مسؤولون أميركيون لـ «الشرق الأوسط»: لا نريد الدفع باتجاه محادثات سلام قبل أن تكون الأطراف جاهزة

العمل على تقوية السلطة الفلسطينية وبناء مؤسساتها.. والمسار السوري ليس بديلا

TT

تثار تساؤلات كثيرة حول مدى إمكانية إطلاق مفاوضات سلام قادرة على إحراز نتائج حقيقية وملموسة في الشرق الأوسط بعد تعثر العملية خلال الأشهر الماضية. وبعد أن أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عزمه على العمل لإحلال السلام في الشرق الأوسط منذ يومه الأول في البيت الأبيض، مرت 10 شهور من دون مؤشرات على إمكانية التوصل إلى هذا السلام، بل تعقدت القضية مع العمليات اليهودية الاستفزازية في القدس وإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عدم نيته الترشح مجددا لرئاسة السلطة الفلسطينية.

وعلى الرغم من الشعور بخيبة أمل بين أوساط داعية للسلام، إلا أن الإدارة الأميركية ما زالت تؤكد أن فرص التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين قائمة. ويقود تلك الجهود الممثل الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل الذي التزم الصمت الإعلامي بينما يجري لقاءات عدة أسبوعيا ضمن جهود التوصل إلى أرضية مشتركة بين الطرفين. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية: «نحن ما زلنا ملتزمين بالسلام في الشرق الأوسط، وجهود السيناتور ميتشل ما زالت تركز على التوصل إلى الظروف المناسبة للمحادثات». وأضاف المسؤول الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم ذكر اسمه أن «الوضع الراهن مستمر منذ عقود ولا أحد يتوقع نتائج بين ليلة وضحاها، نحن ما زلنا نتوق كأي طرف آخر (للتوصل إلى السلام) ولكن لا نريد عدم الصبر أن يتغلب علينا وأن ندفع باتجاه محادثات قبل أن تكون (الأطراف) جاهزة». وتؤكد مصادر أميركية رسمية أن الإدارة الأميركية لن تتراجع عن سياستها الرافضة لإجراء «المفاوضات من أجل المفاوضات»، مما يعني أن واشنطن مستعدة للانتظار في الفترة الراهنة وعدم الدفع المستعجل باتجاه مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كي لا تفشل الجهود. ولكن هناك شعورا عاما في العاصمة الأميركية بأن الجهود حتى الآن لم تخرج بأي نتائج للتقدم إلى الأمام، وعبر عن هذا الشعور وكيل وزير الخارجية وليام برنز في خطاب الأسبوع الماضي أمام مؤتمر معهد الشرق الأوسط قائلا: «كنت أتمنى أن أقف أمامكم وأشير إلى تقدم ملموس تجاه أهدافنا ولكن لا يمكنني ذلك». وقال مسؤول أميركي آخر، طالبا أيضا عدم ذكر اسمه، إن «التركيز ما زال على إطلاق مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية مباشرة، ولكن من غير الواضح على أي مستوى بعد». وأضاف: «إدارة أوباما متعهدة بالعمل على التوصل إلى اتفاق سلام وما زالت ترفض المحادثات فقط من أجل المحادثات». وتدور في واشنطن 3 سيناريوهات محتملة، وأولها مواصلة العمل الحالي في العمل على بناء الثقة بين الطرفين، والثانية هي التفكير في المسار السوري ـ الإسرائيلي والثالثة والأقل احتمالا في الوقت الراهن وهي إعلان أوباما عن خطة أميركية لفرض المفاوضات المباشرة على الطرفين. وقال المسؤول السابق في الخارجية الأميركية والخبير في شؤون الشرق الأوسط ارون ميلر: «في الوضع الراهن، مع التطورات في أفغانستان والاقتصاد، هذا الأمر (عملية السلام) لم يعد أولوية للإدارة، ومن غير الواضح ما هي الاستراتيجية المقبلة»، مضيفا أن احتمالية الخيار الثالث، احتمال إعلان أوباما خطة للسلام وجمع قادة المنطقة للتوصل إلى اتفاق يحل النزاع نهائيا «أشبه إلى الصفر». وفي الوقت الراهن، تتبع واشنطن السيناريو الأول. ويتشاور ميتشل مع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين منذ أسابيع حول القضايا العالقة بينهما، مع بحث إمكانية جمع الإسرائيليين والفلسطينيين على مستوى سياسي غير رفيع وتقني. وبينما كانت الإدارة الأميركية تطالب بـ«خلق أجواء مواتية للسلام»، أصبحت هذه الأجواء متوترة، مع اتساع الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وخاصة في ما يخص قضية مواصلة إسرائيل للنشاط الاستيطاني. وعلى الرغم من أن «الأجواء الإيجابية» غير قائمة، إلا أن المسؤولين الأميركيين ما زالوا يؤمنون بإمكانية خلق أرضية للقاء الطرفين وبناء الثقة. وهنا تأتي خطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، المتركزة على العمل على بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية من أجل الاستعداد لقيام دولة فلسطينية مستقبلية. ويعمل مسؤولون أميركيون على دفع إسرائيل لدعم هذه العملية وبشكل أخص تسهيل حرية الحركة. ولكن السفير الفلسطيني في واشنطن معن عريقات شدد على أن «الخطوات الصغيرة لن تؤدي إلى انفراج، هذه محاولة لعدم معالجة الأمور الرئيسية العالقة، فجهود السلام يجب أن تكون مبنية على أساس المرجعيات الدولية»، مضيفاً: «ما يطرحه الدكتور سلام فياض ليس بديلا للحل السياسي المطلوب».

وتلتزم الإدارة الأميركية في الوقت الراهن بالمسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشار في واشنطن إلى إمكانية دفع المسار السوري، كطريقة لرفع الضغوط على حكومته من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وقال المسؤول الأميركي الثاني: «في ما يخص سورية وإسرائيل، إذا كان هناك اتفاق بين الطرفين للتوصل إلى السلام فهذا أمر تدعمه الولايات المتحدة ولكن من غير المتوقع أن نعود لننظر إلى المسار السوري عندما يتعثر المسار الفلسطيني كما يحدث عادة». وقال الخبير الفلسطيني حسين ابيش، من معهد «فريق العمل الأميركي عن فلسطين»: «الكل في واشنطن يشعر بالحيرة حول الخطوات الملموسة المقبلة، لقد تخلى الأميركيون عن فكرة خطة أميركية للسلام، بينما المشاورات الحالية لميتشيل تبدو ضعيفة... ولكن في الوقت الراهن يبدو أن العمل على وضع الخطط لبناء مؤسسات دولة فلسطينية مستقبلية هي المسار الأفضل إلى حين التوصل إلى انفراج». وتلفت مصادر أميركية مطلعة على طبيعة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية إلى تدني مستوى العلاقات والفارق الكبير من تلك العلاقات في زمن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، مما يصعب من قدرة الضغط على إسرائيل في ما يخص تحسين الأوضاع في الضفة الغربية. وطريقة لقاء أوباما بنتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي من دون أي مصورين وإعلاميين كان دلالة على تلك العلاقات المتوترة، وجهود أوباما لوضع فاصل بين واشنطن والسياسات الإسرائيلية. كما أن إلغاء أوباما الخطاب الأول له أمام الجالية اليهودية النافذة بالولايات المتحدة في مؤتمر للجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة زاد من الانتقادات الإسرائيلية لأوباما، على الرغم من تأكيد البيت الأبيض أن السبب وراء ذلك القرار كان رغبة أوباما بحضور تأبين ضحايا هجوم القاعدة العسكرية «فورت هود». ولفت ميلر إلى أنه «يجب النظر في قدرة الولايات المتحدة في الوقت الراهن على التأثير على الواقع هناك، خاصة أن الوضع الآن أشبه بالعاصفة التي خلقت مع وجود قادة أسرى لاتجاه الرأي العام لشعوبهم بدلا من أسياد للقرارات السياسية»، في إشارة إلى نتنياهو وتحالفه السياسي الضعيف ووضع أبو مازن الداخلي. وأضاف: «إنه وضع لا تريد أي قوة عظمى أن تجد نفسها فيه، مع تعثر جهودها في الحصول على التنازلات رغم عزمها وتصريحاتها الكثيرة».