الأسد يرفض عرض نتنياهو.. ويتهم إسرائيل بعرقلة العودة لمفاوضات السلام

الرئيس السوري في باريس يتمسك بالوساطة التركية ويطلب من فرنسا توفير الدعم لها

الرئيس الفرنسي مستقبلا الأسد في قصر الإليزيه في باريس أمس (رويترز)
TT

حرص الرئيس السوري بشار الأسد، عقب جلسة مباحثات أعقبها غداء عمل في قصر الإليزيه مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، على إعطاء تركيا «وكالة حصرية» في موضوع التوسط في المفاوضات غير المباشرة بين بلاده وإسرائيل. ولم يتردد الأسد الذي اشتكى من «غياب الشريك الإسرائيلي» للوصول إلى السلام، في التخفيف من «الاندفاعة الفرنسية» لمشاركة تركيا في لعب دور الوسيط، إذ أشار إلى أن مهمة باريس «مبدئيا وعلى الأقل هي دعم الدور التركي وإقناع إسرائيل بالالتزام بالوساطة التركية».

كذلك استفاد الرئيس السوري من المناسبة للرد على عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلقائه من غير شروط وفي أي زمان ومكان، وكان الرد «بالرفض إذ إن الغرض من اللقاء لن يكون الحديث عن قائمة الطعام بل عن استرجاع الأرض السورية»، وقال إن لهذا الموضوع «مرجعيات وآليات وأشخاصا مختصين لا أنا أو نتنياهو».

وإلى جانب هذا التوضيح، شدد الأسد على الأجواء الإيجابية التي سادت لقاءه الرابع مع الرئيس ساركوزي، بعد لقاء في باريس صيف العام 2008 ولقاءين في دمشق في خريف العام الماضي وأوائل العام الحالي على هامش حرب غزة، إذ وصف محادثاته في الإليزيه بأنها كانت «ناجحة جدا وبنّاءة وصريحة»، مضيفا أنها «عززت الثقة التي بنيت بين سورية ولفرنسا».

وبدا واضحا من خلال كلام الرئيس السوري وعودته أكثر من مرة للتأكيد على الدور التركي، أن دمشق، رغم قبولها الحديث عن استئناف لمفاوضات السلام من غير شروط، غير أن لها «فهما خاصا» لهذا الموضوع. وقال الأسد إن لسورية «حقوقا وهي لن تتنازل عنها». وسبق لسورية عندما استأنفت مفاوضات السلام المرة الماضية، أن تحدثت عن «وديعة رابين»، أي قبول الجانب الإسرائيلي بالانسحاب من الجولان إلى حدود الرابع من يونيو (حزيران)، مع ترتيبات أمنية ملائمة.

ويبدو إصرارها اليوم على الوساطة التركية دون غيرها، أنها تريد التأكد من أن التقدم الذي تحقق في مفاوضات العام الماضي مع حكومة إيهود أولمرت لن يتبدد مع حكومة نتنياهو بحيث يعود التفاوض إلى المربع الأول. وندد الرئيس السوري بالمناورات الإسرائيلية وبما سماه «التلاعب بالكلمات والمصطلحات»، في إشارة إلى حديث نتنياهو عن استعداد إسرائيلي للتفاوض من غير شروط. وفي رأي الأسد، فإن الغرض الإسرائيلي هو الإطاحة بـ«المتطلبات والحقوق السورية» محذرا من أن هذا النمط من التعاطي «لا يمكن إلا أن يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة».

وكان «طبق» السلام الموضوع الأساسي في محادثات الأسد في باريس التي بدأها صباحا بلقاء رئيس مجلس الشيوخ. والتقى عصر أمس مجموعة من المثقفين الفرنسيين في مقر إقامته في فندق «البريستول» القريب من المقر الرئاسي. وكان من المنتظر أن ينهي يومه بلقاء مجموعة من رجال الأعمال الفرنسيين المهتمين بالسوق السورية وبالاستثمار في الاقتصاد السوري.

وأبدى الجانب الفرنسي ترحيبا بالرئيس السوري الذي يزور باريس للمرة الثالثة منذ وصوله إلى السلطة في عام ألفين. وتعتبر باريس أن ثمة «حقبة جديدة» فتحت في التعامل مع سورية ما يؤهلها للعب دور الوسيط مع إسرائيل التي تحسنت علاقاتها مع فرنسا بشكل كبير منذ وصول الرئيس ساركوزي إلى قصر الإليزيه في ربيع العام 2007.

وفي حديثه إلى الصحافة، ندد الأسد بالتعامل الإسرائيلي مع موضوع السلام، وقال إن «عملية السلام لا يمكن أن تتم من طرف واحد، أي الطرف السوري الذي يرغب بالسلام»، وأضاف: «هناك وسيط تركي مستعد للقيام بدور الوساطة وهناك دعم فرنس وأوروبي ودولي للعملية، ولكن ما ينقض هو الشريك الإسرائيلي المستعد لإنجاز السلام». وقال الأسد: «إذا كان الإسرائيليون جادين في عملية السلام، وإذا أرادوا أن يثبتوا صدق كلامهم، فعليهم عندها أن يذهبوا إلى الوسيط التركي».

وكانت العلاقات بين تركيا وإسرائيل شهدت تدهورا ملحوظا منذ حرب غزة، غير أن وزير الخارجية التركي أكد الأسبوع الماضي في باريس أن بلاده «مستعدة لاستئناف الوساطة إذا رغب الطرفان».

ورفض الرئيس السوري عرض نتنياهو بلقائه في أي مكان وزمان معيدا عملية التفاوض إلى مسارها الطبيعي أي المفاوضات غير المباشرة التي يمكن أن تفضي إلى مفاوضات مباشرة. ولم يكشف الجانب الفرنسي عن أي رسالة كلف نتنياهو الرئيس ساركوزي بنقلها إلى الرئيس السوري، لكن علم في باريس أن المحور الذي تدور حوله الاتصالات الفرنسية في الوقت الحاضر، في ما خص المسار السوري ــ الإسرائيلي، هو معاودة تفعيل الوساطة التركية بتطعيمها بدور فرنسي. ويبدو أن الجهود الفرنسية تنصبّ، كما تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة في باريس، على الدعوة إلى مؤتمر دولي مصغر بحضور أميركي وروسي وفرنسي وأوروبي بالإضافة إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وربما أطراف أخرى، في مسعى للخروج من الطريق المسدود الذي يبدو أن الجهود الدبلوماسية وصلت إليه. غير أن المجهول الأكبر يبقى الموقف الأميركي، ولا تتوقع المصادر الدبلوماسية موقفا أميركيا معلنا في الوقت الحاضر قبل أن تكون واشنطن حسمت خياراتها في الشرق الأوسط. ولم يغب الملف النووي الإيراني عن محادثات الأسد ــ ساركوزي، وقال الرئيس السوري إن الملف الإيراني تم «التوسع فيه بشكل كبير». ومعروف أن ساركوزي كان قد طلب من الأسد التوسط مع طهران ليس فقط في ملفها النووي، وإنما أيضا بخصوص الجامعية الفرنسية كلوتيلد رايس. وترفض طهران شروط باريس بربط مثول رايس الموجودة في السفارة الفرنسية في طهران بضمانات مكتوبة بأنه لن يُقبَض عليها بعد خروجها من السفارة.

وأشار الأسد إلى أنه بحث الملف اللبناني مع ساركوزي و«التطورات الإيجابية» الحاصلة في لبنان، في إشارة إلى تشكيل الحكومة اللبنانية، معتبرا أن هذه الخطوة ستساعد على ضمان الاستقرار في لبنان. وكانت باريس أشادت بالأداء السوري بالمساعدة التي قدمتها سورية للتوصل إلى تشكيل الحكومة اللبنانية.

ويقوم وزير الخارجية برنار كوشنير يومي الثلاثاء والأربعاء بزيارة إلى إسرائيل وإلى الضفة الغربية بعد أن تخلى عن زيارة غزة للإطلاع على ما آلت إليه أحوال مستشفى القدس.