لبنان: خلافات داخلية في حزب عون تدفع برفيق دربه إلى الدعوة لمؤتمر لـ«تصحيح الاعوجاج»

ماريو عون لـ «الشرق الأوسط»: الجنرال ليس ديكتاتوريا.. وعلاقته بأبو جمرة جيدة حتى إشعار آخر

TT

تزامن إعلان التشكيلة الحكومية في لبنان مع «حالة اعتراض» داخل صفوف «التيار الوطني الحر» الذي يقوده رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وقد أخرج هذه الحالة إلى العلن أحد أبرز مؤسسي التيار ورفيق درب عون، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام أبو جمرة، عندما جاهر باعتراضه على اختيار عون وزيرين من خارج «التيار الوطني الحر»، هما وزير الاتصالات شربل نحاس، ووزير السياحة فادي عبود. وقال إنه كان من المفترض اختيار كفاءات من داخل التيار.

وقد تم تصنيف كلام أبو جمرة وكأنه أشبه بـ«حركة تصحيحية»، وتم البناء عليه للإشارة إلى الوضع الداخلي للتيار في ظل ما يتردد عن أن فئة لا يستهان بها من المحازبين غير راضية عن اكتفاء عون بتوزير صهره وزير الطاقة جبران باسيل وعدم الاهتمام بالكفاءات الموجودة في صفوفهم. وقد شجع بموقفه المعترض عددا من «العونيين» الذين رأوا أن الفرصة سانحة لتفعيل تحركهم وتحويل «التيار الوطني الحر» إلى مؤسسة حزبية حقيقية، وليس مؤسسة «عائلية» يتكفل شخص واحد بإدارة أمورها.

وفي حين يرى البعض أن الحالة الاعتراضية ليست جديدة وليست الأولى، وقد سبقتها حالات ومحطات كثيرة خلال الأشهر والسنوات الماضية، إلا أن الخروج من التيار بقي ذات صبغة فردية، ولم يكن حركة جماعية يمكن أن تؤثر عليه كما هو الوضع الراهن. لذا ترافق موقف أبو جمرة وطلبه عقد مؤتمر تأسيسي، مع مسارعة عون إلى تشكيل لجنة مهمتها عقد اجتماعات هدفها «إعادة تنظيم التيار الوطني الحر، وستنجز مهمتها قبل نهاية العام الجاري». وتتألف من: جبران باسيل، بيار رفول، نعيم عون، زياد عبس، كارلا سعادة، نبيل شديد، رومل صادر، وغابي عبود.

وفي حين تشير مصادر التيار إلى أن عمل اللجنة ليس مرتبطا بالانتقادات التي تلت تأليف الحكومة، يؤكد أبو جمرة لـ«الشرق الأوسط» أن هدفه ليس «التشهير بالتيار»، ويقول: «ما طلبته من الجنرال عون هو تصحيح وضع داخلي، ويجب أن يحل داخليا، وغير ممكن أن يبحث عبر وسائل الإعلام بشكل استفزازي». وأضاف: «ما أطلبه هو العودة إلى النظام ودعوة الهيئة التأسيسية للتيار إلى الاجتماع، وبحث كل الأمور بديمقراطية. وعلى المسؤولين أن يقرروا إذا كانوا يريدون الاستجابة أم لا».

أبو جمرة الذي بدا غاضبا من بعض ما ورد في الصحف تفسيرا لموقفه، قال: «أنا أحب التيار الوطني الحر. وأنا من مؤسسيه وأحد أهم أعمدته. ولو لم تكن هناك ضرورة لتصحيح الاعوجاج الذي أشعر بوجوده لما اتخذت مثل هذا الموقف». وأضاف: «أتمنى أن يؤثر ما أقوم به إيجابيا. والأمور مرتبطة برد الفعل. وأنا أعرف أن العماد عون سيتفهم ويقوم بما هو في مصلحة التيار». وأشار إلى رفضه «كل ما يقال أو ينسب إليه من معلومات تضر برفاق درب طويل شاركوا وضحوا بالكثير لتأسيس التيار». وكرر الطلب من «عون العودة إلى النظام ودعوة الهيئة التأسيسية إلى الاجتماع وطرح الثقة للخروج مما حصل، بالروح الديمقراطية، وذلك واحتراما لقدرة عناصر التيار المميزة وتقديرا لمبدأ إصلاح البيت الداخلي لهذا الخط الوطني».

وفي حين يؤشر تشكيل هذه اللجنة إلى وجود حالة اعتراضية في صفوف «التيار الوطني الحر»، يقول الوزير السابق والقيادي في التيار ماريو عون لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر ليس كما يصور في الإعلام. هناك بعض المعترضين، والأمر موجود في كل حزب. وطبيعي أن نسمع اعتراضات على مسألة اختيار الوزراء. إلا أن الجنرال عون يمسك بالوضع الداخلي جيدا ومعه القياديون في التيار. واللجنة التي شكلها تجتمع بوتيرة مكثفة للمسارعة في عملية إعادة التنظيم التي يجب أن تنجز قبل آخر السنة».

ويضيف: «الوضع داخلي والخلاف الحاصل تم تضخيمه، ولا حيثية لما يتردد عن أن عون رفض استقبال أبو جمرة الذي يملك الحق في الاعتراض على بعض الأمور، ويطلب انعقاد الهيئة التأسيسية ليورد ملاحظاته».

وعن العلاقة الحالية بين عون وأبو جمرة، يقول ماريو عون: «العلاقات جيدة حتى إشعار آخر. لا شرخ في العلاقة، ولكن اختلاف في وجهات النظر. جميعنا لدينا ملاحظات، والجنرال عون يستمع إليها برحابة صدر. والتيار هو في طور عملية تنظيم لصفوفه. ولا حالة اعتراضية كما يصورها البعض وكأنها حالة انقسامية بين إصلاحيين وتقليديين. نحن نعالج الأمور بهدوء ويجب عدم استعجال النتائج».

ويبرر ماريو عون «الملاحظات» الصادرة عن بعض محازبي التيار، فيقول: «استوعب التيار كما هائلا من المنتسبين قارب السبعين ألفا، لذا من الطبيعي أن تتعدد الآراء، وأن تكبر الحاجة إلى التنظيم مع هذا العدد. وقد نمر بمرحلة غير ديمقراطية لنصل إلى تنظيم ديمقراطي متين. وعلى عكس ما يتصوره البعض.. الجنرال عون ليس ديكتاتوريا لكن البعض يستعجل الأمور ويصر على أن تكون كما يريدها. وطبيعي في مثل هذه الحال أن تحصل بعض النتوءات كون التيار ينمو».

وعن اعتماد الجنرال عون «مقاييس عائلية» في خياراته، ومنها ترشيح أقاربه سواء في النيابة أو الوزارة، كما في حالة ابن شقيقته النائب آلان عون أو الوزير باسيل، الأمر الذي أثار الانتقادات، يقول ماريو عون: «قد تكون عند البعض أسئلة بهذا الخصوص، لكني أعرف كفاءة آلان عون وباسيل. ولا علاقة للقرابة في وصولهما مع غيرهما إلى مناصب يستحقونها. فذلك كان وليد مراحل كثيرة وتحديات. وهذه الأمور كلها قابلة للنقاش عندما يحين الوقت المناسب. فالجنرال عون هو رمز كبير تماما كما كان الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول. وهو مؤسس التيار وأب له. وهو قادر على التصرف بما يراه في مصلحة التيار والوطن. ونحن لدينا ملء الثقة بقراراته، حتى عندما يتعلق الأمر بابن شقيقته وصهره. علينا كمسؤولين حزبيين أن نقبل. وفي وجود الجنرال لا حديث عن وراثة أو عائلية، وبعد عمر طويل سيخلق التيار آليته الديمقراطية».

هذا في الإطار الرسمي، أما على صعيد الشارع فتبين الحوارات مع «العونيين» الملتزمين أنهم يوالون قائدهم «ظالما كان أو مظلوما»، فهم يعتبرون أن «عون لا يخطئ.. وأن كل من يخالفه الرأي هو المخطئ أو الطامح إلى مركز، أو المغرض أو المدسوس». ولا مجال للمناقشة معهم. ويقول أحد العونيين السابقين، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، إن «شعبية عون ليست في مقوماته كقائد، إنما في حاجة المسيحيين إلى قائد كما باقي الطوائف في لبنان. هو بالنسبة إلى مؤيديه البديل عن القوات في زمن بشير الجميل». ويضيف: «عندما يدور نقاش في الصالونات، نلاحظ أن من يؤيد عون لا يسمح بانتقاده، ويهاجم المنتقدين بشكل لا يسمح بالحوار. العونيون يستشرسون للدفاع عن قائدهم ويرونه منزها عن الخطأ. وهذه حال غالبية الذين يؤيدون الشخص وليس الخط السياسي والمشروع».

ويشير إلى أن «ما سوف يغير واقع التأييد الشعبي لعون مع مرور الوقت هو أن القوات والكتائب يتكلمون عن مشروع مسيحي أو مجتمع مسيحي، وعن ثورة الأرز، وعن رفض المجتمع المسيحي الاكتفاء بالعلاقات الجيدة مع سورية وإيران على حساب العلاقات مع الدول العربية المعتدلة والدول الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية. فهم يريدون لبنان المنفتح وليس الانسياق إلى شخص وتأليهه والقبول بأن يأخذهم إلى مواقع لا تنسجم مع طبيعة مجتمعهم وثقافتهم». ويضيف أن «أكثر ما يلفت النظر في مواقف العونيين نراه في الاجتماعات ذات الطابع الاقتصادي والصناعي، فهم وإن كانوا في قرارة أنفسهم يفضلون رؤية رئيس الحكومة سعد الحريري في هذا المجال، إلا أنهم يلتزمون الصمت عندما تطرح قضايا أو مشاريع تحمل هذه الرؤية، ليس اقتناعا منهم بالصمت أو الرفض، ولكن ولاء منهم للخط الذي ينتهجه عون حاليا».