وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية العامة: ندرس مسألة التأشيرات باستمرار لجعلها أسهل وأسرع

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن فهم الرأي العام في الخارج مهم خلال مناقشة السياسة الخارجية

جوديث ماكهيل خلال حديثها لـ «الشرق الأوسط» (تصوير: حاتم عويضة)
TT

منذ مجيء إدارة الرئيس باراك أوباما زاد التركيز في أحاديث وتصريحات عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية على ما يسمى بنهج «القوة الناعمة» و«الدبلوماسية الشعبية»، وذلك بعد سنوات عانت فيها مكانة الولايات المتحدة من نتائج دبلوماسية القوة والقنابل الذكية. وكان ملاحظا أن أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ركزا في خطاباتهما الموجهة للعالم على أن الإدارة الجديدة تريد أن تختط لنفسها طريقا يقوم على التواصل والمرونة ويعتمد كثيرا على الدبلوماسية العامة.

وفي مايو (أيار) الماضي تولت السيدة جوديث ماكهيل منصب وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية العامة والشؤون العامة لتصبح بذلك وجه الدبلوماسية العامة لإدارة أوباما. وماكهيل تأتي إلى المنصب مدعومة بخبرة واسعة في حقول الإعلام والتواصل والتعليم، إذ عملت لمدة 20 عاما في شركة «ديسكفري» تقلدت خلالها منصب رئيسة الشركة وقادت عدة مبادرات جعلت قناة ديسفري تصل إلى 170 بلدا بعدد مشتركين يصل إلى 1.4 مليار شخص، وهي تقول في هذا الصدد إنها تنقل معها إلى منصبها الجديد في الخارجية الأميركية أسلوبا يعتمد على «التركيز على الأشياء التي تجمعنا وليس على ما يفرقنا».

«الشرق الأوسط» التقت ماكهيل في لندن وأجرت معها حوارا تناول مفهوم «القوة الناعمة»، وفجوة الثقة القائمة حاليا ومشاكل التأشيرات لدخول الولايات المتحدة وشكاوى الكثير من المسلمين والعرب مما يتعرضون له بسبب ممارسات قلة من المتطرفين. وفي ما يلي نص الحوار:

* هنالك تشديد في الإدارة الحالية، ولا سيما من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وكذلك أنت، على مصطلح استراتيجية «القوة الناعمة». ما هو تعريفك لـ «القوة الناعمة»؟

- حسنا، في إطار الدور الذي أقوم به حاليا، طلب منِّي الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون أن أقود جهودنا التي تهدف لتعزيز وتوسيع العلاقات بين الشعب الأميركي والحكومة الأميركية والشعوب في باقي أنحاء العالم. وأعتقد أن هذه مبادرة هامة وحيوية نقوم بها في الوقت الحالي للتواصل مع العالم. لقد تغير العالم بصورة كبيرة من ناحية مشاركة الشعوب في دولها وفي الحياة السياسية بدولهم وفي نموهم، ولذا أصبح من المهم بدرجة أكبر أن تكون لدينا علاقات، وأن نبني علاقات قوية جدا مع المواطنين في مختلف أنحاء العالم. وعليه، فإنه عن طريق التواصل والقيام بذلك يمكننا العثور على فرص للعمل سويا لحل الكثير من المشاكل التي نواجهها في الوقت الحالي. ولا أعتقد أن هناك طريقاً للتحرك قدما ما لم نتمكن من العثور على وسائل للعمل معاً، ولذا نتواصل مع العالم ونحاول إيجاد عدد من المجالات وتحديدا تلك المجالات التي يمكن أن نعمل فيها سويا والتي يمكننا أن نتعاون فيها لنصل إلى حلول جديدة نوعا ما للمشاكل.

ـ هناك العديد من المبادرات، وعلى الرغم من أنني في وظيفتي هذه منذ وقت قريب نسبيا ولكني عندما سافرت، وعندما كنت في باكستان وجدت مشروعات يعمل فيها علماء أميركيون ومبرمجو برامج كومبيوتر، ويعمل بعض علمائنا وعلماء من معهد التقنية في ماساتشوسيتس مع أفراد في باكستان للوصول إلى حلول في ممارسة الطب عن بعد وتوصيل الطب والعلاج إلى المناطق الريفية. وقد كنت في السعودية لحضور افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وأعتقد أنه سيكون هناك عدد من المجالات التي يمكننا التعاون فيها في مبادرات علمية جديدة. وأعتقد أن كل هذه الأشياء سوف تفضي إلى علاقات أقوى ووسائل جيدة.

* هل تمثل القوة الناعمة بديلا عن القنابل الذكية؟

ـ ما أركز عليه فيما يتعلق بالدور الذي أقوم به هو مجال التواصل بين الشعوب والدبلوماسية بين الشعوب وكيف يمكننا القيام بذلك على أرض الواقع. وأعتقد أن هذه طريقة تطبيق القوة الناعمة، أي العثور على وسائل تمكننا من العمل معا وبناء علاقات أقوى والتحرك للأمام.

* قلتِ في كلمة لك الشهر الماضي إن الإدارة الحالية تقر بالدور المحوري للدبلوماسية العامة كوسيلة، بالطبع، للقوة الناعمة. كيف يمكن أن نوفِّق بين ذلك وبين ما قامت به الإدارة الأميركية من زيادة لوجودها العسكري في أفغانستان مثلا، كما أنها زادت من الهجمات على أهداف داخل باكستان؟

ـ أعتقد أنه بالعودة إلى ما ركزت عليه وأعني بذلك العلاقات بين شعبنا وشعوب الدول الأخرى، وأعتقد أننا جميعاً نواجه موقفا أمنيا صعبا جدا في مختلف أنحاء العالم، ولكن، وفي الوقت ذاته أومن بأنه إذا توصلنا إلى وسائل يتمكن من خلالها الناس من العمل سويا فإن ذلك يمثل طريقا إيجابيا للتحرك للأمام. وقد أكد كل من الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون على أهمية العثور على وسائل تمكننا من العمل سويا للوصول إلى نوع من التعاون بهدف إيجاد حلول لبعض هذه التحديات والوصول إلى فرص جديدة للعمل المشترك. وإذا قمنا بذلك، وأسسنا علاقات أقوى، ستكون لدينا وسائل للعمل المشترك.

* هناك تقارير تقول إن الولايات المتحدة عرضت تقديم أموال لمقاتلي طالبان في أفغانستان إذا نبذوا أعمال العنف، هل هذه عملية شراء للسلام؟

ـ ربما لا تكون هذه النقطة ضمن نطاق مسؤولياتي. فأنا أبحث عن التواصل بين الشعوب وعلاقاتنا مع الشعوب، ليس داخل باكستان وحدها ولكن في مختلف أنحاء العالم، مع العثور على سبل يمكننا من خلالها التحرك قدما.

* كم أنفقت الحكومة الأميركية على الدبلوماسية العامة منذ سبتمبر (أيلول) 2001؟

ـ ربما لا يكون لدي رقم محدد بخصوص ذلك الآن. ولكن ما يمكنني أن أقوله لك، علما بأنني في منصبي منذ أشهر قليلة ولذا لا يمكنني أن أعود إلى 2001، إن هناك إدراكا متزايدا في الفترة الأخيرة لأهمية الدبلوماسية العامة كأداة مهمة وضرورية في سياستنا الخارجية، حيث يمكنها أن تساعدنا على تحقيق أهدافنا في مجال السياسة الخارجية. ومن الأشياء التي أشعر بأني محظوظة فيها أن هناك تفهما من رأس الفريق أي من الرئيس أوباما والوزيرة كلينتون، لأهمية التواصل مع الشعوب في مختلف أنحاء العالم وأهمية إشراكهم في هذا الحوار وهذا النقاش. ولذا عملت حكومتنا على زيادة كمية الموارد المتاحة أمامنا كي نسعى إلى تنفيذ هذه المبادرات كافة في مجالات مثل برامج التبادل ودعوة أشخاص إلى الولايات المتحدة وكذلك إرسال أميركيين إلى الخارج. وهناك عدد من البرامج والمبادرات التي ننفذها، ولذا فإنه في كل عام من الأعوام القليلة الماضية كانت هناك زيادة في الموارد المخصصة لهذه المهمة الحيوية وآمل أن ذلك سوف يستمر في الوقت الذي نتحرك فيه للأمام.

* هل أفهم من ذلك أن هناك زيادة في الميزانية أم نقصان، أم هل بقيت كما هي؟

ـ على مدار الأعوام القليلة الماضية كانت هناك زيادات كبيرة في مجال الدبلوماسية العامة. وكما تعلم فإنني قادمة من القطاع الخاص ولذا فإنني أهتم بمسألة الميزانيات، ويجب أن أقول إنني أعجبت جداً بالطريقة التي ينظرون بها إلى ذلك. وأعتقد أنه في منصبي يجب عليّ أن أستمر في توضيح أهمية هذا المجال أمام حكومتي. ونحن نتمتع بدعم الرئيس ووزيرة الخارجية، وما أعمل عليه في الوقت الحالي هو أن أقدم لهما خطة تحدد استراتيجياتنا للتحرك قدما، والتي سوف تدعم الموارد الإضافية المتاحة لنا حاليا.

* هل يمكن الحصول على أرقام دقيقة لشرح ما تقولين؟

ـ في عام 2001 كانت الميزانية الفعلية للدبلوماسية العامة بما فيها ميزانية برامج التبادل التعليمي والثقافي 477 مليونا و677 ألف دولار، وفي العام الجاري بلغت هذه الميزانية 932 مليونا و806 آلاف دولار، أما بالنسبة لعام 2010 فإن المبلغ المطلوب كميزانية للدبلوماسية العامة هو مليار و133 مليونا و521 ألف دولار. ومن هنا يتضح حجم الزيادة في الميزانية ومدى الاهتمام بالدبلوماسية بالدبلوماسية العامة.

* كم عدد العاملين في الدبلوماسية العامة؟

ـ في عام 2001 كان هناك تقريبا 2861 موظفا في حقل الدبلوماسية العامة بمن فيهم دبلوماسيون وموظفة خدمة مدنية وموظفون أجانب في مكاتبنا المختلفة. وفي ميزانية العام المقبل (2010) نتوقع وصول هذا العدد إلى 3132 موظفا. * يشعر الكثير من المسلمين والعرب أنهم يتعرضون للتمييز لأسباب عرقية أو دينية، ولا سيما في سعيهم للحصول على تأشيرات وما إلى ذلك، هل تتفقين مع ما يقوله الكثيرون من أنه يتم التعامل مع ديانة يتبع لها حوالي 1.5 مليار شخص، بصورة مجحفة بسبب أفعال يقوم بها عدد قليل من المتطرفين؟

ـ سمعت ذلك من الناس وأؤكد لك أن موقف حكومتنا هو عدم التعامل معهم بصورة مجحفة أو ممارسة التمييز ضدهم بأية صورة من الصور. ولكنني، سمعت ذلك من عدد من الناس خلال رحلاتي وأعتقد أننا نقوم بكل شيء نستطيع القيام به للبرهنة على أن ذلك ليس من سياساتنا وليس من الأسلوب الذي نتعامل به فعليا مع الناس.

* هل هناك أية خطوات لتسهيل إجراءات عملية التقديم للحصول على تأشيرة من جانب الطلاب حيث أن هذه هي الشريحة التي تهتمون بها؟

ـ إنه شيء مهم، وقد تحدثت مع زملائي في الحكومات الأخرى، وأعتقد أن عملية الحصول على تأشيرة تكون دوما عملية صعبة من أي بلد تأتي منه. وتاريخيا فقد كانت دوما عملية صعبة في الولايات المتحدة، وينطبق نفس الأمر بصراحة مع المملكة المتحدة أيضاً. وسمعت قبل أيام أن هناك بعض المشاكل في هذا الجانب، ولذا فإن مسألة التأشيرات من الأشياء التي ندرسها باستمرار لمعرفة كيف يمكن أن نسهل على الناس من مختلف أنحاء العالم القدوم إلى الولايات المتحدة وفي الوقت نفسه نتعامل مع بعض جوانب قضايا الهجرة التي تمثل مصدر قلق لأي دولة. وأعلم أنها واحدة من المسائل التي سوف نستمر في دراستها لمعرفة كيف يمكن أن نجعل عملية الحصول على تأشيرة أسرع ويتم على نحو أفضل.

وأعتقد أنه إذا نظرت إلى الأمر بصورة تاريخية ستجد أن عدد التأشيرات التي تمنح للطلبة وغيرهم، وهو الموضوع محل النقاش حاليا، معقول. بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كان هناك تراجع معقول في عدد التأشيرات عندما كنا نقوم بمراجعة إجراءاتنا، ولكن أعتقد الآن أن عدد التأشيرات التي تمنح حاليا تفوق تلك التي كانت تمنح عام 2001. ومن الأشياء التي أعتقد أنها ستكون وسيلة قوية للتحرك للأمام، وأنا ممن يروجون لها، هو استخدام التقنية من أجل تسريع هذه العملية حتى لا يبقى الناس منتظرين. ولكنني أعتقد أننا نتعامل مع هذه المشكلة منذ أعوام ونحاول أن نجعل هذه العملية أسهل أمام الناس، ونحن ملتزمون بأن نستمر في القيام بذلك.

* هل هناك احصائيات عن عدد التأشيرات الممنوحة للطلاب مثلا؟

ـ على مستوى العالم منحنا بين أعوام 2002 ونهاية 2009، مليونين و150 ألفا و950 تأشيرة دراسية. وفي عام 2001 مثلا بلغ عدد التأشيرات الممنوحة لطلاب يريدون الدراسة في الولايات المتحدة 293 ألفا و357 تأشيرة مقارنة بـ 331 ألفا و173 تأشيرة طلابية في عام 2009، أي بزيادة 13 في المائة تقريبا.

* كيف تنظرين إلى برامج التبادل التعليمي ولا سيما أن بعض الطلاب يستقرون في بعض الأحيان داخل أميركا مما قد يشكل نزيفا للعقول؟

ـ أعتقد أن هذا سؤال مشوق. لدينا برنامج ضخم لتبادل الطلاب مع دول في مختلف أنحاء العالم. ونحن ملتزمون بذلك، وأرى أن جزءا رئيسيا من استراتيجيتنا هو أن نحافظ على ذلك ونوسع فيه لأني لا أعتقد أنه توجد وسيلة يمكن من خلالها للناس أن تعرف بعضها بعضا أفضل من قضاء وقت معا. ولو كانت لدي عصا سحرية لأحضرت كل شخص إلى الولايات المتحدة وأرسلت كل من هم داخل الولايات المتحدة إلى الخارج، وأعتقد أن العالم سوف يكون أفضل كثيرا إذا تمكنا من القيام بذلك ولذا ندرس التوسع في التبادل الطلابي.

وفيما يتعلق بقضية نزيف العقول، فإن ما يحدث هو أن غالبية الأشخاص الذين يشاركون في هذه البرامج يعودون إلى بلادهم وأعتقد أن ذلك يساعد على توسيع وتعزيز علاقاتنا مع هذه الدول. وتتضمن هذه العملية جانبين؛ حيث أن الطلاب يأتون من بلادهم إلى الولايات المتحدة ويستفيدون ونحن نستفيد أيضا كبلد لأن المواطنين الأميركيين يسمعون ما يمكن أن ينقله الطلاب لهم. ولا يأتي هؤلاء ليتعلموا فقط عن أميركا ولكن الأميركيين أيضا يتعلمون أشياء عنهم. ويعود معظم الأشخاص الذي يشاركون في هذه البرامج إلى أوطانهم ويقدمون مساهمات قيمة جدا. وإذا نظرت إلى برنامج «فولبرايت» تجد أن عدد رؤساء الدول والوزراء والقيادات في مجال الأعمال الذين شاركوا في هذه البرامج لافت بشكل كبير، وكثير من المشاركين ارتقوا إلى مناصب هامة جدا في بلدانهم وأتمنى أن يستمر ذلك في المستقبل.

* الإدارة الأميركية، وليس بالضرورة الإدارة الحالية بل الإدارة السابقة، حاولت تغيير المناهج التعليمية في بعض الدول من أجل محاربة التطرف، هل تعتقدين أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية، بمعنى أن يرفض الناس ذلك باعتباره تدخلا في شؤونهم؟

ـ لا علم لي بهذا البرنامج، ولذا لا أستطيع، ولا أعرف ما الذي قامت به الإدارة السابقة. ولكنني أعلم أن التعليم جزء من مبادراتنا. وبالنسبة لي يمثل العمل مع الدول الأخرى للوصول إلى وسائل جديدة للتعامل مع المناهج أحد السبل التي يمكننا أن نمضي فيها؛ فالتعليم في مختلف أنحاء العالم يشكل مصدر تحد للجميع، وأعتقد أن ذلك يجب أن يكون مثل طريق من اتجاهين، إذ أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكننا أيضا أن نتعلمها، وهذا من الأشياء التي أروج لها. لا أعرف هل تعلم أنني كنت عضوا في المجلس التعليمي بولاية ماريلاند، وقد قضيت الكثير من الوقت أتعلم عن المناهج. وأعتقد أنني أريد بيئة يمكننا من خلالها تبادل الأفكار حول تحسين نظمنا التعليمية حول العالم. كما أنني أؤمن بشدة أن التعليم يقع في لب اهتمامات أي دولة، وللدولة أن تقرر مناهجها. وأتوقع أن هذه هي الطريقة التي سوف نستمر في اتباعها.

* تحدثت إدارة أوباما عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كأداة هامة للقوة الناعمة، ومع ذلك لا يزال منصب رئيس الوكالة شاغرا. هل يمثل ذلك عائقا في رأيك؟

ـ لدينا عملية معقدة في بلدنا لاختيار رؤساء الهيئات المختلفة، ونحن نقوم بذلك حاليا. ولكن لم يكن ذلك سببا في توقف أعمال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وأعلم ذلك لأنني شاركت في اجتماعات معهم وأفهم أن لدينا وكالة تنمية دولية قوية ونشطة جدا وأعتقد أنها سوف تستمر على هذا النحو. كما أن فيها فريق عمل يضم أفراداً مخلصين سوف يستمرون في تنفيذ وأداء مهامهم كل يوم. ولذا لا أعتقد أن عدم اختيار مسؤول للوكالة حتى الآن أضعف من الدور الذي تلعبه، وأعتقد أنها ما زالت مستمرة في العمل بكامل طاقتها. والوكالة من الأشياء التي تركز عليها الوزيرة كلينتون كثيرا، فهي تعلم أهميتها، وهي ملتزمة بذلك إلى حد كبير. وهي تفهم أهمية مبادرات التنمية والمساعدات وتهتم بذلك، ولذا فإن التأخر (في اختيار رئيس الوكالة) لم يضعف منها ولدينا قائم بأعمال رئيس الوكالة وهو يتمتع بأعوام من الخبرة ويتولى إدارة الوكالة خلال هذه الفترة الانتقالية.

* فجوة الثقة التي تعاني منها أميركا ـ وهو مصطلح استخدمتِه بنفسك ـ في رأيك كيف يمكن التعامل معها؟

ـ أحد الأشياء التي أحاول القيام بها ويلتزم بها فريقي بالكامل هو التأكد من أنه لا توجد فجوة بين ما تقوله الوزيرة كلينتون وما يقوله الرئيس أوباما وما نقوم به على أرض الواقع. وكما تعلم، تحدث الاثنان عن عدد من المبادرات والقضايا على الساحة الدولية منذ أن توليا مهام منصبيهما، ولذا نعمل بجد من أجل ضمان ألا توجد فجوة بين ما نقوله وما نقوم به. وأعتقد أنه من المهم للناس ألا يسمعوا فقط كلامنا وحسب بل أن يروا أيضا أفعالنا وأن يشعروا أن هناك توافقا بين الأمرين. وأعتقد أننا إذا فعلنا ذلك فسوف ننجح في سد فجوة الثقة.

* بحكم مكانك وموقعك، ألا ترين أنه رغم جميع البرامج والمثاليات، فإن الأمور ترتبط في النهاية بالسياسات الخارجية الفعلية؟

ـ أعتقد أن سياسة أي إدارة سوف تؤثر على علاقات ونظرة الشعوب، وأعتقد أن ذلك أمر حتمي. ولكنني أعتقد بشدة أنه إذا كانت لدينا علاقات جيدا مع الشعوب فإن ذلك سوف يفيد عندما تكون هناك لحظات اختلاف، وهي لحظات سوف تحدث لا محالة، فأنا لا أعتقد أننا سنتفق على كل شيء للأبد لأن مثل هذا الأمر غير واقعي بالنظر إلى طبيعة البشر. ودائما ما كنت أقول للناس إن الشخص الوحيد في العالم الذي أتفق معه بنسبة 100 في المائة طوال الوقت هو نفسي. وعليه إذا طبقنا ذلك على السياسة الخارجية سنجد نفس الوضع، لن نتفق يوما على كل شيء. ولكن إذا كان لدينا بالأساس علاقات قوية وجيدة بين الشعب الأميركي والشعوب في مختلف أنحاء العالم فإنه عندما تكون هناك لحظات اختلاف حول السياسة الخارجية أو أي سياسات أخرى فإننا سنتناقش ولكن كأصدقاء، مع الأمل أنه في بعض الأحيان سوف نتفق على أن نختلف، ولكنني أؤمن بأنه في حال وجود هذه العلاقات القوية المستمرة سنكون قادرين على تجاوز هذه العاصفة.

* أنت من سكان نيويورك، وعشت في المملكة المتحدة، وتعلمت جزئيا فيها، وعشت في جنوب أفريقيا خلال حقبة التمييز العنصري، كيف أثرت عليك هذه التجارب؟ وكيف سينعكس ذلك على منصبك الحالي؟

ـ أعتقد أنني كنت محظوظة جدا جدا كوني نشأت في عائلة تعمل في مجال الخدمة الخارجية. وأعتقد أن ذلك أثّر على نظرتي للعالم، حيث سافرت كثيرا خلال نشأتي وخلال حياتي في جنوب أفريقيا وأكسبني ذلك نظرة مختلفة لأنني شعرت بالراحة على الساحة الدولية. وأشعر بالراحة أنني سافرت كثيرا ليس فقط خلال نشأتي، ولكن أيضا من خلال رئاستي لشركة تعمل في 170 دولة. ولذا أعتقد أن خلفية نشأتي ساعدتني على المضي في هذا الطريق. وأعتقد أن من بين المنافع الكبرى لهذه الخبرة التي حصلت عليها ومن التجارب التي تعلمتها هو أنني من جميع رحلاتي، كان الشيء الذي تعلمته والذي أركز عليه هو أن الأشياء المشتركة التي تجمعنا تفوق كثيرا الأشياء التي نعتقد أنها تفرقنا، ويحدوني الأمل أنه في حال استمرارنا في القيام بذلك سوف نحقق تقدما في الكثير من القضايا الصعبة التي نواجهها. ولذا آمل أن أجلب معي للمنصب هذا الفهم حيث أميل إلى التركيز على الأشياء المشتركة التي تجمعنا وليس على ما يفرقنا. وأعتقد أن تنشئتي تساعدني على القيام بذلك.

* لقد عملت في شركة «ديسكفري للاتصالات» لمدة 22 عاما تقريبا...

ـ ظللت هناك لمدة 20 عاما، هذا صحيح.

* ما الذي تحملينه من وظيفتك السابقة إلى وظيفتك الحالية؟

ـ أعتقد أن أملي هو ما قلته للتو، وهو ما تعلمته من قيادة مؤسسة مثل «ديسكفري»، أي التركيز على الأشياء المشتركة بيننا. الشيء الآخر هو أن الناس اعتادوا أن يسألوني لماذا وكيف أصبحت «ديسكفري» ناجحة كشركة دولية. أعتقد أن ذلك تحقق لأنه عندما كنا نذهب إلى أي دولة فإننا كنا نقوم بكل ما نستطيع من أجل فهم الثقافات، وأعني الثقافات المختلفة والظروف التي نحن فيها وما هي الأشياء التي يهتم بها الناس وما الذي يثمنونه، ومن ثم نركز على تطوير المنتجات والخدمات التي تتناغم معهم وتجد تجاوبا لديهم. والشيء الآخر الذي قمنا به في «ديسكفري» هو أننا لم نكن نسير في اتجاه واحد فقط. وهكذا كنا نذهب إلى السوق ونفهمه بصورة واقعية ويمكن أن نطور من منتجاتنا هناك. ومع ذلك كنا مستعدين ونسعى إلى منتجات وخدمات يمكن أن نوصلها إلى باقي العالم، ولذا فقد كان ذلك بمثابة تبادل للقيم وللأفكار. وأريد أن أقوم بذلك في وظيفتي الحالية وآمل أن أكون قادرة على جعل ذلك واقعا لأنه في رأيي يمثل أساساً لأي حوار وأي نقاش. وأؤمن فعلا أنه كلما نجحنا في جعل الناس يتحدثون مع بعضهم البعض أكثر ويتبادلون القيم والأفكار، تمكنا من بناء جسور المعرفة والتفاهم. لقد تعلمت أن الجسور يجب أن تكون طريقاً من اتجاهين وتسير فيهما الأشياء في كلا الاتجاهين، وآمل أن أطبق هذا الفهم على هذه الوظيفة أيضا.

* ثورة المعلومات والاتصالات التي تحدثت عنها أخيرا، هل ترين أنها تمثل فرصة أم تعتبرين أنها تشكل تحديا؟

ـ أنظر إليها على أنها فرصة كبيرة، وقمت بذلك في «ديسكفري». في صناعة الإعلام شعرت أن هناك الكثير من المؤسسات الإعلامية التي نظرت إلى الأمر على أنه تهديد كبير، وأنه تحد وتهديد للطريقة التي يمارسون بها عملهم، وأنه تهديد بمعنى أنه على مدى مئات الأعوام كان هناك محررون وناشرون وكتاب ومؤلفون يقولون للناس ما يجب عليهم قراءته وكيف يقرأون وما هي المعلومات التي سوف يحصلون عليها، واليوم قد انقلب الأمر على رأسه حيث يقول المستهلك: «الآن، سوف أقول لك ما أريد أن أعرف، وأقول لك كيف أريد أن أسمعه وماذا سوف أفعل بذلك».. إنني أنظر إلى ذلك على أنه فرصة كبرى لنا جميعا لكي نقوم بذلك. إنها قوة كبيرة أن تستطيع تزويد الناس بالمعلومات وأن توفر إمكانية الوصول لها، وأعتقد أننا نرى ذلك في مختلف أنحاء العالم. وبالنسبة لي، لا يوجد شيء إيجابي أكثر من مشاركة عدد أكبر من الناس في الحياة السياسية لبلدانهم لأن ذلك يؤثر على قراراتهم يوميا. ولذلك فإن توفير المعلومات والقدرة على الوصول إلى المعلومات التي تمكنهم من تحسين أوضاعهم المعيشية يعد تطورا إيجابيا جدا جدا. قد يكون ذلك مخيفا في بعض الأوقات، وأعتقد أن هناك الكثير من الناس الذين يجدونه مخيفا. كما أعتقد أنه يمكن أن يكون كذلك، ولكني أفضل أن أتبنى هذا التغيير، وأن أبحث عن وسائل يمكننا من خلالها العمل سويا وتعزيز القوة، وأعني بذلك القوة الإبداعية للشعوب في مختلف أنحاء العالم. إنه وقت مثير جدا، وهو مخيف شيئا ما لأنه لا توجد خطط طريق، ولا نعرف إلى أين يمضى ذلك ولكن أعتقد أن ذلك مثير أيضا.

* لقد استثمرت في «لعبة البث» ـ وأنا هنا أستعير عبارة استخدمتِها في حديث لك أخيرا، وهي الإذاعة والتلفزيون والمواقع الإلكترونية وكل ذلك ـ وطرحت قضية التميز وسط الزحام. كيف تنوين القيام بذلك؟

ـ أعتقد أنه أمر صعب جدا جدا، لأن الوضع يتغير من مكان لآخر. وسوف أعود إلى ما قمت به في «ديسكفري»، وهو أنه في كل بلد يجب علينا أن نفهم كيف يحصل الناس على معلوماتهم وكيف يستمعون إلى المعلومات التي نحاول توصيلها إليهم ونحتاج إلى فهم ما هي الوسيلة الإعلامية الأفضل للوصول إلى مستمعينا ومشاهدينا. ولكن الأكثر أهمية هو أننا نحتاج إلى أن نقدم المعلومات والخدمات التي يحتاج إليها الناس، والتي نعرف أنهم يريدونها سواء كان ذلك برنامجا للغة الإنجليزية أو إذا كانت هناك معلومات على الصعيد العلمي والتقني. ومن المهم معرفة ما يريد الناس وبعد ذلك إذا فهمنا ما يريدونه وكيف يستمعون إليه، أعتقد أننا سنكون قادرين على اجتياز الزحام الحاصل في موجات الأثير مثلما فعلنا وكما فعلت داخل «ديسكفري».

* كيف تنوين دمج الدبلوماسية العامة في عملية صنع السياسة فعليا؟

ـ أعتقد أن ذلك مهم جدا، وهناك فهم ووعي متناميان بأن فهم الرأي العام في الخارج ومعرفة ما هو مهم بالنسبة للشعوب الأخرى التي سوف تتأثر بسياساتنا الخارجية، يمثل شيئا هاما عندما نتناقش حول هذه السياسات ونصوغها. ولا يعني ذلك أن الشعوب الأخرى ورأي الشعوب الأخرى يجب أن يوجه السياسة الخارجية لأي دولة. لا يجب أن يحدث ذلك. ومن الواضح أن كل دولة ستبحث عن مصالحها فيما يمكن أن تقوم به، ولكن فهم هذا الأمر (أي فهم الرأي العام في الخارج) خلال صياغة السياسات يعد شيئا مهما للغاية. ولذا فإنه من الوسائل التي أعتقد أنه مهم القيام بها هي أن نسعى إلى الاعتماد على مراكزنا في مختلف أنحاء العالم لتكون منارات لنا وأن تمدنا بهذه المعلومات لتدخل في عملية صوغ السياسات الخارجية مبكرا. ونحن نطور طرقا لكي نضمن أن المعلومات تدخل ضمن العملية مبكرا. وأنا مقتنعة بأنه إذا أمكننا القيام بذلك فإننا سوف نتجنب بعضا من المشاكل التي واجهتنا. وإذا فكر المرء مبكراً في الطريقة التي يُنظر بها الناس للرسائل التي يرسلها وكيف يمكن أن تؤثر السياسات عليهم فإنه يمكنه تجنب بعض المشاكل التي قد تظهر، وهذا لن يزيل كل شيء ولكنه يشكل عنصرا هاما وحيويا. وأعتقد أنه يجب أن يكون موجودا في مرحلة مبكرة. ولذا ندرس وسائل يمكنها أن تسهل ذلك، وندرس تقنيات كي نسهل تدفق هذه المعلومات مبكرا كي تدخل ضمن المداولات، ونعمل على ذلك في الوقت الحالي. * هل يمكن أن نتطرق إلى عملية السلام في الشرق الأوسط، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مكانة الإدارة الحالية؟

ـ أعتقد أن رئيسنا كان واضحا جدا ومعه وزيرة خارجيتنا حيث أكدا على أننا ملتزمون جدا بعملية السلام ونعمل مع الطرفين للوصول إلى حل. وهذا الالتزام لن يتغير وسوف نستمر في ذلك. واضح إنها عملية صعبة جدا، ولا أعتقد أن أي شخص رأى أنها ستكون سهلة. وأعتقد أننا سوف نستمر في العمل مع كافة الأطراف من أجل الوصول إلى حل يؤدي إلى مستقبل يسوده السلام تنعم به شعوب جميع هذه الدول ولدينا أمل في أن يتحقق ذلك.