الأنظار على «عنصرية» الصينيين مع استقبالهم لأوباما

تدفق الأجانب وتعزيز التجارة مع أفريقيا يجبران الصين على مواجهة أحكامها المسبقة ضد السود

TT

لم تواجه لو جينغ، البالغة من العمر 20 عاما التي تنحدر من أصول مختلطة، أي نوع من أشكال التفرقة العرقية نظرا لنشأتها بين أحياء المدن الصينية الأكثر تحضرا، لكن هذه الشابة، التي ينحدر أبوها من أصول أفريقية ـ أميركية، فوجئت بغضب اندلع في أواخر أغسطس (آب) عندما تفوقت على آلاف الشابات الصينيات في برنامج اكتشاف المواهب «غو أورينتال أنجيل»، حيث ظهرت ملصقات غاضبة على الإنترنت. كما طالبت أخرى بترحيل جميع السود من الصين. وتزامنا مع استقبال أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، في أول زيارة رسمية له للعاصمة الصينية، يواجه الصينيون مواقفهم من العنصرية، مثل كراهيتهم للسود. فقد أعرب الكثير من الصينيين عن اندهاشهم لدى انتخاب رئيس أسود للولايات المتحدة. وفي الوقت الذي تقوم فيه الصين بتعزيز علاقاتها التجارية مع أفريقيا (وصل حجم التجارة بينهما إلى 107 مليارات دولار العام الماضي)، وتضاعفت أعداد السود المقيمين هناك، حيث هاجر عشرات الآلاف من السود إلى الجنوب حيث ضربوا جذورا هناك فأقاموا مجتمعات وتزوجوا من صينيات وأنجبوا.

وتشكل أحياء السود جيوبا صغيرة في الأحياء الحضرية الصينية التي تتميز بتنوع عرقي كبير، وتجبر الصين على التعامل مع قضايا التمييز العرقي. ففي مدينة غوانغزيهو الجنوبية حيث يشير السكان المحليون إلى الحي الواقع في جنوب المدينة باسم «مدينة الشوكولاتة» غصت الصحف المحلية في الشهور الأخيرة بقصص تروي بصورة تفصيلية التمييز والمزاعم بمضايقات من الشرطة ضد الجالية الأفريقية الموجودة بالمدينة. وقال ديالو عبد الله، البالغ من العمر 26 عاما، الذي قدم إلى الصين من غينيا منذ عام ونصف العام لشراء ملابس رخيصة لشحنها إلى غرب أفريقيا «لأكون صريحا، إنهم لا يحبون السود هنا في غوانغزيهو». ومع تنامي الأزمة المالية العالمية تراجعت عجلة عمله وضاعت أمواله وتجاوز مدة الإقامة المقررة له، وحاله الآن كحال الكثير من الأفارقة، يقضي غالبية أيامه في سوق غوانغزيهو التجاري متهربا من الشرطة. وأشار هو وعدد آخر من الأفارقة إلى بقعة حيث قفز العديد من الأفارقة من نافذة بالدور العلوي للهروب من شرطة الهجرة، وقال «سيضربك الأمن بالعصي الحديدية كما لو كنت ماعزا، فالطريقة التي يعاملون بها السود سيئة للغاية». ورد مكتب شرطة أمن غوانغزيهو في تصريح له بأن لديه مسؤولية التحقق من إقامة الأجانب في البلاد بصورة شرعية. كانت الصين قد بدأت في التقرب من الدول الأفريقية في الستينات من القرن الماضي عبر دعم حركات التحرر في أفريقيا وجلب طلاب أفارقة إلى الصين في إشارة إلى التضامن مع العالم الثالث. كما قامت الصين أخيرا بتعميق أواصر الصداقة مع القارة السمراء عبر تعهد رئيس الوزراء الصيني بتقديم 10 مليارات دولار في هيئة قروض منخفضة الفائدة وذلك في القمة الصينية ـ الأفريقية التي عقدت في مصر الأسبوع الماضي. بيد أن السياسة الرسمية من الصداقة تقف على النقيض على الدوام مع حقيقة أخرى، وهي النظرة الدونية للسود وأن البيض أثرياء وناجحون. وقالت هونغ هوانغ، ناشرة مجلة تعنى بالموضة وتصدر في بكين ومذيعة برنامج «ستريت توك» البرنامج الحواري الذي يتناول الأحداث الجارية «هذا النوع من التحامل الذي تراه حدث بالفعل مع النمو الاقتصادي، فالصينيون يعشقون الغرب والغرب بالنسبة لهم هو الرجل الأبيض».

وأشارت هونغ، التي تبلغ من العمر 48 عاما، إلى أن جيلها تعلم تاريخ العالم بصورة تم تصوير السود فيها على أنهم مضطهدون وأنهم كانوا عبيدا ولم يشهد بوجود أي دلائل على نجاحهم منذ ذلك الحين، فالدول الأفريقية لا تزال فقيرة كما أن السود (في الولايات المتحدة) لا يزالون يعيشون في المدن الداخلية. وأوضحت أن هذا التحامل العرقي الصيني يمتد إلى الأقليات الأخرى كالتبتيين والأويغور أو أي فرد آخر ليس من الصينيين الهان.

تلك النظرة إلى الأميركيين الأفارقة كفقراء ومضطهدين تلائم الرواية الرسمية عن الولايات المتحدة كمكان للتناقضات الصارخة. إذ لم يأت أحدث التقارير التي أصدرتها الصين بشأن سجل حقوق الإنسان في الولايات المتحدة والذي صدر في فبراير (شباط) عام 2008 عن الانتصار التاريخي لأوباما لكنه قال «تسود التفرقة العنصرية في مناحي الأنشطة الاجتماعية في الولايات المتحدة». وعادة ما تقوم تشين خوان، السكرتيرة في مدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية في بكين، باستخدام منتجات تبييض البشرة وتحمل مظلة في أيام الصيف. وتقول عن السبب الذي دفعها إلى القيام بذلك «كلما كنت بيضاء كان ذلك أفضل بالنسبة لي، فكوني بيضاء يعني أنني جميلة. وإذا رأيت شخصا شديد سواد البشرة، أشعر أنه قروي مثل مزارع. وأعتقد أن السود وخاصة الأفارقة ليسوا نظيفين بدرجة كافية. أعتقد أن السود مقززون، ولا أعتقد أن هناك إمكانية في أن يكون لي رفيق من السود حتى وإن كان غنيا». كذلك، يقول بي سي تشيكي، رجل الأعمال النيجيري المقيم في غوانغزيهو منذ خمس سنوات، حيث يعمل في تصدير الشعر المستعار والمتزوج من صينية من بكين ولديه منها طفل وآخر في الطريق، يقول «الصينيون لا يحبون الأفارقة، ولا البشرة السوداء. وتقرب الصين إلى أفريقيا لا يتجاوز التصريحات السياسية، لكن القضية الأصلية هي: كيف يعاملون السود؟». أما لي وينجوان زوجة تشيكي فتعتقد أن هذه المواقف العنصرية أخف في بكين منها في غوانغزيهو حيث يشيع استخدام مصطلح كانتونيز (الأشباح السوداء) على السود. ويقول البعض إن وصول أوباما إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة سبب تغيرا رئيسيا في المواقف، فيما يرى آخرون أن وصوله إلى الرئاسة كان من قبيل الحظ أو أنه ليس أسود تماما لأن أمه بيضاء.

* خدمة «واشنطن بوست» ــ خاص بـ «الشرق الأوسط»