موسكو تؤجل إطلاق مفاعل «بوشهر» بعد إعلان ميدفيديف احتمال انضمامه لعقوبات

أحمدي نجاد يوافق على مشاركة تركيا في الاتفاق النووي.. وأنقرة تنتظر رده: سنخزن اليورانيوم في شكل وديعة

حارس أمن إيراني يقف خارج المبنى الذي يضم المفاعل في مدينة بوشهر الإيرانية، 1200 كلم جنوب طهران (أ.ف.ب)
TT

بعد وعود بتشغيله منذ عام 1999، أقدمت روسيا أمس على تأجيل بدء تشغيل مفاعل نووي في محطة بوشهر للطاقة الذرية بإيران، للعام العاشر على التوالي، متعللة بوجود عقبات فنية، في وقت اعتبر فيه مسؤول إيراني الخطوة الروسية بأنها متسرعة، ومثيرة للاستغراب. ويجيء قرار موسكو، في أعقاب إعلان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أول من أمس، بعد لقائه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في سنغافورة، بأنه غير راض بشكل كامل عن سرعة الحوار بين إيران والمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، وأنه «إذا لم يتسن الاتفاق فإنه تبقى هناك وسائل أخرى»، في إشارة لا تخلو من مغزى إلى ما سبق وصرح به حول احتمال انضمام بلاده إلى العقوبات الدولية ضد إيران.

وحسب مراقبين في موسكو، فإن قرار التأجيل يشير إلى القلق الذي ينتاب الأوساط السياسية والأمنية في العاصمة الروسية، بشأن تعثر المباحثات حول ملف إيران النووي، وانعكاس لتصريحات ميدفيديف في سنغافورة. وقال وزير الطاقة الروسي سيرجي شماتكو للصحافيين «بدء التشغيل لن يحدث بحلول نهاية العام.. لا بد أن يتوصل المهندسون إلى قراراتهم». وكان سيرجي كيريينكو رئيس هيئة الطاقة النووية الروسية قد قال في فبراير (شباط)، إن من المقرر بدء التشغيل عام 2009 لكنه قرن تصريحه بشرط عدم نشوب ظروف طارئة على حد قوله. وتأجل بدء تشغيل محطة بوشهر مرارا منذ أول وعود بتشغيله منذ 10 أعوام. وصرح شماتكو بأن قرار التأجيل الخاص ببوشهر أسبابه فنية بحتة وأن روسيا ستفي بكل ما التزمت به في العقد مع إيران. لكن دبلوماسيين يقولون إن روسيا تستخدم بوشهر كنقطة نفوذ على طهران التي تشتبه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أنها تسعى لامتلاك أسلحة نووية وهو ما تنفيه إيران. وبدأت روسيا تسليم الوقود النووي لمحطة بوشهر أواخر عام 2007 في خطوة قالت موسكو وواشنطن إنها لن تجعل إيران في حاجة لبرنامج تخصيب اليوارنيوم الخاص بها.

وأتمت روسيا العام الماضي تسليم الوقود النووي لتشغيل المحطة بموجب عقد تقدر قيمته بنحو مليار دولار. وتقول موسكو إن المحطة مدنية ولا يمكن أن تستخدم في أي برنامج للتسلح النووي لأن إيران ستعيد قضبان الوقود المستنفد لروسيا.

وسبق وأعلنت موسكو عن تأجيل إطلاق المحطة أكثر من مرة منذ أول تصريح لها إبان سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، حينما قالت إنها تتوقع انتهاء العمل في المحطة في الثامن من يوليو (تموز) 1999. وكانت مؤسسة «اتوم ستروي اكسبورت» أعلنت في 28 يناير (كانون الثاني) 2009 عن الانتهاء من عملية نقل الوقود النووي إلى محطة بوشهر، مما يعني قرب إطلاق المفاعل في غضون ستة أشهر على أكثر تقدير حسب تقديرات الخبراء ووفق ما أشارت إليه وكالة أنباء «ريا نوفوستي» الرسمية الروسية. وفي هذا الصدد كتبت نفس الوكالة أمس، أن توقيع معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، قد لا يصبح الحدث الرئيسي في القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي والأميركي في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وإنما قرار انضمام روسيا إلى العقوبات ضد إيران إذا لم تكلل المفاوضات مع إيران بصدد برنامجها النووي. ونقلت الوكالة عن علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في إيران وصفه لتصريحات وزير الطاقة الروسي حول عدم تشغيل محطة بوشهر قبل نهاية العام بأنها «متسرعة وتثير الاستغراب».

من جهته اعتبر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس أنه من مصلحة الغرب إيجاد تسوية مع إيران بخصوص برنامجها النووي. وقال في كلمة خلال اجتماع مع وكالات أنباء منطقة آسيا ـ المحيط الهادي، نقلها التلفزيون الإيراني على موقعه على الإنترنت، أن التعاون مع إيران بخصوص برنامجها النووي «سيكون مفيدا للغربيين لأن معارضتهم له ستجعل إيران أقوى وأكثر تقدما». وتأتي تعليقاته بعدما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن «الوقت ينفد» أمام إيران للرد على المقترحات التي قدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل ثلاثة أسابيع. وتنص الاقتراحات على قيام إيران بتصدير القسم الأكبر من اليورانيوم الضعيف التخصيب الموجود لديها، إلى روسيا لكي يتم تخصيبه بدرجات أعلى هناك قبل إرساله إلى فرنسا لتحويله إلى وقود نووي. وقال أحمدي نجاد إن «أعداءنا قاموا بتسييس المسألة النووية عبر استخدام كل إمكاناتهم في محاولة إقناع إيران بالاستسلام لكنهم هزموا». وتابع أن «الحقوق الأساسية للأمة الإيرانية غير قابلة للتفاوض والأنشطة النووية الإيرانية تجري بشكل كامل تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ولم ترد إيران بعد على مقترحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكن العديد من كبار المسؤولين أبدوا معارضتهم لجوانب أساسية فيها. وقال أوباما «للأسف، أقله حتى الآن، كانت إيران غير قادرة على الرد إيجابا. لم يعد أمامنا الكثير من الوقت» واصفا الاقتراح بأنه «عادل».

وأعرب أحمدي نجاد عن موافقته على أن تكون تركيا شريكا محتملا لتخزين اليورانيوم الإيراني في إطار اتفاق لمعالجة الوقود النووي في الخارج. وقال إن تركيا بصفتها دولة صديقة يمكنها أن تلعب «دورا إيجابيا وبناء» فيما يخص هذه القضية. وأضاف أحمدي نجاد أن «إيران سوف تصافح الأيدي الطيبة وترفض الأيدي غير الطيبة».

من جهته أعلن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أمس أن أنقرة تنتظر رد إيران على عرض لتخزين ما تمتلكه من اليورانيوم المخصب. ونقلت صحيفة «حرييت» الواسعة الانتشار عن الوزير قوله إن «الإيرانيين يثقون بنا.. لكن هناك معارضة كبيرة داخل إيران. يقولون إن المشكلة ليست تركيا بل مسألة نقل اليورانيوم إلى الخارج». وقال لصحافيين يرافقونه في زيارة إلى إسبانيا «من وجهة نظرنا، الباب مفتوح.. سنخزن اليورانيوم على شكل وديعة».

ويأتي المقترح التركي في إطار جهود لطمأنة المخاوف الغربية من أن برنامج إيران النووي يهدف إلى صنع قنبلة ذرية. وقال داود أوغلو أمام منتدى أعمال في مدريد أمس، إنه كان هناك «أخيرا مقترح جديد.. حول ما إذا كان يمكن لتركيا أن تلعب دورا في تبادل اليورانيوم المخصب بدرجات متفاوتة. ننظر إلى الموضوع بشكل إيجابي جدا». وقال إنه تحدث إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي عقب زيارة قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى تركيا الأسبوع الماضي. وأضاف أوغلو «نأمل أن يكون هناك حل مبتكر يمثل خطوة أولى تساعد في تخطي الحاجز النفسي». وقال «ما نتوقعه من الجميع الآن جعل ذلك عملية مفاوضات تقنية أكثر منها مسألة جدل سياسي أو بيانات ثنائية قد تضر بالعملية».

وذكرت «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، أن الإدارة الأميركية أبلغت إيران أنها مستعدة للسماح لها بإرسال مخزونها من اليورانيوم إلى واحدة من دول عدة من بينها تركيا، لتخزينها. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين ودبلوماسيين في الإدارة الأميركية لم تسمهم، أن تلك الخطوة مرت من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأن البرادعي كان الوسيط فيها. لكن إيران تجاهلت كافة المقترحات، وفقا للصحيفة.