مدارس اللغات الأجنبية في أميركا: طموح الأهداف يصطدم بشح الميزانيات

الأميركيون يريدون تأمين المستقبل المهني لأبنائهم بلغات أخرى في ظل انتشار الانجليزية عالمياً

مدرسة تعلم الموسيقى باللغة الصينية لتلاميذ في مدينة بوتوماك في ولاية ميريلاند الأميركية في 18 نوفمبر 2005 (ا.ف.ب)
TT

اتخذ مجلس إدارة مدارس مقاطعة فيرفاكس منحى مغايراً لما عرف عن الأميركيين من العزوف عن تعلم اللغات الأجنبية عندما أقر هدفا طموحا عام 2006 يقضي بضرورة شروع التلاميذ في تعلم لغات أجنبية منذ سن مبكرة، وأن يتمكن الخريجون من تحدث لغتين. وفي عالم يزداد تداخلاً بين الدول، رأى قادة المدارس أن اللغة الانجليزية غير كافية للنجاح في الأعمال التجارية الدولية أو على الصعيد الدبلوماسي. وعليه، بدت مقاطعة فيرفاكس، وهي ضاحية كوزموبوليتانية يتمتع 40% من تلاميذها بالقدرة على التحدث بلغة ثانية أو فهمها عند الاستماع إليها، مكانا طبيعيا لجعل مسألة تعلم لغات أجنبية أولوية. وجاءت الميزانيات الهزيلة على مدار سنوات بمثابة اختبار لهذا العزم. وفي الأوقات العصيبة، عمد أولياء الأمور وأعضاء مجلس إدارة مدارس المقاطعة إلى مناقشة ما إذا كان تدريس لغات أجنبية، خاصة في السنوات الأولى من التعليم، أمراً جوهرياً أم ثانوياً. وأكدت إميلي سلاو، من سكان فيرفاكس، في إشارة إلى برنامج لتعليم اللغات بالمرحلة الابتدائية من التعليم، خاصة في السنوات الأولى: «إنه أمر رائع. كنت سأؤيده بشدة لو توافر لدينا المال، لكن ظروفنا المالية عصيبة». ويبدي بعض أولياء الأمور تأييدهم للأهداف المعلنة فيما يخص تدريس اللغات في المدارس. إلا أنهم ينتقدون البرامج الابتدائية. من ناحية أخرى، أعرب آخرون عن تشككهم في جدوى التركيز على لغات أجنبية، مشيرين إلى أن الانجليزية يجري التحدث بها في مختلف أرجاء العالم. وفي الواقع، يكشف الجدال الدائر في فيرفاكس عن حجم الفجوة اللغوية العميقة التي لا تزال قائمة بين الولايات الأميركية، حيث يقل عدد الطلاب الملتحقين بالمراحل المتوسطة والعليا من التعليم بدورات لتعليم اللغات الأجنبية عن النصف، والكثير من أرجاء أوروبا وشرق آسيا، حيث يعد تدريس لغات أجنبية في المدارس أمرا مسلما به.

وقالت مارتي أبوت، مديرة شؤون التعليم بـ«المجلس الأميركي لتدريس اللغات الأجنبية»، إن الالتزام بتدريس اللغات الأجنبية يتنامى ببطء. وأوضحت أن حوالي 16 ولاية ومقاطعة تلزم طلابها بإنجاز دورة معينة في لغة أجنبية لنيل شهادة الدبلوم. واستطردت أن ولاية فيرجينيا تتطلب دراسة الطلاب لغة أجنبية لمدة ثلاث سنوات أو لغتين كل منهما لمدة عامين لينالوا دبلوما تمهيديا جامعيا.

وعندما تتضاءل الميزانيات المخصصة للمدارس، يتهدد الخطر كل المواد البعيدة عن القراءة والكتابة والرياضيات. وتشير التوقعات إلى تراجع ميزانية السنة الدراسية القادمة في فيرفاكس بقيمة 176 مليون دولار. وتتضمن الاستجابات المحتملة لهذا الأمر زيادة أعداد الطلاب في الفصول وتخفيض أعداد البرامج. كما يتهدد الخطر برامج تدريس اللغات الأجنبية التي أقرت في عشرات المدارس الابتدائية وخطط إقرار تدريس لغة أجنبية في 31 مدرسة ابتدائية. يذكر أن من شأن خفض كلا البرنامجين توفير 3.4 مليون دولار.وقال مديرو المدارس، إن برامج تعليم لغات أجنبية في سن مبكرة جوهري لتنشئة أجيال قادرة على تحدث لغتين. وأكدت باولا باتريك، منسقة برنامج اللغات العالمية في المقاطعة، أن دراسة اللغة الفرنسية لمدة ثلاث سنوات في المرحلة الثانوية لا تكفي لنقل الطلاب إلى ما هو أبعد من مستوى المبتدئين، حيث يتطلب الأمر وقتا أكبر لتعلم كيفية التواصل مع الآخرين بالفرنسية. وأردفت أن الطلاب من المحتمل بدرجة أكبر أن يتقنوا لغة أجنبية إذا بدأوا في سن مبكرة. من ناحية أخرى، قالت تينا ميك، إن أسرتها اختارت الانتقال إلى منطقة بالقرب من مدرسة فوكس ميل الابتدائية في هرندون نتيجة برنامج اللغات المطبق هناك الذي يسمح للطلاب بقضاء نصف اليوم الدراسي في تعلم اللغة اليابانية. ورغم أن والدة ميك يابانية، فإنها تربت على التحدث بالانجليزية في منزلها. وعانت كثيرا من أجل تعلم اليابانية في الجامعة، ولاحقا في اليابان ذاتها. في المقابل، تمتعت ابنتاها الصغيرتان بالقدرة على تعلم اليابانية بسرعة، لدرجة سمحت لهما بتصحيح نطقها بعض الكلمات. وسعيا لإنقاذ برامج تعليم اللغات في المدارس الابتدائية، شكلت ميك وساندي نوكس مجموعة تطلق على نفسها «مناصرة تدريس اللغات الأجنبية في المدارس». يذكر أن نوكس ساعدت على إدخال اللغة الأسبانية إلى مدرسة «بروكفيلد إلمنتري» منذ عامين. ويهدف برنامج تعليم اللغات الأجنبية في المقاطعة إلى تدريس واحدة من سبع لغات لمدة نصف ساعة مرتين أسبوعيا. وكان من المقرر تطبيقه بمختلف أرجاء المقاطعة، لكن ضآلة الميزانيات تسببت في بطء توسع البرنامج، حيث تقل نسبة المدارس التي تطبق البرنامج عن واحدة من بين كل أربعة. وقالت نوكس إنها انبهرت بأبحاث تثبت كيف أن تعلم لغة أجنبية يساعد المخ على التطور، وكيف تفيد معرفة لغات أجنبية في الاقتصاد العالمي. لا يزال برنامج اللغات في عامه الثالث في «مدرسة غنستون الابتدائية» في لورتون، حيث تعلم طلاب الفصل الثالث خطوط الطول والعرض باليابانية الأسبوع الماضي. ووجه المدرس أسئلة سريعة إلى الطلاب الذين أخذوا يلوحون بأيديهم سعيا للإجابة. وفي نهاية الفصل، غنوا معا أغنية يابانية شهيرة حول شجر البلوط.

(خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»)