صدام كسب شيراك بسمك «مسكوف».. وطالباني يتبع «دبلوماسية» الموسيقى مع ساركوزي

حسين الأعظمي مطرب المقام الأول يرافق الرئيس العراقي إلى باريس

TT

يحيي الفنان العراقي حسين الأعظمي في باريس التي سيتوجه إليها اليوم بمرافقة فرقته، حفلا للمقام العراقي في قصر الإليزيه، بحضور الرئيسين العراقي جلال طالباني والفرنسي نيكولا ساركوزي.

وإذا كان طالباني سيستخدم دبلوماسية الموسيقى والغناء العراقي الأصيل، الذي يعود تاريخه إلى ما قبل خمسة آلاف عام، لتوطيد علاقات العراق وفرنسا من خلال هذا الحفل الذي من المتوقع أن يشد انتباه ساركوزي المعروف عن اهتمامه بالموسيقى، فإن الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كان قد اتبع دبلوماسية (الطعام)، أو ما سمي وقتذاك بدبلوماسية (السمك المسكوف)، وذلك عندما أقام لنظيره جاك شيراك دعوة عشاء مكونة من السمك المصطاد من نهر دجلة والمشوي على الطريقة البغدادية (المسكوف)، حيث تم إحضار عاملين من أحد مطاعم شارع أبو نواس، مع السمك الحي المصطاد توا، بطائرة خاصة إلى باريس، وأعدوا بحديقة الإليزيه الوجبة العراقية الأكثر شهرة في العالم. ويتذكر شيراك زيارة صدام هذه إلى فرنسا، والتي كانت ناجحة إلى درجة أن شيراك صرح بأن «فرنسا على استعداد لأن تقدم للعراق رجالها وتكنولوجيتها وقدراتها».

ومن الواضح أن اختيار فنان متمكن من موسيقاه وأدائه مثل الأعظمي لمثل هذه المناسبة ينم عن تخطيط ذكي لشهرة الأعظمي عراقيا وعربيا وعالميا في فن المقام الذي قاده نحو التجدد وانطلق به عالميا.

والأعظمي يسعى اليوم بشغف إلى إحياء موسيقى كانت تستمع إليها النخب في العراق قبل مئات السنين من خلال تنظيم جولات فنية عالمية وكتابة البحوث للتنقيب في «منجم أسرار» هذه الموسيقى التي تكاد تكون في طي النسيان.

ولمطرب المقام الأول في العراق قصة ظريفة قادته إلى شهرته كفنان بعد أن كان مشهورا كبطل في المصارعتين الحرة والرومانية، إذ كان قد أقنعه منير بشير، أشهر عازف عود عرفه العراق، (عام 1975) بترك حلبة المصارعة والتفرغ لإحياء تراث المقام العراقي بعد أن استمع إليه يغني في حفل خاص.

وبدل أن يسافر الأعظمي في ذلك العام مع بعثة المنتخب الوطني العراقي للمصارعة إلى تركيا للمشاركة في إحدى البطولات، أرسلته الدولة في جولة أوروبية استمرت 45 يوما أحيا خلالها الكثير من الحفلات في بريطانيا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا والنمسا وهولندا وألمانيا، وفتحت له أبواب الشهرة على مصاريعها.

لكن الرجل البشوش المفعم بالحيوية البالغ من العمر 57 عاما يصر على أنه غير نادم على قراره هذا.. ويقول في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بمنزله في عمان حيث يعيش منذ نحو ثلاث سنوات «عندما أغني المقام العراقي أشعر بسعادة غامرة ولا يساورني تعب أو جوع ولا عطش ولا ملل». وأحيا الأعظمي منذ انطلاقته الأولى عام 1975 حتى الآن أكثر من 370 حفلا في 74 بلدا في مسارح ومهرجانات عالمية، حتى إن اسمه في العراق بات «سفير المقام العراقي».

وترافق الأعظمي الذي يتمتع بصوت قوي مميز في حفلاته فرقة «الجالغلي البغدادي» التي تتألف من خمسة أشخاص هم عازفو الجوزة والسنطور والإيقاعات، وغالبا ما يرتدون الملابس البغدادية الشعبية القديمة المعروفة بـ«الصاية واليشماغ». ويقيم ثلاثة من أعضاء الفرقة في هولندا والاثنان الآخران في بغداد.

ويرى الأعظمي، وهو من أسرة دينية من حي الأعظمية في بغداد كانت تمارس الأداءات المقامية في الشعائر الدينية أبا عن جد من دون احتراف، إن «قارئ المقام لا بد أن يكون قد تربى في بيئة يتوافر فيها أداء المقام بشكل دائم، إضافة لامتلاكه صوتا قويا ذا طاقة كبيرة يمتد لمساحة جيدة من القرارات والجوابات في آن معا».

ويؤكد الأعظمي، الذي ألف الكثير من الكتب عن أصول المقام العراقي تعد مراجع، أن «المقام العراقي ربما مرت عليه أربعة قرون، وأن سبب إطلاق صفة العراقي عليه تميزه عن مقامات موجودة في دول أخرى مثل تركيا وإيران، إضافة إلى أنه نشأ وترعرع في بغداد».

تخرج الأعظمي من معهد الدراسات الموسيقية في بغداد مطلع سبعينات القرن الماضي ليعمل فيه معيدا ثم أستاذا ثم عميدا حتى استقالته عام 2005، وهو يقول إن «الموسيقى تهذب المشاعر والأحاسيس والتفكير، وإذا لم تعمل الموسيقى على هذا النحو فإنها ليست هي الموسيقى المقصودة».