فرنسا تريد أن تلعب دورا نشطا في المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل

باريس تتخوف من تنفيذ أبو مازن تهديداته.. وساركوزي اتصل به مرتين خلال 24 ساعة وسيرسل إليه كوشنير الثلاثاء

TT

يستقبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ظهر اليوم الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا هي الثالثة منذ وصوله للسلطة عام 2000. ويأتي اللقاء بعد أقل من 48 ساعة من الاجتماع المطول الذي عقده ساركوزي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي عرج على باريس في طريق عودته من واشنطن.

وسعى ساركوزي إلى إضفاء طابع خاص على لقائه مع «صديقه نتنياهو»، إذ حرص على استقباله في شقته الخاصة في قصر الإليزيه، واستقبله عند باب السيارة، وودعه كذلك بعد لقاء استمر 100 دقيقة. وفي بادرة استثنائية، صدر بيان مشترك اقتصر على العموميات، والأرجح أن غرضه كان التعويض عن غياب التصريحات الرسمية من مسؤولي الطرفين.

غير أن الأهم أن نتنياهو حاول إعادة نوع من الدفء للعلاقات الإسرائيلية ـ الفرنسية المتوترة بسبب موقفه المتشدد من موضوع الاستيطان والجفاء الذي رافق العلاقات الثنائية الناجم عن «حنق» إسرائيل على موقف فرنسا من تقرير غولدستون، ومن الرسالة المشتركة التي بعثها ساركوزي وبراون لنتنياهو مطالبينه بإنشاء لجنة تحقيق إسرائيلية مستقلة للنظر في ممارسات الجيش الإسرائيلي في حرب غزة. وبما أن موقف نتنياهو من الاستيطان لم يتغير، فقد أرضى ساركوزي بالإعلان عبر معاونيه أنه «مستعد لمعاودة مفاوضات السلام مع سورية من دون شروط مسبقة وكذلك لقاء الرئيس السوري في أي لحظة وفي أي مكان يرتئيه».

وإذا كان موضوع اللقاء والانغماس في مفاوضات مباشرة صعب التحقيق بالنظر للمواقف السورية المعروفة، فإن باريس تريد أن تلعب دورا في معاودة المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب. وسيكون هذا الموضوع على رأس الملفات التي سيثيرها الرئيس الفرنسي مع ضيفه السوري في لقاء اليوم.

وفهم من مصادر واسعة الاطلاع في باريس أن نتنياهو «كلف» الرئيس الفرنسي بمهمة التوسط و«نقل رسائل بين إسرائيل وسورية»، خصوصا أن الدبلوماسية الفرنسية كثفت نشاطاتها في الفترة الأخيرة على أعلى المستويات، وهو ما يعكسه «حراك» ساركوزي الذي سيذهب إلى المملكة السعودية في 17 الشهر الجاري ويلتقي مع الرئيس العراقي. وفي أقل من 24 ساعة اتصل ساركوزي مرتين برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وجاءت المرة الثانية أثناء اجتماعه بنتنياهو. كذلك زيارة وزير الخارجية برنار كوشنير لإسرائيل وأراضي السلطة في 17 الشهر الجاري. وتريد باريس من خلال تكثيف تواصلها مع القيادة الفلسطينية التأكيد على أهمية عدم استقالة أبو مازن من منصبه، لأنها ترى أنها قد تودي بالسلطة من جهة وتحجب أي أفق للسلام من جهة أخرى، ناهيك عن تدهور الوضع الفلسطيني الداخلي.

وانتابت باريس، كما تقول مصادرها، حالة من «الخيبة» من التحرك الدبلوماسي والسياسي الأميركي. وتأخذ العاصمة الفرنسية على واشنطن «عجزها» حتى الآن عن «تظهير» خطة ملموسة لمعاودة المفاوضات والإعلان عن مواقف ثم التراجع عنها مثلما حصل في موضوع الاستيطان. وحرص الوزير كوشنير على استباق وصول نتنياهو بالإعلان عن خلاف سياسي مع إسرائيل في موضوع الاستيطان الذي تدعو فرنسا لإيقافه على الأقل خلال فترة التفاوض. وتبدو باريس حريصة على ملء الفراغ في الوقت الحاضر، في انتظار أن تعتمد واشنطن أخيرا خطا سياسيا أو خطة عملية تتمسك بها من أجل معاودة مفاوضات السلام.

وقالت مصادر واسعة الاطلاع في باريس إن نتنياهو «لم يتزحزح» عن موقفه من مسألة الاستيطان. وفي البيان المشترك الذي وزعه قصر الإليزيه غابت أي إشارة مباشرة إليه، مما يعني أن كل طرف بقي على موقفه. لكن هذا الموضوع لم يمنعهما من التنسيق في ملف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية.

جدير بالذكر أن كوشنير ووزير خارجية تركيا أحمد أوغلو حثا الأسبوع الماضي على إمكانية تنسيق جهودهما لإطلاق هذه المفاوضات غير المباشرة مجددا. وكان الرئيس السوري قد دعا تركيا إلى «تحسين علاقاته» مع إسرائيل من أجل الاضطلاع مجددا بهذا الدور. وتقول أوساط دبلوماسية في باريس إن دمشق مصرة على وجود تركيا لأنها لا تريد أن تعود إلى المفاوضات من نقطة الصفر. وكان أوغلو قد قال في باريس إن الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة كانت لحد ما مباشرة، إذ تم خلالها اتصال هاتفي بين الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، وإن الخلاف اقتصر على بضع كلمات. غير أن حرب غزة أطاحت بالمفاوضات التي جمدت منذ ذلك الحين. لكن الإشارات الإيجابية عن الرغبة في العودة إليها تواترت في الفترة الأخيرة.

ويأتي الرئيس الأسد إلى باريس في ظل أجواء إيجابية فرنسية ـ سورية بعد تشكيل الحكومة اللبنانية وتأكيد باريس أكثر من مرة أن دمشق لعبت دورا إيجابيا في تسهيل رؤية حكومة الرئيس الحريري الأولى النور. وبحسب مصادر فرنسية واسعة الاطلاع، فإن باريس تريد الآن أن تطور علاقاتها مع سورية بعيدا عن الارتباط بأي ملف آخر. وتعول باريس على دمشق للعودة على خط الحراك الدبلوماسي بخصوص الشرق الأوسط وهي ترحب بالتقارب السعودي ـ السوري.