رئيس الجمهورية يثبت نفسه كلاعب محوري في تقريب وجهات النظر.. ودوره يثير «حساسية» عون

المصالحات في لبنان بين تفعيل لدور سليمان والاستثمار في سبيل الاستقرار

TT

يسود توافق ضمني بين الأقطاب السياسيين في لبنان على أن الأحوال تتجه إلى الاستقرار لأنها محكومة بسقف الاتفاق الذي أنتجته القمة السعودية ـ السورية من خلال مفاعيلها التي تظهر تباعا. ولدى سؤال أحدهم عن احتمالات العودة إلى الصراع السياسي الحاد، يأتي الجواب بأن الأمور الخلافية قد تأخذ وقتا أطول للحل، من دون أن يؤدي الخلاف إلى تصادم أو تأزيم أو شلل كما كان يحصل في السابق. والدليل تعكسه المصالحات التي ينتظر أن تعم جميع خصوم الأمس. ويأتي دور رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان بارزا في هذا الإطار، ليس فقط على خلفية جمعه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية أول من أمس في لقاء تصالحي، ولكن من خلال بصمته الواضحة في تقريب وجهات النظر بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون وتذليل العقبات الداخلية والخارجية من خلال متابعته الأوضاع وتنسيقه الدائم مع الحريري وإجرائه الاتصالات اللازمة. ولعل أوضح إشارة إلى دور سليمان، جاءت أول من أمس على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال إن «بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية) مركز الالتقاء والتلاقي بين جميع اللبنانيين»، مشددا على أن سليمان «يعمل لمصلحة لبنان». ويراهن أكثر من طرف على أن رئيسي الجمهورية والحكومة لن يوفرا فرصة لاستغلال فترة الاسترخاء الحالية ليقودا البلاد من مرحلة الاستقرار السلبي إلى مرحلة الإنتاج، كلٌ من موقعه وبحكم مسؤولياته. وبالتالي من المتوقع أن تنعكس هذه الجهود ليس فقط من خلال المصالحات، ولكن من خلال عمل مجلس الوزراء بعد إنجاز البيان الوزاري ونيل الحكومة الثقة في مجلس النواب.

ويقول عدنان السيد حسين، وزير الدولة في فريق عمل سليمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «دور رئيس الجمهورية أبعد من توليه المصالحات، لأنه يتمحور حول إرساء سياسة التوافق الوطني وتكريس الحوار بين القوى السياسية والاجتماعية». ويضيف «لقد قطعنا شوطا كبيرا في هذا المجال، سواء على طاولة الحوار قبل الانتخابات، أو بعد ذلك وخلال المفاوضات لتأليف الحكومة، وهناك تكملة لهذا المشروع التوافقي بعد نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي ومباشرتها مسؤولياتها».

أما عقاب صقر، النائب المقرب من رئيس الحكومة سعد الحريري، فيعتبر أن «دور رئيس الجمهورية يقوى وينشط في فترة الاستقرار، ويتمكن بالتالي من إجراء المصالحات بين القوى السياسية باعتباره ليس طرفا». ويقول إن «الأوضاع الحالية مستقرة ومحكومة بسقف التفاهم السعودي ـ السوري القاضي بتحييد لبنان، على شرط ألا يهتز هذا التفاهم من الجانب الإيراني، الذي لم ينجز حتى اليوم تسويته مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ولا تزال ملفاته ساخنة في العلاقات مع الدول العربية بانتظار نضج التسوية التي يبدو أنها ستأتي». ويضيف «لذا لا نزال نتخوف من حالات جمود أو صدمات سلبية قد تنعكس تشنجا في لبنان... هناك شبكة أمان عربية مصحوبة بشبكة أمان لبنانية أدت إلى تحييد لبنان وليس سحبه من التداول كورقة يمكن استخدامها. وقد تم إمرار تأليف الحكومة وإجراء المصالحات بفعل هذه الشبكة. لكن الأمان يتكرس عندما تدخل إيران في التسوية التي تفرض على المجتمع الدولي الحفاظ على مصالحها، كما تفرض على إيران الحفاظ على مصالح الدول العربية وعدم تهديد أمنها واعتبارها دولا شقيقة». ويرى صقر أن هذه المرحلة تعزز دور سليمان والحريري، «وتنقل البلاد من مرحلة الاستقرار إلى مرحلة الإنتاج، وتنسحب المصالحات على الجميع وبفعالية يستفيد منها لبنان وتنعكس هذه الفائدة على المشهد الإقليمي». ويقول إن «الهدوء في لبنان عامل مساعد للمنطقة، لكن أي توتر إقليمي لا بد سينعكس عندنا».

ويؤكد السيد حسين أن المصالحات ستستمر بفعل جهود سليمان. ويقول إن «رئاسة الجمهورية مستمرة في سياسة التوافق والحوار منذ اليوم الأول للعهد، وهذه السياسة ثابتة تعززها أجواء داخلية وخارجية ملائمة لتثبيتها على أسس قوية». ويرى أنه «في نهاية المطاف الجميع محكومون بالقواعد الميثاقية التي نشأت عليها الدولة وبموجب اتفاق الطائف الذي يشكل ميثاقا وطنيا يجتمع حوله اللبنانيون». ويضيف «في المرحلة المقبلة هناك تسابق بين القوى كافة، وألاحظ أن هناك جوا من الاسترخاء عند الجميع، أسبابه داخلية وخارجية ويجب أن تستغل هذه الفرصة».

ماذا عن الساحة المسيحية، وكيف سيتقبل قادتها السياسيون دور سليمان ودعوته إلى المصالحات؟ وكيف يمكن ردم الفجوة بين أقطاب لكل منه أجندته الخاصة والهادفة إلى التفوق على الآخرين؟ فالاصطفافات واضحة على الرغم من تجميلها حتى بين الحلفاء. وتجنبا لأي تفسير «مغرض» سارعت مصادر كل من جنبلاط وفرنجية إلى التأكيد أنه «من الخطأ تسويق اللقاء على أنه ضد عون». كذلك تبرز «حساسية» عون تجاه «الوساطة الرئاسية» من خلال تعليقه على لقائه البطريرك الماروني نصر الله صفير بقوله أول من أمس «إنه لا يحتاج إلى أحد ليزور صفير. يكفي أن يستقل سيارته ويذهب إليه». كما أن عون لا يتحدث عن دور رئيس الجمهورية في إطار جمع الأقطاب وتقريب وجهات النظر بينهم. ويرى البعض أن الأمر طبيعي في إطار تجاذب الزعامة في الشارع المسيحي. فهناك من يرى أن «للمصالحات في الساحة المسيحية جانبا آخر يتعلق برئيس الجمهورية المسيحي، والذي يعمل على استعادة دوره بعد فترة غلب عليها التوتر قبل الانتخابات النيابية. فحركة سليمان تدل على أنه يفرض نفسه مرجعية من شأنها أن تضعف دور المرجعيات المسيحية الأخرى، وسوف يبرز هذا الواقع من خلال العمل الحكومي حيث للرئيس خمسة وزراء.

يجيب السيد حسين على هذه الأسئلة، فيقول «رئيس الجمهورية كونه رئيس الدولة بموجب الدستور هو المرجعية السياسية الأولى في لبنان، وهو يتحرك على هذا الأساس، وعلى اللبنانيين التعامل معه على هذا الأساس. إلا أن سياسة التوافق الوطني التي يقودها لا تعني إلغاء التعددية السياسية لحساب فريق واحد، فلبنان معروف بتعدديته. لكن يبقى الهدف حماية السلم الأهلي، والجهود مستمرة لإرساء أسس التوافق والحوار بين كل الفئات، مسيحية أو غير مسيحية، لكنها لا تختصر الأفرقاء الآخرين ولا تلغي عملهم».

ويوافق صقر على أن «دور رئيس الجمهورية من خلال خطوته لإزالة التباينات بين الأطراف السياسية سيعزز حضوره المسيحي ويضعف أطرافا أخرى».

ولكن هل تؤدي هذه المصالحات إلى تفعيل دور رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء ليحسم الأمور العالقة بسبب التجاذبات التي قد تطرأ عند كل استحقاق وتحديدا التعيينات، وبالتالي على الساحة اللبنانية في ظل وجود قوى تنسب إلى نفسها تمثيل طوائفها؟

يقول السيد حسين «سليمان يقوم بهذا الدور منذ تسلمه مسؤوليات الرئاسة. ومن المرجح أن يقوم بدور أكثر فعالية، خصوصا أن لديه فريقا وزاريا وازنا داخل مجلس الوزراء، وبالتالي سيكون قادرا على البت في النزاعات التي قد تنشأ بين الأفرقاء السياسيين. وهذا درب طويل يلتزم به سليمان مهما كانت الصعوبات وصولا إلى استكمال بناء الدولة وإعادة الانتظام إلى كل المؤسسات».