سفير السودان بواشنطن: أتمنى أن يزور أوباما جوبا.. ويعلن بلغة «لو» أنه سوداني

أكيج كوج لـ «الشرق الأوسط»: على طريقة جنوب أفريقيا.. نريد لجنة حقيقة ومصالحة لدارفور

TT

مع عودة الجنرال المتقاعد سكوت غرايشن، مبعوث الرئيس باراك أوباما للسودان، إلى السودان مرة أخرى، تمهيدا لجولة مفاوضات جديدة في الدوحة بين حكومة السودان ومتمردي دارفور، قال أكيج كوج، سفير السودان في واشنطن، انه متفائل بالدور الأميركي الجديد في السودان. وأشاد كثيرا بالجنرال غرايشن.

ولد السفير يوم 1-1-1956، يوم استقلال السودان، ولهذا قال، وهو الطبيب الذي صار دبلوماسيا، إن السودان لم يشهد استقرارا منذ استقلاله. لكنه، وهو من جنوب السودان، قال إن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب سنة 2005 خطوة مهم نحو ذلك الاستقرار. وتوقع أن تثمر الجهود الأميركية لحل مشكلة دارفور، ولإحلال السلام والاستقرار في كل السودان، وتمنى زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى جوبا عاصمة الإقليم الجنوبي، والتحدث بلغة «لو» القبيلة التي ينتمي إليها وتمتد جذورها في جنوب السودان، ويعلن انه سوداني.

*عاد الجنرال غرايشن إلى الخرطوم، للمرة الخامسة في منصبه الجديد. ماذا يفعل؟ وما هو تقييمكم لجهوده؟

- أنا قابلت غرايشن مرات كثيرة. ومنذ أول مؤتمر عقده في واشنطن في بداية مهمته، ودعا له أطراف وحكومات أجنبية، كان واضحا انه جاد في ما يهدف له، وجاد في وضع خطط منظمة ومنسقة لتنفيذ ما يهدف له. ونحن نرحب بجهوده، ونعمل كل ما نقدر عليه على تسهيل مهمته وعلى إنجاحها. سواء بالنسبة لدارفور، أو جنوب السودان، أو السودان كله.

*ما تقييمكم للعلاقات السودانية الأميركية في الوقت الحاضر؟

- منذ أكثر من عشر سنوات، منذ إدارة الرئيس كلينتون، ثم إدارة الرئيس بوش الابن، كانت العلاقات متوترة جدا، بل حدثت تصادمات ومواجهات كثيرة. لكن، طبعا بسبب جهود الجنرال غرايشن، وبعد أن أعلن الرئيس باراك أوباما سياسته الجديدة نحو السودان، صار واضحا أن العلاقات تغيرت تغييرا كاملا. ونحن متفائلون جدا. منذ سنوات كثيرة، لم يحدث أن كانت العلاقات في مثل هذه الصورة الحسنة. ليست الأمثل، لكنها الأحسن.

*لكن، توجد منظمات أميركية، مثل «إنقاذ دارفور» و«إيناف»، كانت انتقدت سياسة أوباما نحو السودان، وفي إعلانات كبيرة في صحف أميركية رئيسية؟

- وجد، في الولايات المتحدة وغيرها، من يريد تشويه سمعة السودان، ليس في موضوع دارفور فقط، ولكن في مواضيع أخرى. يبدو لهؤلاء أن السودان هدف سهل. لكن، ظل السودان يرحب بكل من يريد التعاون معه سلميا، ومن دون إثارات إعلامية. والآن، في عهد الرئيس أوباما الذي مد يديه إلى كثير من الدول، بما في ذلك السودان، نتمنى أن يتعاون الجميع معه.

*تستهدف بعض هذه المنظمات الأميركية الرئيس عمر البشير شخصيا، وتريد منه أن يقدم نفسه إلى محكمة الجنايات الدولية التي كانت أدانته بتهمة ارتكاب مذابح في دارفور؟

- طبعا، في الولايات المتحدة تقدر كل منظمة على أن تقول رأيها. لكن، بالنسبة للسودان، صار واضحا أن الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ودول عدم الانحياز تعارض قرار محكمة الجنايات الدولية. هذه نقطة، والنقطة الثانية هي أن هناك جهودا مكثفة الآن لحل مشكلة دارفور، وفعلا، حققت تقدما كبيرا. لماذا لا يترك لهذه الجهود لتنجح، بدلا من تعقيد الأمور بمواضيع ثانوية؟

*كيف ستحل مشكلة دارفور نهائيا؟

- تقوم دول افريقية بجهود مكثفة لحل مشكلة دارفور. وطبعا، لابد من وقف النار، ثم تحقيق السلام. لكن، يحتاج تحقيق السلام إلى إرساء قواعد العدل. لهذا، يمكن الاستفادة من تجربة جنوب أفريقيا التي، بعد نهاية حكم الأقلية البيضاء، أسست «لجنة الحقيقة والمصالحة» التي عقدت جلسات لفتح صفحة جديدة. وفي الحقيقة، العفو والتسامح جزء من الثقافة الأفريقية. وأيضا بالنسبة لجنوب السودان، عندما وقعنا اتفاقية السلام، قررنا فتح صفحة جديدة والتغاضي عما حدث خلال الحرب الأهلية من جانب الشماليين والجنوبيين. ليست مثل هذه الحلول هي الأفضل. لكن، ما دام الهدف النهائي هو السلام وفتح صفحة جديدة.

*مؤخرا، عندما كان سلفا كير، نائب الرئيس البشير ورئيس حكومة الجنوب في القاهرة، قال إنه يؤيد بقاء الجنوب جزءا من السودان الموحد. (لكنه، في وقت لاحق، في كنيسة في الجنوب، شجع الجنوبيين على الانفصال. ثم أصدر بيانا قال فيه انه لا يريد الانفصال)؟

- أنتمي أنا إلى الحركة الشعبية التي يقودها سلفا كير. وهو رئيس وأخ وزميل. وأنا أقول له إن كل العالم يتجه نحو الوحدة والتقارب. وأنا أرحب بجهود مصر، وغيرها من الدول، لتشجيع الجنوب ليصوت في الاستفتاء مع السودان الواحد.

*في وقت سابق في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، قال ازيكيل غاتكوث، ممثل حكومة جنوب السودان في واشنطن، انه، لو أجري الاستفتاء الآن، سيصوت الجنوبيون مع الانفصال؟

- أيضا، يقول كثير من الجنوبيين إنهم سيصوتون مع وحدة السودان إذا جعلها الشماليون «جذابة». وأنا أعتقد أن الوحدة يمكن أن تكون «جذابة». ولا تنس أن أمامنا سنتين للاستفتاء. لهذا، أمامنا وقت كاف. وفعلا، خططت حكومة السودان لمشاريع إنمائية وتعميرية كثيرة في الجنوب في مجالات الطرق، والتعليم، والصحة وغيرها.

*يرفع غاتكوث، في مكتب حكومة جنوب السودان في واشنطن، علم جنوب السودان، من دون علم السودان إلى جواره. هل هذا رمز لفصل الجنوب؟

- أمثل أنا هنا حكومة السودان، وهي حكومة وحدة وطنية فيها ممثلون للحركة الشعبية التي عقدت اتفاقية السلام سنة 2005 مع الشماليين. ولهذا، أرفع هنا علم السودان فقط. لكني أفضل ألا أضخم الموضوع. لن أضغط على غاتكوث ليرفع علم السودان مع علم الجنوب. وعلاقتي معه ودية جدا. ونحن الاثنان عضوان في الحركة الشعبية. ومرات كثيرة، زار مسؤولون في حكومة السودان واشنطن، وزاروا السفارة هنا، وأيضا زاروا مكتب جنوب السودان.

*مثلما يشتكي جنوبيون من حكومة البشير، يشتكي شماليون من حكومة الجنوب. مثل أنها تعرقل انتشار الإسلام في الجنوب؟

- هذا خطأ. نعم، المسلمون أقلية في الجنوب. لكن، لا توجد مشاكل بينهم وبين بقية السكان. وتوجد لجنة لرعاية المصالح الإسلامية في الجنوب. يترأسها الطاهر عبد الله الجاك، الذي ولد مسلما، وكان والده مسلما. هذه نقطة، والنقطة الثانية هي أنه لا يوجد حاجز بين حكومة الجنوب والدول العربية والإسلامية. وتسافر وفود من الجنوب إلى هذه الدول بحثا عن استثمارات مالية. وفعلا، استثمرت بعض هذه الدول في الجنوب، وبنت بعضها مساجد هناك.

*مؤخرا، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، شن لام أكول، وزير الخارجية السابق، الذي انفصل عن الحركة الشعبية، وأسس حزبا جديدا، هجوما عنيفا على حكومة جنوب السودان، واتهمها بالفساد؟

- لام أكول صديقي منذ أن كنا في جامعة الخرطوم. وعملنا معا في الحركة الشعبية، وكنت مساعدا له. طبعا، اختلفت معه لأنه خرج من الحركة، وأسس حزبا جديدا. لكن، أنا الآن سفير في واشنطن، وأفضل ألا أتحدث في موضوع حزبي.

*ماذا عن اتهامات لام أكول لحكومة جنوب السودان، حكومة الحركة، بالفساد؟

- يوجد الفساد في كل مكان، وأعرف أن حكومة الجنوب تعمل للقضاء عليه.

*يوجد الفساد أيضا في حكومة السودان في الخرطوم؟

- أيضا، تعمل حكومة السودان للقضاء عليه.

*جون أكيج، سفير السودان في واشنطن قبلك، وأيضا قائد في الحركة الشعبية، اشتكى كثيرا من سوء معاملة الإعلام الأميركي له. وقال إن السبب هو أنه كان يمثل حكومة الرئيس عمر البشير، وكان يدافع عن سياساته في دارفور، وفي الجنوب. وأيضا، اشتكى من مقاطعة كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، وأعضاء الكونغرس. وقال إن أعضاء الكونغرس قابلوه كثيرا، وساعدوه، خلال سنوات الحرب ضد حكومة البشير. لكنهم غيروا مواقفهم بعد اتفاقية السلام، وبعد أن انضمت الحركة إلى حكومة البشير. هل تواجهك مشاكل مشابهة؟

- لا أعتقد أن هناك أسبابا شخصية بالنسبة للسفير السابق. لكني لم أواجه أي مشكلة منذ أن جئت إلى واشنطن. أقابل كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، وطبعا، أقابل الجنرال غرايشن. وأيضا، أعضاء الكونغرس، ومؤخرا، عندما زارنا غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس، وحامل ملف دارفور، قابلنا أعضاء في الكونغرس، مثل السناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية.

*كيف ترى مستقبل العلاقات السودانية الأميركية؟

- أنا متفائل جدا. ليس فقط في حل مشاكل السودان، وفي توقع أدوار إيجابية أميركية، ولكن، أيضا، في توثيق العلاقات الثقافية والإنسانية، خاصة لأن السودان، مثل أميركا، مجتمع تعددي، ومتنوع. وأنا متفائل لدور الرئيس أوباما. واعتقد أن أوباما ليس غريبا على السودان، وخاصة جنوب السودان. لا تنس أن قبيلة «لو» التي ينتمي إليها أوباما تعيش بالقرب من بحيرة فيكتوريا، وتمتد من كينيا إلى أوغندا إلى السودان. ولغتها لغة «نيلية». ولغة «لو» هي نفس لغة قبائل في جنوب السودان، مثل الدينكا والنوير والباريه والشلك. لهذا، أتمنى أن يأتي اليوم الذي يتحقق فيه السلام في السودان، ويزور الرئيس أوباما السودان، ويزور جوبا، وهناك يعلن بلغة «لو» انه سوداني.