«سي آي إيه»: خالد شيخ محمد تمنى أن يحاكم في نيويورك ولن تبدأ محاكمته قبل عامين أو ثلاثة

الهوساوي وابن الشيبة ربما غير مؤهلين عقليا

TT

في مارس (آذار) سنة 2003، في كراتشي في باكستان، عندما اعتقل عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) خالد شيخ محمد، «مدبر» هجمات سبتمبر (أيلول) سنة 2001، قال لهم إنه يريد شيئين: أولا يريد محاميا ليشهد أقواله ويسجلها حتى لا تزوَّر هذه الأقوال عندما يقدم إلى محكمة. ثانيا يريد أن يحاكَم في نيويورك حيث وقعت الهجمات على مركز التجارة العالمي، ليقول للشعب الأميركي أسباب الهجمات.

أمس، نقلت ذلك صحيفة «نيويورك تايمز»، اعتمادا على تقرير سرى للاستخبارات المركزية: «بعد سبع سنوات في سجون الاستخبارات المركزية السرية، وفي سجن غوانتانامو، يبدو أن محمد، في النهاية، سيحقق ما يريد»، ووصفت الصحيفة محمد بأنه «متبجح، وحذر، ومستقل في شراسة»، وأن محققين في الاستخبارات المركزية سألوه مرة أن يصف نفسه في كلمة واحدة، وردّ بأنه «جاكول» (ابن آوى) ، وأنه يخوض حربا دون هوادة ضد الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة إن محمدا لم يكن قط يشبه زعيما دينيا لمنظمة «القاعدة». ولم يكن من النوع الذي يقدم التفسيرات الأخلاقية والطاعة والولاء. وأنه قبل هجمات 11 سبتمبر رفض أن يقسم قسم الولاء لأسامة بن لادن مؤسس منظمة «القاعدة». وقال إنه إذا رفض بن لادن خطة الهجمات التي قدمها له سيستمر فيها.

لهذا، توقعت صحيفة «نيويورك تايمز» أن تكون محاكمة محمد في محكمة علنية ومدنية في نيويورك «أكبر محاكمة لإرهابي في التاريخ الأميركي». وقال غاريت بانشمان مؤلف كتاب «الجهاد العالمي»، والخبير في الإرهاب لوزارات ومصالح أميركية: «بالنسبة إلى خالد شيخ محمد، ستكون المحاكمة في نيويورك منبرا يخطب منه. ستكون فرصة له ليُدين كل النظام الأميركي». وأضاف: «أنا متأكد أن محمد ظل ينتظر هذه الفرصة منذ فترة طويلة».

وكان محمد قدم بعض آرائه وأهدافه عندما استُجوب مرات كثرة في محكمة عسكرية تمهيدية في سجن غوانتانامو. سُئل عن الأطفال الذين قُتلوا في هجمات 11 سبتمبر (داخل الطائرتين اللتين ضربتا مركز التجارة العالمي في نيويورك، والطائرة الثالثة التي ضربت البنتاغون، والرابعة التي تحطمت على الأرض في طريقها إلى واشنطن)، فأجاب، حسب سجل الاستجواب الذي حصلت عليه «نيويورك تايمز»: «طبعا في الحرب، سيكون هناك ضحايا مدنيون. أنا لست سعيدا لأن ثلاثة آلاف أميركي قتلوا في هجمات 11 سبتمبر. أحس بالأسف. أنا لا أحب قتل الأطفال، لكن صارت لغة الحرب هي لغة القتل. صارت لغة الحرب هي الضحايا». وقالت الصحيفة إن محمدا يتوقع أن يقدر على إلقاء خطب كثيرة وطويلة عندما تبدأ محاكمته ليس فقط لأن عنده آراء كثيرة عن أميركا والأميركيين والسياسة الأميركية، ولكن، أيضا، لأن «لغته الإنجليزية ليست سيئة، وعاش سنوات في الولايات المتحدة، ونال شهادة في الهندسة من جامعة أميركية، ويعرف الغرب أكثر كثيرا من بقية مساعدي أسامة بن لادن». وإنه تعلم اللغة الإنجليزية في كلية شوان المسيحية المعمدانية في ولاية نورث كارولينا، قبل أن ينتقل إلى جامعة «آي آند تي» (زراعة وتكنولوجيا) في نفس ولاية نورث كارولينا. في سنة 2007، خلال التحقيقات معه في سجن غوانتانامو، قال إنه خطط لاغتيال الرئيس الأسبق كلينتون، والبابا الراحل جون بول، وهجمات سنة 1993 على نفس مركز التجارة العالمي الذي هوجم في 11 سبتمبر. غير أن خبراء إرهاب قالوا إن محمد «يميل نحو المبالغة. لهذا ضخم دوره في بعض هذه الأهداف»، لكن لم ينكر دوره الرئيسي في هجمات 11 سبتمبر. وحسب تقرير الاستخبارات المركزية سنة 1995، اجتمع محمد في مانيلا، في الفلبين، مع رمزي يوسف ابن أخيه و«مهندس» هجمات 1993 على مركز التجارة العالمي في نيويورك. وخططا لعملية خطف عشر طائرات فوق المحيط الباسيفيكي وهي تطير نحو المطارات الأميركية، وتدمير تسعة منها في مطارات أميركية. ويبقى محمد في الطائرة العاشرة التي تهبط في مطار أميركي، ويخرج منها ويعقد مؤتمرا صحافيا «يعلن فيه إدانة السياسة الأميركية نحو إسرائيل»، كما قالت الصحيفة. لكن رفض بن لادن الفكرة، وقال إنها «غير عملية».

لكن، بعد ثلاث سنوات، استدعى بن لادن محمد إلى قندهار في أفغانستان، وطلب منه التخطيط للعملية التي عُرفت بهجمات 11 سبتمبر، وهي ضرب مبانٍ رئيسية في أميركا: برجَي مركز التجارة العالمي، والبنتاغون، (أما البيت الأبيض أو الكونغرس أو مبنى الاستخبارات المركزية فلم يقُل التقرير إذا كان محمد حدد هدف الطائرة الرابعة التي تحطمت في ولاية بنسلفانيا في طريقها نحو واشنطن). وعن العلاقة بين محمد وبن لادن، قال التقرير إن الأول أقنع الثاني بهجمات سبتمبر بعد أن انتقد التمرينات التي كان يقوم بها جنود «القاعدة» في أفغانستان. وقال إنها «مجرد قفز فوق حبال وفوق حواجز، وتصويب ببنادق قديمة». وأقنعه أن الهدف الرئيسي يجب أن يكون الولايات المتحدة، وأن محمد كان «متمردا»، ولم يقبل أن يحركه بن لادن يمينا ويسارا. وقال دانيال بيمان خبير الإرهاب في جامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة: «تحتاج أي حركة لتنجح إلى زعيم عنده أحلام، و(كاريزماتيك) (شخصية مثيرة للانتباه)، مثل أسامة بن لادن. لكن، أيضا، تحتاج أي حركة إلى شخص ينفذ، مثل خالد شيخ محمد. وقالت «نيويورك تايمز» إن محمدا قال للمحققين إن الهدف من هجمات 11 سبتمبر كان «إيقاظ الشعب الأميركي»، وذلك بضرب أهدف مدنية، ليعرف الأميركيون نتائج السياسات التي تقوم بها حكومتهم في الخارج «وبخاصة تأييدها لإسرائيل». وإن محمد أخفى تفاصيل العملية عن كثير من قادة «القاعدة»، غير بن لادن، وواحد من مستشاريه، وعدد قليل من قادة عمليات الخطف والتفجير. وإن محمد، حتى عندما كان يخطط للعملية، لم يَدِن بالولاء، «البيعة»، لابن لادن. وفي وقت لاحق افتخر محمد لمحققي الاستخبارات المركزية بأنه خالف كثيرا من أوامر بن لادن، خصوصا في بداية سنة 2001، سنة الهجمات، عندما استعجل بن لادن الهجمات، لكن، قال له محمد إن الذين يتدربون على الطيران لم يكملوا تدريباتهم. لكن، لم يقدر محمد على أن يفتخر للمحققين بأنه كان يعرف رد الفعل الأميركي، أي غزو أفغانستان واحتلالها. وإنه فوجئ بذلك. وأيضا، فوجئ ببحث الأميركيين المستمر والمصمم على كل قادة القاعدة، واعتقالهم، كما حدث له هو نفسه. وأيضا فوجئ بمصيره بعد أن اعتُقل. توقع أن يُنقَل إلى نيويورك ليحاكَم. لكنه نُقل إلى أفغانستان، ثم إلى قاعدة عسكرية روسية سابقة في بولندا، ثم إلى غوانتانامو، والآن، أخيرا، يتوقع أن ينقل إلى نيويورك ليحاكَم. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» نقلا عن مصادر «سي آي إيه» إن محاكمة محمد لن تبدأ قبل سنتين، أو ربما ثلاث سنوات، وذلك بسبب الاستعدادات الأمنية واللوجستية، بالإضافة إلى الاستعدادات القانونية، في جانب: ليقدر محامو الاتهام في وزارة العدل على إعداد الاتهام ضده مع كل الأدلة والوثائق، وفي جانب آخر، ليفعل محاموه نفس الشيء. لكن قالت الصحيفة: «سيكون هذا تحديا» بالنسبة إلى محامي محمد. وأشارت إلى أن محمد، خلال التحقيقات العسكرية الأولية معه في سجن غوانتانامو، أجبر محاميين مدنيين عينتهما المحكمة له على أن لا يتكلما، وتكلم هو بالنيابة عن نفسه.

وأضافت «واشنطن بوست»: «لكن، لعل محمد يريد أن يعترف بأنه مذنب، ليُعدَم، ويحقق هدفه الذي أعلنه مرات كثيرة، وهو أنه يريد أن يموت شهيدا».

وبينما قالت الصحيفة إن الحالة العقلية لمحمد ستجعله قادرا على الدفاع عن نفسه، لم تقل إن نفس الشيء سينطبق على الأربعة الباقين الذين سينقلون إلى نيويورك معه، خصوصا رمزي بن الشيبة اليمني، ومصطفى أحمد الهوساوي السعودي. وكانت تقارير قالت إن حالتهما العقلية ربما لن تسمح لهما بالدفاع عن نفسيهما.