والخطاب السياسوي والتصعيد القضائي، فيمكن القول إن شيئا لم يحصل، وإن بياننا غير واضح. ورغم ذلك فإن تحليلنا للوضعية ينبني على ثلاث نقاط أساسية.

أولا، على الصحافة المغربية أن تلتزم بكل انضباط للقواعد الأخلاقية للمهنة خصوصا فيما يتعلق بالحياة الخاصة للملك وللأسرة الملكية. ثانيا، يجب أن لا يتم زجر جنح الصحافة إلا داخل إطار دولة الحق والقانون، وذلك باللجوء إلى القضاء بدل القرارات الإدارية. ثالثا، يجب استئناف ورش إصلاح القطاع الذي جمد من طرف الحكومة الحالية منذ سنتين. وللتذكير فإن فمشروع الإصلاح يرمي بالأساس إلى إنشاء المجلس الوطني للصحافة. لذلك أعتقد أن موقفنا واضح ومسؤول، والأمانة العلمية تقتضي القبول به كما هو.

* هناك الآن دعوة تقول «لا رجعة عن حرية الصحافة، نعم لأخلاقيات المهنة»، فكيف يمكن تحقيق هذه المعادلة؟

ـ في المغرب كما في باقي دول العالم العربي، تثير حرية الصحافة نوعا من الخوف أحيانا. لأن العادة في هذه الدول جرت على تغليب منطق الانغلاق على مبدأ الإنفتاح.

لذا فإن ممارسة الصحافة بروح المسؤولية تقتضي وجود نوع من التنظيم والمراقبة الذاتية حتى نوفر على الدول اللجوء للزجر في كل ما يتعلق بجنح الصحافة. لكن في الديمقراطيات الحية، كما هو الحال عندنا، فإن الأمور لا تسير بهذه الكيفية. فالصحافي بطبعه يحاول دائما الذهاب أبعد مسافة ممكنة في إطار ممارسة مهنته. وهو في ذلك مؤطر بأمرين اثنين. أولا، أخلاقيات المهنة، وهي حتى الآن جد محدودة في بلادنا وذلك لضعف التكوين أحيانا، ولانعدام الضمير المهني لدى بعض الصحافيين. ثانيا، احترام القانون. لكن هذه القواعد القانونية يجب تطبيقها بطريقة عادلة ومتبصرة.

وهو ما ليس عليه الحال الآن للأسف نظرا لضعف تجذر استقلالية القضاء. وعليه فمن الواضح أن الطرفين، الرسمي والصحافي، عليهما أن يعملا سويا على إرساء تقاليد ديمقراطية تتمحور حول الحق في الإعلام.

* الملاحظ أنه في جميع المحطات التي تميزت بالتجاذب بين الصحافة والدولة، كانت فيدرالية الناشرين ونقابة الصحافيين، في غالب الأحيان، تتستران على بعض الانحرافات المهنية من منطلق «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». . الآن ماذا طرأ حتى تؤكدان على مسألة «لا رجعة عن حرية الصحافة، نعم لأخلاقيات المهنة»؟ ـ هذا غير صحيح، وذلك يروجه خصوم حرية الصحافة في المغرب. فرغبة منهم في إيقاف مسلسل الانفتاح كانوا دائما يدعون أن الصحافيين يرغبون في أن يكونوا فوق القانون حتى يتمكنوا من ممارسة القذف دون عقاب. والمتأمل في مجمل الأحكام القضائية الصادرة في حق الصحافة يجد العكس تماما، حيث إن العدالة تأخذ مجراها، وإن الصحف مسؤولة قانونيا عما تنشره. نحن لسنا مع مبدأ المساندة المطلقة للزملاء. لكننا أيضا لا نزكي الأحكام المبالغ فيها والتي تحدد تعويضات خيالية. ففي هذه الحالة يكون واضحا أن الهدف ليس تطبيق القانون أو إحقاق الحقوق وإنما إغلاق مؤسسات صحافية بطريقة غير مباشرة.

* من تحملون مسؤولية ما يقع في مجال الصحافة، هل للدولة أم للقطاع أم أن المسؤولية مشتركة؟

ـ المسؤولية مشتركة. الصحافة المغربية لم تهتم كما ينبغي، في السنوات الأخيرة، بمسألة أخلاقيات المهنة. لقد انتشت بعبير الحرية الجديد الذي مكنها من أن ترفع وتسمع صوتها ففاتها الاهتمام بملف القواعد الأخلاقية والمسؤولية المعنوية والتكوين. وهكذا فإن المنافسة الشديدة خلقت نوعا من المزايدة عبر دفع خطوط التحرير نحو أبعد الحدود. وبدعوى العمل على تكسير الطابوهات تم في بعض الأحيان تحطيم سمعة أشخاص والمساس بأعراض آخرين. كل هذا أساء فعلا لقطاعنا ولمصداقية الصحافة. وهو ما ندفع ثمنه اليوم باهظا.

أما فيما يخص الحكومة فإن مسؤوليتها السياسية واضحة وجلية. فعندما أغلقت ورش إصلاح القطاع الصحافي منذ سنتين فإنها زادت من خطورة الوضعية لأنها أوقفت عجلة مسلسل النهوض بالقطاع وأدخلته في نفق مسدود. وما نشاهده اليوم من تشنجات ما هو إلا نتاج لقرار الحكومة بإخراج ملف الصحافة من أجندتها. وهكذا، فمن الطبيعي أن يتحول الزجر المبالغ فيه أو غير المعلل إلى تعبير عن غضب جامح تكون له ضحيتان: الصحافة، التي تعاقب بشدة، والعدالة، التي تفقد أكثر فأكثر المغزى من وجودها.

* أنتم في الفيدرالية كيف تفهمون حرية الصحافة. وهل أنتم مع عدم وجود خطوط حمر يجب التقيد بها؟

ـ «الخطوط الحمراء» تعبير رومانسي يستعمله أولئك الذين ما زالت لديهم تحفظات على المسلسل الديمقراطي في بلادنا، والذين يعتقدون أن دولة الحق والقانون لا تقدم الضمانات الكافية للعيش في إطار القانون.

«الخطوط الحمراء» هو منتوج للتخلف الفكري الذي يدفع بإمكانية تنظيم المجتمع دون ضوابط قانونية. ولنأخذ مثالا على ذلك: هل يشكل الحديث عن الملك في الصحافة المغربية خطا أحمر؟ من البديهي أن الأمر ليس كذلك. فبشهادة الجميع بما في ذلك السفارات الأجنبية المعتمدة في المغرب، فإنه ليس هناك رئيس دولة عربية ينتقد في الصحافة بكل حرية مثل الملك محمد السادس. الحرية حقيقية. والعاهل المغربي لا يشتكي من ذلك لأنه هو من أسس لمبدأ الانفتاح والحرية الموجودين حاليا في المغرب. وهو الضامن لحماية هذا المبدأ. لكن ومن جانب آخر يجب علينا التساؤل هل يحق لصحافي أن يسيء للملك، وأن يمس بحياته الشخصية أو سمعته أو عائلته؟ الجواب هو قطعا لا. فالملك يتمتع بنفس الضمانات التي يوفرها القانون لكل المواطنين المغاربة. فأين هو إذن «الخط الأحمر»؟ ونفس المنطق يمكن تطبيقه على مسألة الوحدة الترابية وعلى العلم الوطني وعلى الإسلام كدين للدولة. وهكذا ترون أن النقاش جد متقدم عندنا حول الحريات، وهو في قلب مسلسل تطور بلادنا. فالخط الأحمر الوحيد هو القانون. نحن نجتاز مرحلة تمتاز بكثرة مطباتها ما بين تقدم وتراجع، لكن ذلك كله لا يجب أن يثنينا عن المضي قدما في الاتجاه الصحيح. لذا فإن قوانيننا يجب أن تكون ترجمة لتجربتنا الديمقراطية، وأن تدفعنا إلى الاستمرار في مسلسل الإصلاح.

* كثرت في الاونة الأخيرة دعوات لإجراء حوار وطني حول الصحافة. ما هو تصوركم لهذا الحوار، وعلى أي أسس يجب أن يقوم؟

ـ نحن مع حوار صادق وجدي. نحن ضد المناورات السياسوية وسياسة «فرق تسد». وإضعاف القطاع من الداخل عبر دفع بعض الزملاء إلى اتخاذ موقف ضد المصلحة الجماعية لا يشكل الطريقة المثلى لإعداد الأجواء للحوار.

* هناك ظاهرة غريبة مغربية بامتياز تكمن في أنه هناك دائما مطالبة بضرورة اللجوء إلى القضاء في حالة وجود مشكلات في المهنة، ولكن حينما يصدر القضاء حكمه يتم انتقاده والطعن في مصداقيته. ما هي قراءتكم لذلك؟

ـ نحن ضد العقوبات الإدارية في ميدان الصحافة. فهي لا تتطابق والمبادئ العامة لدولة الحق والقانون. واللجوء إلى القضاء هو السبيل الأمثل لإحقاق الحقوق وجبر الضرر الناتج عن جنح الصحافة. لكن هذا يفترض بالضرورة وجود قضاء مستقل ومتخصص في مثل هذه القضايا. وأؤكد مرة أخرى بأن الأحكام يجب أن تكون معادلة للجنح المرتكبة وإلا فإن الهدف من وراء الأحكام لن يكون إحقاق العدالة وإنما تصفية حسابات وإقفال مؤسسات صحافية.

* أنتم مقبلون على الاحتفال باليوم الوطني للصحافة. ماذا تنتظرون خلال هذا اليوم؟

ـ اليوم الوطني للإعلام هو التفاتة ملكية نحو الصحافي المغربي، وهو اليوم الذي يتم فيه منح الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة. ولذلك يجب أن يشكل موعدا للاحتفال لكن أيضا موعدا للتفكير والتمحيص. وللأسف ففي السنوات الأخيرة أصبح هذا الموعد السنوي يمر في أجواء تغلب عليها القضايا الصحافية والمحاكمات. ولذلك صار من الضروري إعادة التفكير فيه، وفي طرق تنظيمه حتى يصير أكثر جاذبية للصحافيين.

* هل أنتم مع العمل بدفتر تحملات يلزم الدولة والقطاع معا بخصوص مجال الحرية والخطوط الحمر؟

ـ لا يجوز تغيير القوانين كرد فعل على أزمات عابرة. إذا فعلنا ذلك، فإننا سنشرع بطريقة رجعية، وهو ما يتعارض ومسيرتنا نحو التقدم. وفي كل مرة قامت الحكومة المغربية بذلك فإنها لم تحقق أية نتائج إيجابية. ومن جانب آخر، فإنه كلما تبين لمن يعنيه الأمر بأن قانون الصحافة غير كاف لمحاكمة صحيفة ما، فإنه يلجأ إلى القانون الجنائي. وهذا يعني أن قانون الصحافة ليس هو النص الحصري لمحاكمة الصحافيين. لذلك فالحوار الذي انخرطت فيه فيدراليتنا بكل جدية حول إصلاح قانون الصحافة أصبح غير ذي مغزى. واتضح أنه ليس لديه ذلك البعد الاستراتيجي الذي كنا نعتقد. وهذا هو النقاش الحقيقي الذي يجب أن نطلقه الآن.

* قال وزير الإعلام المغربي أخيرا لـ« الشرق الأوسط» إنه يجب على قانون الصحافة الجديد أن يعالج في نطاق شمولي يأخذ بالاعتبار المحطات والتطورات التي حصلت حتى الآن والعيوب الواضحة التي برزت أيضا في الممارسة الصحافية. هل تتفقون مع الوزير في ذلك؟.. قال الوزير أيضا إن باب تعديل القانون ليس مغلقا، وإنه ينتظر ذلك النقاش الجدي من خلال محاورين في مستوى الجدية. ألا ترون أن الكرة الآن توجد في ملعبكم؟

ـ نحن أيضا نتمنى أن يكون لدينا محاور جدي ومن مستوى رفيع ولديه القدر الكافي من المصداقية، الذي يمنعه من التلاعب بمستقبل قطاع حيوي بالنسبة لبلدنا، وجعله عرضة لمزايدات سياسوية. فطبقا لتصريحات الوزير الأول (رئيس الوزراء) فإن قطاع الصحافة لا يعد من أولويات حكومته. ولذلك فمن البديهي أن نستنتج من ذلك أن كل ما يروج أو يقال حول هذا الموضوع ما هو إلا مناورات سياسوية.

* ماذا عن موقفكم بشأن المجلس الوطني للصحافة، كأداة للتسيير المهني. هل أنتم مع ارتباطه بصفة عضوية مع القانون التعديلي للصحافة أم مع استقلاليته عنه؟

ـ موقفنا كان دائما واضحا. لو كنا أنشأنا المجلس الوطني للصحافة منذ سنتين لكنا استطعنا تفادي الكثير من المشكلات والأزمات. الوسيلة الوحيدة لتفادي المواجهة بين الدولة والصحافة هو إنشاء المجلس. لكن وللأسف، ورغم توافر توافق حول هذه المسألة فإنه لم يتم تفعيل أي شيء. وهذا المجلس كان سيمكن أيضا من التقدم في الحوار حول إصلاح قانون الصحافة. للأسف أضعنا وقتا ثمينا وثمار سنوات من الحوار بدون أية مبررات.

* يجري الحديث في المغرب عن «صحافة مستقلة»، وسؤالي هو: مستقلة عن من؟ ما دامت هناك دائما جهات قد تكون من الدولة أو من قطاع المال والأعمال، وربما من الخارج، تمول صدور بعض هذه الصحف المسماة «مستقلة». أود معرفة وجهة نظركم في ذلك؟ ـ مصطلح «الصحافة المستقلة» فرض نفسه في فترة من التاريخ المعاصر للمغرب حينما كانت الصحف الحزبية هي المرجعية التاريخية والنضالية للصحافة الخاصة. وهذا التقسيم كان له طابع تنظيمي فقط. لكن استقلالية الصحافة في بلد اختار الديمقراطية كهدف تعني التعددية في الخط التحريري. ولا تعني إطلاقا الموضوعية الكاملة أو الحقيقة المطلقة.