الحريري «يحيّد» موقفه الشخصي.. وزيارته لدمشق مدخل لمعالجة ملفات داخلية صعبة

مصدر في «14 آذار» : سورية اتخذت قرارا عمليا بالانفتاح علينا

TT

بدأ رئيس الحكومة اللبنانية الجديد سعد الحريري، ثاني أصغر رؤساء الحكومات في تاريخ لبنان (بعد رشيد كرامي)، عمله في مقر رئاسة الحكومة اللبنانية حيث تنتظره ملفات كبيرة جدا في مستهل عمله الحكومي. وأمام الحريري ملفات سياسية ساخنة جدا، واقتصادية لا تقل عنها سخونة وأهمية، بالإضافة إلى عملية النهوض ببنيان العمل الحكومي الذي اختل توازنه منذ اغتيال والده في فبراير (شباط) 2005. بالإضافة إلى ملفات يومية متراكمة ومشاريع قوانين تحتاج إلى مصادقة من الحكومة لإرسالها إلى مجلس النواب، بعدما تعطل عمل الحكومة السابقة قبيل الانتخابات النيابية الأخيرة في يونيو (حزيران) الماضي، ثم بعدها بسبب تأخر تأليف الحكومة نحو 5 أشهر.

ويعي الحريري حجم التحديات التي ستواجهه والتي لخصها في عدة مناسبات لجهة أن «الأخطار التي يواجهها لبنان حقيقية وكبيرة، لكن الفرصة المفتوحة أمامه أكبر»، معتبرا أن «صدّ الأخطار عن بلدنا واقتناص الفرصة المتاحة له، يبدآن من مكان واحد هو تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على العمل». وشدد على «سدّ طريق الأخطار وفتح آفاق الفرص أمام لبنان واللبنانيين، والقيام بأي خطوة تفتح أمام البلاد طريق الاستقرار وإعادة الاعتبار للدولة والنظام الديمقراطي وتجديد الثقة باتفاق الطائف». ولعله لخص التحديات في كلمته بعد تأليف الحكومة مصارحا اللبنانيين بالقول «إن هذه الحكومة، إما أن تكون فرصة لبنان لتجديد الثقة بالدولة ومؤسساتها، فنقدم من خلالها نموذجا متقدما لنجاح مفهوم الوفاق الوطني في إدارة شؤون البلاد، وإما أن تتحول إلى محطة يكرر اللبنانيون من خلالها فشلهم في تحقيق الوفاق».

في الشق السياسي، تحتل العلاقة مع سورية الجزء الأكبر من هذه التحديات. فالحريري الابن يدرك تماما أن وصوله إلى رئاسة الحكومة في لبنان يفرض عليه «تحييد» الجانب الشخصي عن هذه العلاقة. فالسؤال الثاني الذي كان يطرح على الحريري في زياراته الخارجية، بعد السؤال عن رغبته في تولي رئاسة الحكومة، هو مدى استعداده للتعامل مع سورية. وهؤلاء كانوا ينطلقون دائما من أن رئيس حكومة لبنان لا بد من أن يفتح بابا في العلاقة مع دمشق، كونها الجار الأقرب، وكونها صاحبة نفوذ ـ لدى فريق من اللبنانيين على الأقل ـ ولهذا لا بد له من زيارتها وفتح «صفحة جديدة» في العلاقة الرسمية مع سورية، في موازاة ترك ملف اغتيال والده في عهدة «المحكمة الخاصة بلبنان» التي بدأت عملها فعليا وأصبحت بعيدة عن أي تأثير محلي أو إقليمي.

وفي المقابل، تقول أوساط لبنانية متابعة، إنه يبدو أن سورية أخذت قرارا عمليا بالانفتاح على الأكثرية البرلمانية في لبنان بما تمثله في الشارع وفي مجلس النواب والحكومة. وهو قرار تقول أوساط «14 آذار» إنها لمسته خلال مراحل تأليف الحكومة، متوقعة أن ينعكس هذا على الأداء اللاحق للتأليف. وفيما تقول المصادر إن «شيئا رسميا لم يحدث بعد في ما خص الزيارة» التي سيقوم بها الحريري لدمشق وأنها «لم تناقش على أي مستوى بعد»، يؤكد النائب عقاب صقر، المقرب من الحريري، أن هذه الزيارة «ليست بعيدة»، رافضا الدخول في تحديد المواعيد.

ويرفض صقر تصوير زيارة الحريري على أنها «تراجع من قبل الحريري»، معتبرا أن التعامل معها على هذا الأساس «قراءة خاطئة» ومشيرا إلى أن قوى «14 آذار» لم تطلب يوما العداء مع سورية، وبالعكس فهي كانت ولا تزال تؤكد أنها «تريد أن لا يكون لبنان مقرا لضرب سورية، وأدبيات «14 آذار» هي أن تكون أفضل العلاقات معها».

ولم يجزم صقر ما إذا كانت زيارة الحريري لدمشق أولى زياراته الخارجية، لكنه اعتبرها «زيارة مفتاحية». وقال «سيزور الرئيس الحريري العاصمة السورية، وهذه الزيارة طبيعية، باعتبار أنها تسهل عمله في تعزيز الوحدة الوطنية الداخلية لما تملكه سورية من حلفاء في لبنان، وفي داخل الحكومة التي يرأسها الحريري، كما أنها جزء من مفتاح في العلاقة العربية ـ العربية، بالإضافة إلى أنها مدخل للتسوية الداخلية». وأشار إلى أن قوى الأكثرية «أوفدت الرئيس (السابق للحكومة فؤاد) السنيورة إلى دمشق عندما كانت الدماء لا تزال على الأرض (في إشارة إلى الاغتيالات التي طاولت قيادات الأكثرية)، ودعمت هذه الزيارة، وهي أول من طالب بالعلاقات الدبلوماسية مع سورية، ورحبت بتحقيقها، كما رحبت بفتح السفارات بين البلدين».

وأوضح أن زيارة الحريري «لن تكون لتجاوز المحكمة الدولية، ولن تنتهي المحكمة الدولية بزيارة الرئيس الحريري»، مستغربا «قول حلفاء سورية المعيب إن زيارة الحريري لسورية تلغي المحكمة، لأن هذا فيه إدانة لسورية، والمتيقن أن سورية ليست متورطة في اغتيال الحريري عليه أن يتأكد أن هذه الزيارة لتؤكد المحكمة الدولية ودورها»، متمنيا أن «لا يأخذ أحد الزيارة إلى غير مكان».

وعما قاله الوزير السابق وئام وهاب عن زيارة الحريري لدمشق، قال النائب في كتلة الحريري، عمار حوري، إنه «بعد أن تنال الحكومة الثقة سيسعى الرئيس سعد الحريري إلى أفضل العلاقات ما بين لبنان وكل الأشقاء العرب وكل الدول الصديقة في العالم، وسورية هي الشقيق الأقرب، ونحن منذ ثورة الأرز، دعونا إلى تصويب العلاقات بين لبنان وسورية، علما أن العلاقات الشعبية ممتازة، لكن ما نحتاجه هو تطوير العلاقة بين الدولتين. وهناك العديد من الملفات التي تحتاج إلى متابعة، منها ترسيم الحدود، مزارع شبعا، مسألة اللبنانيين المسجونين في سورية»، لافتا إلى «وجود اتفاقات مبرمة تحتاج إلى إعادة نظر، وهي أمور لا تعالج إلا بمنطق دولة إلى دولة». وفي الجانب السياسي أيضا هناك العديد من الملفات التي يجب أن يتعامل معها الحريري، منها إعادة الاعتبار إلى اتفاق الطائف، وهو ما تقول مصادر قريبة منه إنه أحد الثوابت في سياسات الحريري، خصوصا بعد ما أصابته ممارسات الأمر الواقع بالكثير. فاتفاق الدوحة الذي كان مخرج طوارئ من أحداث 7 مايو (أيار) 2008 التي وضعت البلاد على شفير حرب أهلية، أدخل مبادئ جديدة إلى التطبيق العملي لاتفاق الطائف، حرص الحريري على الخلاص منها، عبر تأكيده في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء أن دخول المعارضة والموالاة إلى الحكومة «استثناء وليس قاعدة». كما أن أبواب هذا الاتفاق تقرع للتعديل، علنا وسرا، وهو ليس متحمسا لتعديل ما لم يطبق بعد. فالاتفاق لا يزال منقوص التطبيق، ويحتاج إلى مزيد من التعزيز قبل الخوض في تعديلات قد تحدث اضطرابا بدلا من أن تولد استقرارا. وأمام الحريري تحد في هذا المجال يتمثل فيما نص عليه اتفاق الطائف من دعوة لإلغاء الطائفية السياسية، في بلد يتنفس أبناؤه المشاعر المذهبية، علما أنه يبدي في مجالسه، وفي تصريحاته، التمسك بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان بغض النظر عن الأعداد.

ومن الطائف، إلى تثبيت الوضع السياسي الداخلي، سيكون الحريري على موعد مع «الصفحة الجديدة» التي يأمل أن تفتحها معه القيادات اللبنانية في الأقلية البرلمانية، والوصول معها إلى تفاهم حول صيغة التعاون المستقبلية للنهوض بالدولة تحت طائلة الفشل الذريع. أما «الحوار الوطني»، فهو ملف متشعب لا يقل أهمية عن بقية الملفات، وربما يحتل مكانه في الصدارة، بسبب بند وحيد بقي على جدول أعماله وهو «الاستراتيجية الدفاعية»، وهي العبارة الملطفة التي اختارها السياسيون للإشارة إلى موضوع سلاح «حزب الله» الذي يبدو أنه لن يكون في صدارة الأولويات المقبلة، بعد التفاهمات الضمنية بين بعض القوى السياسية على تحييده خلال الفترة الماضية، وفي المستقبل القريب أيضا، دون أن يسقط من الحسابات إمكان إحياء هذا الملف في أي لحظة إقليمية أو دولية مناسبة، ذلك أن «المباركات» الدولية بقيام الحكومة، تضمنت في كثير منها إشارة إليه، وتحديدا من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

وسيكون أمام حكومة الحريري أيضا، متابعة إنجاز ما اتفق عليه من مقررات في الحوار، أبرزها معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات و«تنظيمه» داخلها، وتحديد الحدود مع سورية.

ولا يقل الجانب الاقتصادي سخونة عن سواه من الملفات، فهو ملف ضاغط جدا على الواقع اللبناني مع تنامي المديونية العامة إلى أرقام قياسية في الواقع اللبناني.