مسؤولون غربيون: عواقب «اقتصادية وسياسية» على إيران للضغط عليها وتهميش أذرعها الخارجية

الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»: العقوبات أداة فعالة ضد إيران

أحد مساعدي متقي يهمس له خلال مؤتمر صحافي في مانيلا أمس (أ.ف.ب)
TT

بقدر ما أن الرفض الإيراني الرسمي لمسودة الاتفاق النووي مع الغرب لم يكن مفاجئا للقوى الكبرى التي توقعت أن يكون الرد الإيراني سلبيا، فإن رد فعل القوى الكبرى المؤثرة تباين أمس حول التعامل مع رفض طهران، ففيما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن واشنطن ستبدأ النظر في «عواقب» مع شركائها الدوليين بعد الرفض الإيراني، وأعلنت فرنسا أنها ترفض الطلب الإيراني بعقد اجتماع ثان لبحث مسائل تقنية، ردت روسيا بكثير من الكياسة والتفاؤل الدبلوماسي موضحة أن «فرصة التوصل إلى اتفاق مع إيران لا تزال قائمة». لكن برغم التفاؤل الروسي يبدو أن دول مجلس الأمن زائد ألمانيا ستبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة بحث عقوبات جديدة ضد طهران إذا لم تظهر طهران بوادر لقبول تسوية لطمأنة العالم حول برنامجها النووي. ويعتقد أن العقوبات أو خطوات الضغط التي سيتم التوافق عليها ستنحصر في البداية في عقوبات ضد مزيد من البنوك والشركات الإيرانية والأشخاص المرتبطين بالحرس الثوري والبرنامج النووي الإيراني، مع ضغط سياسي متزايد على طهران والتنظيمات القريبة منها أو التي تعمل بتنسيق معها، فيما لن تمس تلك العقوبات قطاعي النفط والغاز الإيرانيين بسبب تحفظات روسيا والصين. وفيما يحاول المسؤولون الإيرانيون التخفيف من تأثير العقوبات الدولية التي فرضت على إيران حتى الآن، فإن تأثير العقوبات محسوس وملحوظ في إيران، وأي عقوبات جديدة ستؤدي إلى مزيد من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى التأزيم السياسي في علاقات إيران مع المجتمع الدولي، وهى كلها آثار جانبية لا تريدها حكومة محمود أحمدي نجاد. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن الإدارة الأميركية تبحث مع شركائها الخيارات على الطاولة بعد الرفض الإيراني، بما في ذلك «خيار ضغوط إضافية». وأوضح المسؤول الأميركي الذي لا يستطيع الكشف عن هويته «الرئيس أوباما جاء إلى الرئاسة ولديه استعداد لاختبار ما إذا كان الحوار من شأنه أن يسفر عن نتائج أكثر إيجابية مع إيران، مع إدراكه الكامل بأن الحوار يمكن أيضا أن لا يثبت فعالية. وهذا هو بالضبط السبب الذي يدفعنا إلى توظيف (مجموعة من الأدوات) للتعامل مع إيران ومواصلة الضغط عليها مع متابعة الحوار المبدئي لتحقيق نتائج حقيقية على الأرض». وأضاف المسؤول الأميركي «نحن ـ وبالتنسيق مع شركائنا – سنقوم بتقييم إلى أين وصلت الأمور فيما يتعلق بالمفاوضات. وما هي الخطوات التي اتخذت أو لم تتخذ، ومن ثم سنصدر تقييمنا حول الخطوات التالية، بما في ذلك خيار ضغوط إضافية على إيران».

وفيما يبدو أن هناك تباينات مبدئية بين دول 5 زائد 1 حول أفضل السبل للضغط على إيران لإقناعها بالتعاون في ملفها النووي، يبدو أن هناك على الأقل اتفاقا على مبدأ «الضغط»، ويعتقد على نطاق واسع أن الدبلوماسية الغربية ستسعي في هذا الصدد إلى «نسج ضغوط اقتصادية وسياسية مترابطة بحيث تحد من القدرة الإيرانية على المناورة ليس فقط في الملف النووي، بل وباقي الملفات التي تستخدمها إيران في إطار دبلوماسيتها الخارجية» بحسب ما قال مسؤول غربي رفيع المستوى تحدث لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هويته. وأوضح «الملف النووي إحدى أدوات الضغط بيد إيران، لكن هناك ملفات أخرى تستخدمها إيران في إطار حربها الدبلوماسية مع الغرب من بينها حزب الله وحماس مثلا وتنظيمات وجماعات في العراق وأفغانستان. الضغوط والعقوبات الغربية على طهران خلال الأعوام الماضية أثرت على قدرات إيران. تمويل إيران لحماس وحزب الله لم يعد كما كان. مصادرنا توضح أن الأزمة الاقتصادية في إيران والعقوبات أثرت على قدرة طهران على تمويل حماس مثلا بشكل لافت». وفي هذا الصدد قال مسؤول الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» «في بداية عام 2006، بدأت الحكومة الأميركية بذل جهود متضافرة ضد الأنشطة الإيرانية غير الشرعية. اتخذنا إجراءات رسمية ضد العديد من المصارف الإيرانية، والهيئات الحكومية والشركات والأشخاص المتورطين في دعم إيران للإرهاب والمرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني». وأضاف «فرض عقوبات على إيران يمكن أن يكون أداة فعالة، وقد كان أداة فعالة خلال الأعوام الماضية، وذلك عندما تصمم العقوبات وتنفذ على نحو فعال، وتنسج مع باقي العناصر التي تشكل الاستراتيجية الأميركية الشاملة». وبعد رفض إيران مسودة الاتفاق النووي مع الغرب، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في سيول، أن الولايات المتحدة وحلفاءها تناقش «العواقب»، متحدثا ضمنا عن تشديد عقوبات. وقال «في الأسابيع المقبلة سندرس إجراءات محتملة يفترض أن تطبق وتثبت لإيران تصميمنا». وتابع أوباما في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكوري الجنوبي لي ميونغ باك «استغرقت إيران أسابيع الآن ولم تبد رغبتها في قبول هذا الاقتراح.. ونتيجة لذلك بدأنا مناقشات مع شركائنا الدوليين حول أهمية أن تكون هناك عواقب لذلك». وأوضح أوباما أنه لا يزال يتمنى أن تغير إيران موقفها، مشددا في الوقت ذاته على بحث عقوبات. وأضاف «توقعنا هو أننا سنطور مجموعة من الخطوات المحتملة على مدى الأسابيع المقبلة لإبداء جديتنا أمام إيران.. (لكن) ما زلت أرى إمكانية أن يقرر الإيرانيون طرق باب الحوار. أتمنى أن يفعلوا. لكن ما يسعدني هو هذه الوحدة الدولية غير المعتادة التي شهدناها. فإذا فكرتم كيف كانت الجهود الدولية مفككة في مطلع العام وكيف كانت الآراء متباينة حول برنامج إيران النووي وما وصلنا إليه اليوم فإنني أعتقد أنه مؤشر على أننا نسلك الطريق الصحيح». وتزامن مع تصريحات أوباما إعلان فرنسا رفضها عقد أي اجتماع تقني جديد مع إيران. وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية أمس «إذا كان الحوار سيتواصل مع إيران، فإنه لن يتناول مسائل تقنية». وأضاف «سنعمد مع شركائنا في مجموعة 5+1 إلى تقييم عواقب هذا الرد السياسي».

لكن موسكو كانت أقل تشاؤما، إذ أبدت وزارة الخارجية الروسية تفاؤلا أكبر، معتبرة أنه لا يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق وأنه ليس هناك مباحثات حاليا حول «فرض عقوبات». وقال الناطق باسم الخارجية الروسية أندريه نيسترنكو في بيان أمس «ليس هناك حاليا مباحثات حول تحضير عقوبات إضافية ضد إيران في مجلس الأمن الدولي». وأضاف «نعتبر أن لدينا كل الفرص من أجل الوصول إلى تطبيق كامل لاتفاقات جنيف».

ومن المقرر أن يستضيف اليوم الاتحاد الأوروبي اجتماعا في بروكسل لممثلي مجموعة 3 زائد 3 (الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وألمانيا وبريطانيا. إضافة إلى روسيا وأميركا والصين) لبحث تطورات الملف النووي الإيراني. وقالت كريستينا غالاش الناطقة باسم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا «يمكنني التأكيد أنه سيعقد اجتماع في بروكسل لمجموعة 3+3 على مستوى المدراء السياسيين لوزارات الخارجية يستضيفه الاتحاد الأوروبي». وأضافت غالاش أن «هدف الاجتماع هو مراجعة آخر التطورات حول الملف النووي الإيراني»، مضيفة أن سولانا «سيحضر قسما منه».

وفيما يتوقع أن تكون الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد إلى أين سيسير الملف النووي الإيراني وعلاقات إيران مع الغرب، يحاول المسؤولون في إيران التقليل من خطوة تأثير رفضهم للعرض النووي والدعوة لمفاوضات جديدة. ورفض وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي أمس فكرة التهديد بعقوبات دولية جديدة، موضحا أن «العقوبات كانت لغة الستينات والسبعينات»، معتبرا أنهم «درجوا على عادة القيام بذلك منذ أربع سنوات (فرض عقوبات). أعتقد أنهم حكماء بما فيه الكفاية لعدم تكرار الأخطاء نفسها». وتابع «تعرب إيران عن استعدادها لإجراء المزيد من المحادثات في الإطار المطروح. اقتراح المبادلة ليس اقتراحنا.. قدموا هذا الاقتراح وشرحنا وتحدثنا عن طريقة وضعه في حيز التنفيذ». وكانت مصادر دبلوماسية غربية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن رفض إيران لمسودة الاتفاق لم يكن مفاجأة، وإن الخطوة المقبلة هي محاولة إقناع روسيا والصين بخطوات حاسمة لإقناع طهران بالتعاون. ويقول دبلوماسيون إن القوى العالمية المعنية تختلف فيما بينها حول مدى صرامة العقوبات التالية على إيران، موضحين أن تحفظات روسية وصينية «ستجعل الجولة المقبلة من العقوبات رمزية إلى حد كبير» بحيث تقتصر على إضافة أسماء إلى قائمة سوداء في الأمم المتحدة لتجميد أرصدة وحظر سفر أفراد بدلا من فرض إجراءات صارمة تستهدف قطاعي النفط والغاز الحيويين في إيران بسبب الاستثمارات الصينية والروسية في هذا القطاع. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة آخرون قد حذروا قبل شهور قليلة من أن إيران قد تواجه «عقوبات تصيبها بالشلل» إذا استمرت في رفضها مطالب الأمم المتحدة الخاصة ببرنامجها النووي. لكن الإجراءات «التي تصيب بالشلل» لن تمرر في الأمم المتحدة، وبالتالي إذا فشلت المفاوضات خلال الأشهر المقبلة فإن العقوبات المشددة يرجح أن تمر بشكل ثنائي من أميركا والاتحاد الأوروبي إلى أن يتم إقناع موسكو وبكين أو يتم إقناع طهران بطمأنة العالم حول سلمية نواياها النووية. ورأى دبلوماسيون أن المفاوضات حول عقوبات جديدة على إيران قد تبدأ قبل نهاية العام الحالي عندما تنتهي مهلة غير رسمية منحها قادة الولايات المتحدة ودول أوروبية لإيران لبدء محادثات حول عرضهم تقديم حوافز اقتصادية وسياسية لإيران مقابل وقف تخصيب اليورانيوم. ومع أن جولات العقوبات الثلاث التي فرضت على طهران حتى الآن شملت بنوكا ومؤسسات حكومية وأشخاصا على علاقة بالبرنامج النووي الإيراني وآخرين من قادة ومسؤولين بالحرس الثوري، فيما لم تستهدف هذه العقوبات بشكل مباشر قطاعي النفط والغاز الإيراني الحساسين، فإن الاقتصاد الإيراني يمر بمصاعب حقيقية تجعل فرض أي عقوبات جديدة مسألة سلبية. ويقول المسؤول الأميركي في هذا الصدد لـ«الشرق الأوسط» «إذا ألقينا نظرة على المشهد الاقتصادي الإيراني وقارناه مع البلدان الأخرى التي تتشابه مع إيران في الموارد والمصادر الاقتصادية، سنجد أن إيران متخلفة عن الركب في مجال الاستثمار الدولي وقدرته على جذب التكنولوجيا الحديثة». وتابع «هذا يمكن أن يعود في جانب منه إلى ارتفاع المخاطر المرتبطة بالتعامل مع إيران، ولكن أيضا إلى الوحدة داخل المجتمع الدولي فيما يتعلق بعدم التعامل استثماريا مع إيران».