مصدر قضائي لبناني لـ «الشرق الأوسط»: المفرج عنهم من سورية سجنوا بأحكام جنائية.. ولا معلومات عن المفقودين

رئيس جمعية «سوليد» يدعو لتأسيس هيئة وطنية لمعالجة الملف

TT

أحيت تصريحات أدلى بها وزير العدل اللبناني، إبراهيم النجار، قبل بضعة أيام حول إصدار الرئيس السوري، بشار الأسد، عفوا عن بعض الموقوفين اللبنانيين في السجون السورية، آمال أهالي هؤلاء المفقودين منذ الثمانينات. إلا أن مصدرا قضائيا لبنانيا رفيع المستوى، نفى لـ«الشرق الأوسط» وجود معلومات من الجانب السوري حول المفقودين اللبنانيين في السجون السورية. وقال إن «هؤلاء كانوا مسجونين بأحكام جنائية، وبالتالي لا علاقة لهم بملف المفقودين».

وأشار إلى أن «اللجنة اللبنانية ـ السورية المكلفة متابعة الموضوع، عقدت عدة اجتماعات في السابق، ولم يصدر عنها أي شيء، فهي لم تستطع الحصول على أي معلومات تتعلق بالمفقودين». إلا أنه أكد أن رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، «يعمل على تفعيل هذا الملف لتوضيح مصير هؤلاء المفقودين وتقديم المعلومات الضرورية إلى أهاليهم». وأوضح غازي عاد، رئيس جمعية «سوليد» التي تعنى بشؤون المفقودين اللبنانيين سواء في لبنان أو في سورية، أن «نجار تناول معلومات تعود إلى أشهر، فالسلطات السورية لا تنسق مع السلطات اللبنانية ومؤسسات المجتمع الأهلي في هذا الملف. وهي كانت قد أفرجت عن عدد من المساجين اللبنانيين المحكومين لديها بجرائم جنائية. وكان قد تم الإعلان عن أسماء قسم منهم، في حين تم التستر على أسماء أخرى. وقد وصل الذين أطلق سراحهم على دفعات منذ أبريل (نيسان) الماضي إلى يونيو (حزيران) بشكل سري وغير معلن، ومن دون التنسيق مع وزارة العدل أو أي جهات رسمية أخرى أو أي مؤسسات أهلية لبنانية. وفي يوليو (تموز) الماضي سلمت لائحة تضم 23 اسما من المحكومين بأحكام جنائية».

وأضاف عاد: «نحن نتحرك الآن في الداخل اللبناني لتأسيس هيئة وطنية لمعالجة الملف، وذلك انطلاقا من أن جميع المفقودين اختفوا قسرا وفق التعريف الدولي للأمم المتحدة الصادر عام 2006، الذي ينص على أن كل شخص حرم من حريته خلافا لإرادته يصبح ضحية إخفاء قسري. وهذه جريمة في المعايير الدولية، ومن يرتكبها يجب أن يحاكم. بالتالي فإن المفقودين اللبنانيين تم إخفاؤهم قسرا. وكل جهة تتكتم على المعلومات يجب أن تلاحق. ولأن النظام السوري يرفض الإفصاح عن مصير المختفين على يد أجهزته في لبنان يجب مساءلته».

ويعطي عاد مثلا عن الجندي اللبناني جوني ناصيف الذي فقد في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990 عندما اقتحم الجيش السوري قصر الرئاسة في بعبدا، الذي دفن الأحد الماضي في بلدته دبل بعد إجراء فحص للحمض النووي (DNA). ويقول: «قيادة الجيش أبلغت والدة ناصيف أن ابنها ليس في عداد القتلى، بالتالي فإن الجيش السوري هو المسؤول عن اختفائه». ويضيف: «عندما نقول إن لدينا حالات من سورية ننطلق من أن لدينا تأكيدات وأدلة».

وعن عدد المفقودين قال عاد: «الدولة اللبنانية تبنت وجود 17 ألف مفقود. لكن لا أحد يؤكد الرقم فعليا، لأن الدولة لم تعتمد آلية علمية لمعرفة العدد الفعلي. ومنعا لأي تلاعب في الأرقام هناك ضرورة لإنشاء الهيئة الوطنية لمعرفة مصير المختفين قسرا، ويجب أن تضم ممثلين لوزارات العدل والداخلية والدفاع، ونوابا من لجنة حقوق الإنسان البرلمانية وفاعلين في منظمات المجتمع الأهلي، إضافة إلى لجنة أهالي المفقودين و(سوليد). والمطلوب أن تعتمد هذه الهيئة معايير علمية للبحث والإحصاء، وتتمتع بتأييد وطني شامل بعيد عن التجاذبات والمزايدات السياسية».

وأشار عاد إلى ما يقوم به فريق من السفارة البريطانية في قرية عيتا الفخار في قضاء راشيا للبحث عن رفات الصحافي البريطاني أليك كوليت الذي اختفى عام 1985، وأعلنت إحدى المجموعات الفلسطينية المدعومة من سورية أنها اعتقلته وأعدمته شنقا بعد عام. وقال: «الفرقة البريطانية تحفر منذ يومين الأرض بالأيدي وليس بالآلات وتستعين بالكلاب البوليسية لتستعيد رفات مواطنها المعلنة وفاته. أما المفقودون اللبنانيون وأهاليهم فلا أحد يهتم بالكشف عن مصيرهم».

وأضاف: «حصلنا على موافقة كل من وزير العدل إبراهيم نجار ووزير الداخلية، زياد بارود، على مبدأ إنشاء الهيئة، ونحن ننتظر أن يلحظها البيان الوزاري، لا سيما أن البيان السابق ذكر ضرورة الاهتمام بهذا الملف، وكذلك اهتم به رئيس الجمهورية في خطاب القسم. لذا نحن متفائلون بإنشاء الهيئة مع مباشرة الحكومة الحالية عملها».

وأشار إلى أن «جمعية (سوليد) ولجنة أهالي المفقودين ربحتا دعوى قضائية لدى قاضي الأمور المستعجلة بشأن وضع حراسة على عدد من الأماكن التي حددها تقرير رسمي رفع إلى حكومة الرئيس سليم الحص عام 1998، وحدد وجود مدافن جماعية في حرش بيروت (مدخل الضاحية الجنوبية في منطقة قصقص) ومدافن مار متر في الأشرفية ومدافن الإنجليز ومنطقة الكرنتينا (المدخل الشمالي لبيروت)». وأوضح أن «الدعوى تسمح بتقديم طلب إلى أمانة سر مجلس الوزراء للحصول على نسخة مفصلة من التقرير ووضع حراسة قضائية على هذه الأماكن تمهيدا لنبشها، على أن تعتمد آلية وأساليب علمية وتتوفر إمكانات بشرية وتقنية لمتابعة العمل، وإلا لن يؤدي القرار إلى أي نتيجة. وتنفيذ هذه الخطة على كامل الأراضي اللبنانية ليس صعبا، ويمكن أن ينجز خلال عام، لا سيما أن القوى السياسية أبدت استعدادها للموافقة، شرط عدم استغلال المعلومات، والتعامل معها بسرية. فقد أصبح واضحا أن هذا الملف لن يقفل إلا بعد إعطاء الأهالي حقهم في معرفة مصير من فقدوه».