هندوس باكستان يفرون للهند.. بسبب تهديدات طالبان

عمليات الخطف والخوف على النساء وراء تزايد الظاهرة

TT

ترك الآلاف من الهندوس والسيخ الباكستانيين، إثر تعرضهم لتهديدات من حركة طالبان على مدار أشهر، ممتلكاتهم في المناطق القبلية الباكستانية، وتوجهوا إلى الهند سعياً للحصول على الجنسية الهندية.

وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية عبر ما يقرب من 20 ألف هندوسي وسيخي من باكستان ولم يعودوا ثانية. لم يكن سهلا بالنسبة لهم التخلي عن منازلهم وحتى عائلاتهم في بعض الأحيان، لكنهم قالوا إنهم لا يملكون خيارا آخر وإنهم مضطرون للفرار من طالبان. لم تكن هجرة الهندوس أو السيخ إلى الهند وطلب الإقامة الدائمة نتيجة الأحداث الأخيرة، بل كانت هناك هجرات سابقة بأعداد محدودة، لكن تلك الأرقام تضاعفت بعد احتلال حركة طالبان الباكستانية لمنازل الأقلية السيخية في منطقة أوراكزاي القبلية ومطالبتهم بدفع 50 مليون روبية «كضريبة حماية»، واختطافهم سيخيا وإطلاق سراحه بعد دفع فدية كبيرة بداية العام الحالي. ويقل قطار «ثار إكسبريس» كل رحلة من رحلاته الأسبوعية التي تبدأ من مدينة كراتشي الباكستانية إلى مدينة موناباو الحدودية في مقاطعة جوذبور، العديد من العائلات السيخية الباكستانية التي تأتي إلى الهند أملا في عدم العودة. كان من بين القادمين سوبها رام، صاحب متجر في إقليم السند الباكستاني، الذي قدم حاملا معه أمتعته التي وضعها في ستة أجولة وأربعة صناديق صغيرة وبعض الحقائب التي حملها أفراد عائلته الثمانية. وقد نجح رام في إنقاذ ولديه اللذين اختطفتهما بعض عناصر طالبان ونجح في تحريرهما بعد دفع 50.000 روبية باع مصاغ زوجاته من أجل الحصول عليها. وقال رام: «إننا لا نرغب بالعودة إلى هناك. نحن نرغب بالبقاء هنا». هناك العديد من أمثال رام الذين استقروا بالفعل في ولاية البنجاب الهندية مستقلين قطار «سامجهوتا إكسبريس»، الذي يقوم برحلتين أسبوعيا بين الهند وباكستان، حيث يقومون بتمديد إقامتهم ويأملون في الحصول على الجنسية الهندية.

وقال راميش شارما، الذي كان أحد سكان المناطق القبلية القريبة من بيشاور: «كنا نعيش في باكستان في ظل ضغوط نفسية شديدة نتيجة هيمنة طالبان التي شكلت حكومة موازية في المنطقة، ما جعل العائلات الهندوسية والسيخية غير آمنة خاصة النساء. فضلنا الهجرة إلى الهند، حيث سنتمكن على الأقل من التنعم بالأمن والراحة النفسية نظرا لأمن عائلاتنا في الهند». وقد سجل شارما ومعه العديد من أقرانه الذين قدموا إلى الهند أسماءهم لدى دائرة اللاجئين الباكستانيين التابعة لوزارة الداخلية الهندية. وعبروا عن أملهم في الحصول على الجنسية الهندية بعد حصولهم على تأشيرة لمدة عام ليستقروا في قرية صغيرة قريبة من آمريستار. وتقول الشرطة الهندية إن غالبية اللاجئين الباكستانيين يفتقدون الأوراق السليمة. ويقول أحد ضباط الحدود: «الهندوس الذين يترددون على الهند من باكستان يتقاطرون إليها عبر المنافذ الحدودية، والبعض يقيمون هنا حتى بعد انتهاء مدة التأشيرة الممنوحة لهم، لكننا لم نتخذ أي إجراء قانوني لأنهم لا يشكلون تهديدا أمنيا للهند». وشكّل الخوف الدافع الرئيس وراء مغادرة الهندوس نتيجة ما أشيع عن مقتل هندوسيين على أيدي طالبان، والعزلة الاجتماعية المفروضة عليهم. وقد شهدت الشهور الخمسة الماضية نزوح أكثر من 8.000 هندوسي باكستاني إلى ولايات البنجاب وهيريانا وراجستان في الهند، لكن الكثير منهم يواجه مشاكل بسبب عدم امتلاك وهويات رسمية.

وقال سورام سنغ، أحد أبناء الطائفية السيخية والفار من باكستان: «كنت أملك محلا لتجارة الخضراوات سيطر عليه المتشددون بالقوة وأخذوا ممتلكاتي كلها». ولم تسلم مزارات السيخ أو معابد الهندوس من الاعتداءات. وقد أوكلت الحكومة الباكستانية العناية بدور العبادة للطوائف السيخية والهندوسية إلى قضاة المناطق المحلية. وتقول رتبا كور، التي فرت إلى الهند: «تنفسنا الصعداء عندما وصلنا إلى الأراضي الهندية، فقد كنا نرى الموت يقترب من أعيننا كل يوم، لأن الحياة كانت غير آمنة بدرجة كبيرة. كان والداي دائما قلقين عليَّ وعلى أشقائي بسبب سيطرة الإسلاميين على المنطقة. ونظرا لكوني فتاة لم أكن أبرح المنزل وظللت حبيسة جدران أربعة. لم أتمكن من التعلم نظرا لعدم السماح للفتيات بالذهاب إلى المدارس في مناطق القبائل الباكستانية».

تشير الإحصاءات إلى أن العديد من المهاجرين الباكستانيين عبروا الحدود وانخرطوا في المجتمع الهندي ولم تسجل أسماؤهم في الإحصاءات الرسمية. ويشير هيتودان تشاران ضابط الهجرة في محطة سكك حديد موناباو إلى ارتفاع أعداد العائلات الهندوسية القادمة إلى الهند إلى ما بين 25 إلى 30 عائلة أسبوعيا. ولا يقر أحدهم بأنه ينوي الإقامة هنا، لكن ما أن نرى حقائبهم ندرك ذلك سريعا». ويشير عمران كومار، وهو لاجئ هندوسي آخر، إلى أنه اختار لنفسه اسما مسلما ليتمكن من العيش في باكستان. وقال: «أتحدر من أسرة هندوسية، ولم أغير ديانتي، لكني غيرت اسمي فقط وهو ما ساعدني على الدخول إلى المدرسة بسهولة». وأضاف عمران: «إذا كنت هندوسيا في باكستان فلن تتمكن الحصول على الفرصة للدخول إلى المؤسسات التعليمية الباكستانية».

قد يكون الخوف المحرك الرئيس وراء قصص الهجرة، لكن ما أن يصل المهاجرون إلى هنا لا يجدون في الهند الأرض الموعودة دائما التي تخيلوها. ويقول لاكشمان (40 عاما)، الذي جاء إلى الجانب الهندي من البنجاب قبل بضعة أشهر لحماية نساء أسرته بعد اختطاف ابن عمه ولم يعد، لكنه يعترف أنه لا يزال يواجه شكوكا هنا أيضا: «كانت هناك تفرقة على أساس الدين، أما هنا فالتفرقة على أساس الهوية والمواطنون هنا ينظرون إلينا على أننا باكستانيون، لكن الميزة الوحيدة هنا هي أننا لم نعد نعيش في خوف دائم كما كنا من قبل». وخشية اعتداءات طالبان يرفض الكثيرون ممن قدموا إلى الهند على سبيل الزيارة العودة إلى وطنهم وسعوا للحصول على الجنسية الهندية. أما الذين حصلوا على تأشير إقامة لمدة عام فسرعان ما ستنتهي وهو ما جعل عائلاتهم غاية في القلق. وقال راميش شارما: «إن نساءنا وأطفالنا لن يكونوا آمنين. يجب أن تقوم الحكومة الهندية بأمر ما لمساعدتنا. إننا على استعداد لترك كل شيء في باكستان للبقاء هنا».

ربما يكونون قد فروا هربا من طالبان، لكن عدم حصولهم على شهادات مواطنة وسياسة واضحة سيضطر هؤلاء اللاجئين إلى العيش في ظروف سيئة وسيصبحون فريسة لمضايقات الشرطة في الهند. قد تم رفع الحد الأدنى للتقدم للحصول على الجنسية من خمس سنوات إلى سبع، كما ارتفعت رسوم الإجراءات بشدة ما يجعلها صعبة المنال. ولذا يعمد هؤلاء المهاجرون إلى العيش وسط الجماهير في هذا القطاع غير المنظم من الاقتصاد الهندي، بعيدا عن عين الدولة الهندية التي لن تلاحظهم.