الحكومة اللبنانية الجديدة: محاصصة أم تعاون؟

الأجواء الودية مع الأقلية والأكثرية قد تنقلب مع بدء طرح ملفات التعيينات الإدارية

TT

غلبت لغة التوافق والتعاون على مواقف الأقطاب السياسيين في لبنان فور إعلان التشكيلة الحكومية. فرئيس الحكومة سعد الحريري يشدد على وجوب فتح صفحة جديدة في «إطار الوفاق والعمل في سبيل لبنان لتكون الحكومة نموذجا لنجاح مفهوم الوفاق الوطني في إدارة شؤون البلاد»، وليس «طاولة للمناكفات السياسية وتبادل الحملات أو وسيلة لتعطيل العمل بالدستور والقوانين».

أما الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله فقد دعا إلى «التعاون والتكاتف والتكامل، ونحن جادون وصادقون في إنجاح تجربة الحكومة هذه».

وقال: «نريد حكومة تعاون وطني وتماسك وانسجام وطني حقيقي، لا نريدها حكومة متاريس ولا حكومة تسجيل نقاط لأن البلد تلف وتعب من تسجيل النقاط». كذلك قال رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون إن «الحكومة ستكون ترسيخا للوحدة الوطنية ومتعاونة بكل أعضائها، وسنتوصل إلى إدارة موارد الدولة واقتصادها وأمنها وسيعطي الكل أفضل ما عنده».

القوى المسيحية في فريق «14 آذار» لم تشذ عن لغة التوافق وبدأت تخفض سقف انتقاداتها لسلاح «حزب الله»، وكأن التوافق الضمني ساد بـ«كلمة سر» لإرساء لغة موحدة تضخ الأمل بمرحلة استقرار وإنتاج بعد أزمات حادة كادت تطيح بالدولة ومؤسساتها.

لكن العالمون بالتركيبة اللبنانية لا يراهنون كثيرا على هذه الأجواء الودية، ويشيرون إلى أن الوئام والانسجام سيهتز عندما يطرح أي ملف يتعلق بالتعيينات في الإدارات والمراكز المهمة. ويستشهدون بما قاله عون عندما سئل عن عدم اختياره وزراء من داخل التيار الوطني الحر، باستثناء وزير الطاقة جبران باسيل، فقد طلب إلى «الشباب أن يقدموا سيرهم الذاتية، ليصار إلى الاختيار من ضمنهم في وظائف الدولة والسلك الدبلوماسي وغيره».

ومن جانب آخر، يشير البعض إلى نية «حزب الله» المطالبة ببعض المراكز والوظائف للمنتمين إليه، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تفرض تأمين فرص عمل للشباب الملتزمين نهجه، مما قد يؤثر على العلاقة مع «حركة أمل». لكن النائب في الحزب بلال فرحات ينفي أي أساس لهذا الطرح. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الناس تتكلم كما تشاء وتتخيل كثيرا، لكن عندما ننطلق من حكومة وحدة وطنية يصبح الكلام عن المحاصصة خارج السياق. وليس لدينا هذا المنطق. نحن نفكر في التعاون لمصلحة الوطن ولا نفكر بمصالح خاصة». ويضيف: «هناك أمور بديهية في قضية الوظائف والدرجات الوظيفية. الأمر عادي لا يدخل ضمن التجاذبات. نريد أن يكون الرجل المناسب في الموقع المناسب، لنحمي الحكومة ومصالح الناس. وسنبقى في خطة التنازلات التي سرنا عليها في الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة. لا مطمع لنا بأي منصب. ونحن ضد أي تقسيم أو تجزئة».

ويشير فرحات إلى أنه «عندما يحين أوان التعيينات، كل الأمور ستنطلق في محلها. سنتابع عمل الوزارات ومدى شفافية الأداء وسنعمل بما تقتضيه المصلحة العامة. ليس منطقيا التعامل ضمن الوزارات وكأنها حكرا لفئة دون أخرى». وتوقع أن «تسير الأمور داخل الحكومة نحو الأحسن لأن هناك سباقا على الإنتاج وليس على التعطيل. وكل وزير سيعمل في وزارته ويقدم الخدمات التي ترفع شأن المواطن. وعلى الأرجح ستكون هناك منافسة بناءة لإظهار القدرة على التعاون بما يكفل إنجاح العمل الحكومي.

لم يعد مسموحا أن يتم التعامل وفق المحاصصات بحيث تحرم وزارة ما وتعطى وزارة أخرى من دون حساب. فهذا النمط من الحكومات لم يعد مسموحا به. الحكومة الحالية ستقيم توازنا لم يعهده لبنان من قبل».

وزير الدولة من «تيار المردة» يوسف سعادة يرى أن «التعيينات يجب أن تراعي الكفاءة وأيضا مبدأ الشراكة الوطنية الذي أمنته الحكومة». ويقول: «لا شك أن جميع الأفرقاء يريدون التعاون. وهذا ما انعكس في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء وجلسة صياغة البيان الوزاري. هناك هدوء وتفهم، مع الإشارة إلى وجود اختلاف في وجهات النظر. هذا هو لبنان». ويضيف: «في لبنان هناك أطراف سياسية موجودة، ومن ضمنها ستكون التعيينات. هذه ليست محاصصة. هذا هو الواقع. عندما يحين دور التعيينات سيطرح كل فريق أسماء الذين يجد لديهم الكفاءة والنزاهة ليتولوا المناصب. والأمر طبيعي. وإلا من أين سنأتي بأصحاب الكفاءات؟ فاللبنانيون في غالبيتهم محسوبون على تيارات سياسية. وهذا لا يعني أننا ضد المستقلين الذين يتمتعون بالمواصفات المطلوبة. لكن الكلام عن المستقلين لا يصح كثيرا في لبنان. كل واحد لديه ميول سياسية. وأنا لا أدعو إلى المحاصصة عبر هذا الطرح، لكن أدعو إلى عدم معاقبة أصحاب الكفاءة لأنهم في فريق سياسي ما».

ويعتبر سعادة أن «الحديث عن التعيينات لا يزال سابقا لأوانه.

وعندما يطرح سنجلس كوزراء ونتفاهم. يجب أن نتفق وإلا لن تحصل التعيينات». ويقول: «لكني لا أتوقع أزمة عندما يطرح الأمر. فالجو في البلد يسير باتجاه وفاقي وإيجابي. ولا أحد يريد أن يعرقل عمل الحكومة. الجميع يريدون نجاح هذه الحكومة ويعرفون ماهية التحديات التي تنتظرنا. وكل منا يبدي استعاده ليكون عاملا مساعدا وليس عقبة في وجه التعاون».

وزير البيئة من «تيار المستقبل» محمد رحال يفضل الإشارة إلى أنه «في المبدأ يجب أن لا تصبح حكومة الوحدة الوطنية عرفا، إنما هي استثناء فرضه الوضع اللبناني الحالي. ففي نظام ديمقراطي، الأكثرية تحكم والأقلية تعارض. وعندما يأتي رئيس جديد إلى الحكم، يحتاج إلى فريقه. والفريق هنا لا يعني الاحتكار وإنما الإنتاجية المطلوبة من خلال المسؤوليات الملقاة على كاهل الرئيس». ويضيف: «أما في موضوع التعيينات والاستحقاقات التي ستتولى الحكومة مهمتها، فلا بد أن ننطلق من مبدأ التعاون والوحدة الوطنية. وهذا ما حصل قبل تشكيل الحكومة وبعدها وبجهد من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري. ومن منطلق الوحدة الوطنية تكون كل الأطراف ممثلة بحجمها وحضورها، ولكن ليس من مبدأ المحاصصة، إنما من مبدأ الكفاءة ووفق الأصول التي يلتزم بها مجلس الخدمة المدنية. وبالتالي فإن القوى ستطرح من لديه كفاءة وخبرة وسيرة ذاتية تناسب المراكز التي ستشملها التعيينات. وذلك في إطار الأجواء الإيجابية الموجودة. التعاون سيبقى مستمرا. والتفاؤل هو الغالب».