أوباما.. وثقل مسؤولية القيادة خلال فترة الحرب

من مذبحة فورت هود إلى أفغانستان .. الرئيس الأميركي يلعب بصعوبة دوره كقائد أعلى للقوات

TT

أدخلت حرب أفغانستان ومأساة حادثة «فورت هود»، إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الفتية التي لم تكمل عامها الأول أسوأ فتراتها، إذ يجابه الرئيس، الذي نحل جسده نتيجة مجافاته الطعام، كل يوم تحديات الرئاسة، كرئيس للحرب. ويتعامل أوباما مع ملفات إصلاح الرعاية الصحية وتشريع تغير المناخ والاقتصاد الواهن، بشعور يختلف عن المسؤولية الضخمة لكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة. منذ أسبوعين مضيا طار الرئيس أوباما إلى قاعدة دوفر الجوية في ولاية ديلوار ليلقي تحية مفاجئة في منتصف الليل على الجنود القتلى خلال نزول جثامينهم من طائرة النقل العسكرية، والتقى مع عائلات الجنود الثكلى. وبعد ذلك، ارتكب مسلح مجزرة في قاعدة «فورت هود» بتكساس، وقام أوباما بأول رحلة كرئيس لزيارة الجنود المصابين في مركز والتر ريد الطبي التابع للجيش. ثم طار يوم الثلاثاء إلى تكساس للحديث أمام حفل تأبين ضم المزيد من العائلات الثكلى والجنود المصابين وخيم عليه الحزن. وقام الرئيس يوم الجمعة بوضع باقة من الورد على قبر الجندي المجهول ومشى باتجاه مقبرة أرلينغتون للحديث إلى العائلات الذين قدموا إلى هناك لزيارة أحبائهم الذين فقدوهم في العراق وأفغانستان. وقال أوباما في حديث أمام زوار المقبرة:«هناك الكثير من الفخر والمسؤولية في عمل الرئيس، لكن لا شيء أصعب من العمل كقائد أعلى للقوات المسلحة»، ثم ذكر بعد ذلك لقب القائد الأعلى للمرة الثانية وثالثة، حيث كرر القول«ما دمت قائدا للقوات المسلحة». عاد الرئيس بعد ذلك إلى البيت الأبيض، ليجتمع في غرفة الأزمات بمجلس حرب آخر بشأن أفغانستان، والتي كانت جلسة أخرى بشأن إرسال مزيد من الشباب والنساء إلى الحرب. وقال إليوت كوهين، مسؤول إدارة الرئيس السابق جورج بوش، والمؤرخ العسكري في كلية جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة:«يبدو لي أن حقيقة كونه رئيسا للحرب قد بدأت تدخل مرحلة الجد». كذلك، قال بيتر فيفر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ديوك، والذي عمل مستشاراً لمجلس الأمن القومي في عهد إدارتي كلينتون وبوش:«حاول البيت الأبيض منذ منتصف سبتمبر (ايلول) وما تلاه، إعادة تقديم الرئيس أوباما كقائد أعلى». وأشار إلى أن الرئيس الجديد دائما ما يناضل في هذا الجانب من عمله.

وقال فيفر:«إنه عمل يتطلب الانغماس الكامل من الفرد، ليس بعقله فقط، فهو دور وجداني بكل المعاني، إذ ينبغي عليك أن تأمر الرجال والنساء بالمجازفة بأرواحهم، وهو يتطلب شجاعة معنوية، واستقراراً وجدانيا. هذا أمر يختلف عن عمل السياسة». وكان أوباما دائما ما يوصف بأنه يملك السحر السياسي لجون كينيدي لكن فترة رئاسته التي تشبه حتى الآن إلى حد كبير نجاح جون كنيدي وليندون جونسون من حيث الأجندة الداخلية الطموحة التي تقوم على أساس حكومة فيدرالية قوية مقترنة بحرب تتزايد صعابها. ولجعل الأمور أكثر تعقيدا إذا قرر أوباما إرسال مزيد من الجنود إلى أفغانستان فإن الخصوم السياسيين لسياسته الداخلية يمكن ان يكونوا حلفاء مهمين حيث يحاول بيع خططه الحربية لأمة متشككة. وقال كوهين:«بهذا القرار فإنه ذاهب بالفعل إلى هذه الحرب وسيقوم بإرسال الشباب والنساء ليلقوا حتفهم. وإذا ما تثبت هذا الفهم فإنه سيئ جدا، وربما يكون قد علم بذلك من قبل لكني أعتقد أن ما يجري أنه يتعلم الدرس بعمق».

وكما قال أوباما خلال حملته الرئاسية، فإنه نشأ يستمع إلى جده وهو يتحدث عن الحرب في أوروبا في الحرب العالمية الثانية لكنه لم يخدم أبدا في الجيش، فهو أحد أبناء جيل لم يذهب فيه أبناء الجامعة إلى الحرب. وقال منتقدو الرئيس إنه أشار إلى أنه لا يفهم لغة المحاربين وغالبا ما يتكلم عن التضحيات العسكرية عوضا عن النصر العسكري. لكن أوباما حاول اجتثاث هذا النوع من النقد عبر تزيين إدارته بالقادة العسكريين الكبار المتقاعدين. فمستشاره للأمن القومي جنرال متقاعد وكذلك وزير شؤون المحاربين وسفيره إلى أفغانستان كما أن رئيس جهاز استخباراته أدميرال بحري متقاعد. وقال أوباما إن لديه العديد من الفرص في الأيام القادمة لصقل تلك اللغة الخطابية التي تتلاءم وقائد الحرب. وقد كانت كلماته في قاعدة فورت هود يوم الثلاثاء مليئة بالإشارات إلى الشجاعة والبسالة والقتال، ونفي ما يقال إن أعظم الأجيال في تاريخ أميركا قد انقضى، وقال:«إننا بحاجة إلى التطلع إلى الماضي من أجل العظمة لأنه أمام أعيننا».

وكان الرئيس قد عارض الحرب في العراق منذ البداية ووعد خلال حملته الانتخابية بإنهاء تلك الحرب، كما وعد ببذل جهود جديدة في الحرب في أفغانستان التي كانت ساحة تدريب لمنفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001. وقد قامت الإدارة الأميركية في ربيع هذا العام بحملة مراجعة لسياسة أفغانستان وأعلن أن 21 ألف جندي إضافي سيرسلون إلى ارض المعركة. وقد اظهر الرئيس دلائل بسيطة على أن هذا القرار كان يتخمر في ذهنه منذ فترة أو أثار جدالا داخل البيت الأبيض. بعد ذلك بدأت تظهر علل أفغانستان الخفية. فأقيمت الانتخابات الرئاسية ليشوبها التزوير وارتفعت الخسائر وبدأت أكياس الجثث تصل إلى البلاد كل يوم. ويشير السكرتير الصحافي للبيت الأبيض إن الرئيس أوباما يعكف على وضع استراتيجية جديدة الآن، عبر دراسة أربعة خيارات مختلفة. وتشير التسريبات التي تخرج من الإدارة إلى زيادة كبيرة في عدد القوات كجزء من التغيير الاستراتيجي الأوسع.

وقال ريتشارد كوهين، أستاذ التاريخ العسكري في جامعة كارولاينا الشمالية في تشابل هيل:«إنه يفاقم المشكلة وهو يمارس نوعا من الشك والعمق التحليلي الذي لم يتمكن سابقه من القيام به». وأشار كوهين إلى أن من يقولون إنه رئيس متردد مخطئون. فقال:«لا يتملكني هذا الشعور حتى الآن، فالرئيس يملك الطاقة السياسية على اتخاذ هذا القرار، وإن لم يفعل فلا أعتقد أن هناك مجازفة كبيرة بوقوع الفشل».

وإذا لم يتخذ أوباما قراراً بإرسال مزيد من الجنود فسيهرب من الإدانة من أولئك الذين يعتقدون أن لديهم طريقة أفضل. فالصقور سيطلقون عليه رجل التسويات الذي لا يملك الجرأة على القتال، أما الحمائم فسيقولون إنه رشح نفسه على أساس أنه معاد لحرب ومؤيد لحرب أخرى. لكن حتى أولئك الذين يختلفون مع سياسات الرئيس سيتعرفون عليه كرجل يفكر من خلال قراراته ويقرأ محاضر جلسات اجتماعه ويذاكر دروس التاريخ. وقبيل مغادرته أرلينغتون وقف أوباما لقراءة أقوى النصوص التي يمكن تخيلها، حيث وقف لقراءة الأسماء على أضرحة القبور. وتوقف أمام قبر روس ماك غينس الذي حصل على ميدالية الشرف والمولود في بنسلفانيا وقد أصيب في العراق حيث خدم في الفصيلة الأولى من السرية سي من الكتيبة الأولى من اللواء السادس والعشرين مشاة، حيث ألقى مسلحون عراقيون قنبلة يدوية على عربة الهامفي التي كان يركبها، فألقى بجسده عليها وامتص الانفجار ونجا زملاؤه الأربعة في الفصيلة. انحنى أوباما على قبر ماك غينيس، لكن الصحافيين المرافقين له لم يتمكنوا من معرفة ما كان يفعله الرئيس أو ما كان يفكر فيه.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط») (شارك غريغ جاف في كتابة هذا التقرير)