بعد 5 أشهر من انتخابات الرئاسة: انقسامات حول أهداف حركة المعارضة الإيرانية

البعض يريد الإطاحة بنظام الدولة.. وآخرون يرفضون التطرف ويريدون تغييرا تدريجيا

TT

بعد مرور خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع على نتيجتها، والتي تبعتها أكبر مظاهرات مناهضة للحكم في طهران خلال العقود الثلاثة الماضية، تعاني المعارضة الإيرانية فيما يبدو من حالة من التشرذم، ولا يوجد لها هدف واضح.

ويرفض محتجون إصرار قياداتهم على المحافظة على نظام الدولة للحكومة الدينية. ويتخذ الكثير من سكان العاصمة الإيرانية طهران، الذين يعارضون الرئيس محمود أحمدي نجاد، منحى أشد ضد القيادات الإيرانية، فهم يريدون الإطاحة بهم من السلطة، حسب ما يقوله الكثير من المحتجين. ويفضل آخرون في حركة المعارضة تغييرا تدريجيا ويحذرون من التطرف في المطالب.

وعلى الرغم من أنه لا توجد وسيلة لقياس مدى انتشار مشاعر الغضب داخل كلا الجانبين، فإن إيرانيين مشاركين في حركة المعارضة يقولون إن عددا متناميا من المحتجين يرفضون تقديم تنازلات للنظام الحاكم، منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، التي أنهت نظاما ملكيا استمر قرابة 2500 عام.

ويقول محتجون إن رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ورجل الدين مهدي كروبي، وكلاهما كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي يتهم فيها أحمدي نجاد بالقيام بعملية تزوير على نطاق واسع ضمنت له انتصارا كاسحا في انتخابات يونيو (حزيران)، يمثلان مجرد قيادة رمزية للحركة الشعبية المعارضة. ولم يتقدم أي شخص كي يحل محلهما، وهو ما جعل الحركة تمضي على غير هدى في مواجهة إجراءات صارمة تتخذها الحكومة.

ويقول موسوي (67 عاما) وكروبي (72 عاما) إن إعادة انتخاب أحمدي نجاد تشبه كونها انقلابا انتخابيا قامت به الحكومة وقوات الحرس الثوري ورجال الدين المتشددين، ودعا المتظاهرون إلى حماية الجمهورية الإسلامية من التحول إلى ديكتاتورية. ولكن تجاوز بعض المحتجين نتائج الانتخابات، حسب ما قاله أكثر من 12 مناصرا معارضا في مقابلات أجريت معهم، أصر خلالها الجميع على أن يتم تعريفهم بذكر الاسم الأول فقط خشية وقوع أذى بهم. يقول رضا، وهو مهندس يبلغ من العمر 28 عاما: «لا أريد أن أنقذ الجمهورية الإسلامية، ولكني أريد تغييرا شاملا، أو ما يشبه الثورة». وذكر أشخاص آخرون تعليقات مشابهة، وقالوا إن العنف الشديد الذي استخدمته الحكومة ضد المحتجين عزز من وجهة نظرهم في القيادات الإيرانية. ويقول محمد، وهو متخصص في الكومبيوتر فُصِل من عمله لدعمه المظاهرات: «لن يتغيروا، ولا يوجد لدينا بديل عن الإطاحة بهم من السلطة. ولكن، في واقع الأمر لا أعرف كيف يمكننا القيام بذلك».

وخلال الاحتجاجات التي وقعت قريبا، في 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، عكس المتظاهرون الاتجاه الأشد عندما رددوا شعارات ضد القيادات البارزة في إيران، بدلا من ترديد نداءاتهم المعتادة دعما لموسوي. وتظهر لقطات فيديو التقطت باستخدام الهواتف الجوالة ونشرت على الإنترنت أشخاصا يقومون بتمزيق ملصقات لآية الله خامنئي، المرشد الأعلى لإيران منذ 20 عاما. ويتمتع خامنئي بسلطة سياسية ودينية مطلقة في إيران وباحترام كبير، حيث إنه خلف آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وفي وجهة نظر الحكومة، فإن هذه التظاهرات تؤكد شكوكها في أن المعارضة تريد الإطاحة بالنظام السياسي الإيراني في إطار ما تصفه السلطات بأنه مؤامرة تدعمها أطراف من الخارج. ووجهت اتهامات لأكثر من 100 سياسي ومعارض وطالب، وأدين البعض منهم بتدبير مؤامرات.

ويحذر بعض المعارضين من تعزيز هذه الشكوك، ويخشون من أن الإجراءات الراديكالية يمكن أن تكون لها آثار عكسية. ويقول علي، وهو مهندس معماري يبلغ من العمر 29 عاما وتزوج في وقت قريب: «يجب أن نتعامل مع هذا الأمر خطوة خطوة، حيث إنه إذا أصبحنا متطرفين فإننا سوف نعزل الكثير من المناصرين».

ويقول مهدي، وهو مدوّن شارك في مظاهرات 4 نوفمبر: «نحن متحدون ضد الحكومة، ولكن لدينا أفكارا مختلفة حول المدى الذي يمكن أن نذهب إليه، وتمزيق صور المرشد يمثل تجاوزا للكثير من الأشياء، كما أن بالنظام الإسلامي الكثير من النقاط الجيدة.. ويأمل منافسونا أن نتصرف بتطرف حتى يمكنهم وصفنا بأننا أعداء للثورة».

ولا يوافق آخرون على ذلك، ويقولون إنه يجب السماح بكل أشكال الاحتجاج السلمي. ويقول باريا، وهو عالم لغة شارك في جميع المظاهرات المعارضة: «نريد أن نُظهر أننا لا نخشى أحدا، وأن نستمر في إطلاع الناس على ما يحدث في المجتمع». وتضم «الحركة الخضراء»، وهي الكلمة التي أصبحت تطلق على حركة المعارضة منذ أن تبنت لون حملة موسوي الانتخابية، قطاعا واسعا من رجال الدين والساسة وعائلات الطبقة المتوسطة الذين يشعرون بالقلق. وبعض المنتمين لهذه الحركة علمانيون، فيما ينظر للبعض الآخر على أنهم متدينون. والكثير منهم شباب يشعرون بضغوط كبير بسبب عدم إحساسهم بالحرية الشخصية، حيث تحاول الحكومة فرض قيود على حياتهم الشخصية. ويستخدم هؤلاء الإنترنت والدوريات والعائلة والأصدقاء من أجل تنظيم مظاهرات تكون قوات الأمن عاجزة عن منعها.

ولكن، مع غياب القيادة والأهداف الواضحة، وعلى ضوء الموقف الغامض للمرشحين المنهزمين داخل النظام السياسي الذي يهاجمونه حاليا، واستحالة حل الخلافات السياسية من خلال نقاش عام، أصبحت الخطوات المقبلة من جانب المعارضة لا يمكن توقعها بدرجة كبيرة. ويقول باريا: «تشبه حركتنا جسدا بلا رأس، فهناك حاجة إلى قادة حقيقيين». ويضيف المهندس المعماري علي أنه يخشى على مستقبل إيران.

وخلال مظاهرات 4 نوفمبر انفصل علي عن زوجته عندما قامت فرقة من شرطة مكافحة أعمال الشغب بالبدء في مطاردتهم بدءا من شارع ولي العصر. وأصاب علي اليأس وهو يبحث عن زوجته وسط حالة الفوضى والقنابل المسيلة للدموع، وفي النهاية عثر عليها في أحد الأركان تحيط بها الشرطة التي تركتها كي ترحل. ولكن بعد ذلك الموقف توصل علي إلى حقيقة سيئة حيث يقول: «جعلني ذلك أدرك أني متردد في التضحية بحياتي أو حياة زوجتي مقابل حركة لا توجد لديها أهداف محددة». ويضيف: «لا أحد يعرف ماذا سوف يحدث، فنحن جميعا قادة هذه الحركة، ولكن لا نعرف إلى أين نتجه بها».

* (خدمة: واشنطن بوست) («الشرق الأوسط»)