الرئيس اللبناني يدعو إلى إصلاح الثغرات الدستورية لتمكين السلطات من ممارسة دورها

سليمان يؤكد وجود نية سورية لترسيم الحدود مع بلاده

جنود لبنانيون يستعدون للعرض العسكري الذي جرى تنظيمه أمس في بيروت بمناسبة ذكرى استقلال لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

بينما دعا الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان إلى ضرورة «إصلاح الثغرات الدستورية، وإقامة التوازن بين المسؤوليات والصلاحيات لتمكين السلطات بما فيها رئاسة الجمهورية من ممارسة دورها»، أكد وجود نية سورية لترسيم الحدود مع لبنان، مشيدا بـ«التفاهم الكبير بين الموقفين اللبناني والسوري».

وجاء كلام سليمان في حوار أجراه مع الجسم الإعلامي اللبناني عقب توجيهه مساء أول من أمس رسالة إلى اللبنانيين بمناسبة الذكرى الـ66 للاستقلال. وعمّت الاحتفالات بالعيد لبنان أمس، وكانت ذروتها العرض العسكري الذي أقيم في وسط بيروت في حضور سليمان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء سعد الحريري، وكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين وسفراء وشخصيات. وأعقبت العرضَ العسكري استقبالات بالقصر الجمهوري استمرت طوال اليوم. ولوحظ غياب رئيسي الجمهورية السابقين أمين الجميل وإميل لحود عن استقبالات القصر، علما أن الأول حضر العرض العسكري. أما في رسالة الاستقلال فقال سليمان إن «استقلالنا الوطني ليس مجرد محطة من الماضي، إنما هو فعل إيمان بالحوار والعيش المشترك والتطلّع إلى دولة القانون والمؤسسات التي نريد. إنها دولة الاستقلال، التي بدأت ترسّخ مسيرتها بسواعد شبابها الذين حرّروا أرض الوطن، وقاوموا العدو الإسرائيلي، وتصدوا للإرهاب وهزموه».

ولفت سليمان إلى أنه «خلال سنة ونصف السنة توطدت الثقة بين اللبنانيين على الرغم من مجمل التحديات الضاغطة. وها نحن نتابع مسيرة ترسيخ الأمن الوطني. وبموازاة ذلك، فقد تَمكّن لبنان من استعادة موقعه ومكانته ودوره على الساحة الدوليّة، وتعزيز علاقاته مع الدول على أعلى المستويات، على قاعدة المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل». وأكد سليمان أن «العلاقات اللبنانية ـ السورية تخطو إلى الأمام بعد وضعها على مسارها الثابت والصحيح، وبعد إنجاز الخطوة التاريخية المتمثلة بإرساء العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين». وزاد قائلا: «نريد للعلاقات المتنامية بين لبنان وسورية وسائر الدول العربية أن تتطور في المجالات كافة، ليس فقط على الصعيدين الرسمي والحكومي، بل كذلك على الصعيد الأهلي، وبين مختلف القطاعات الإنتاجية وصولا إلى حالة من التعاون الاقتصادي والاجتماعي الأمثل».

وأضاف أن لبنان من خلال انتخابه أخيرا للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن سيعمل «على حماية مصالحه الوطنية، والدفاع عن قضايا العرب المحقة، والمشاركة في البحث عن حلول سلمية وعادلة للمشكلات والنزاعات المطروحة على الساحة الدولية. وفي طليعة هذه القضايا قضية فلسطين والقدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومواجهة العدوانية العنصرية التي دانها تقرير (غولدستون) في الأمم المتحدة».ونبه سليمان إلى أنه «من أجل منع أي شكل من أشكال التوطين ينبغي وضع خطة عملية تضمن ذلك، بالإضافة إلى تنقية العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية من الشوائب التي اعترت صفاءها، وتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار اللبناني المتعلقة بمعالجة السلاح الفلسطيني إلى جانب المسائل الحياتية».

وتحدث سليمان عن ضرورة «الشروع في بناء مؤسسات الدولة وفق رؤية جديدة قائمة على الحداثة والانفتاح وصون حقوق المواطنين». وقال: «لقد سبق أن أشرت في كلمتي إليكم العام الماضي، إلى أن فلسفة الكيان اللبناني قائمة على التوافق، وأن الاعتدال في لبنان شكل من أشكال البطولة، بعدما عانى، طوال عقود، من آفات التطرف والاقتتال والتدمير والتهجير».

ورأى سليمان أن «الإصلاح الشامل يجب أن يستند إلى نهج الشجاعة في قول الحق والمساءلة والمحاسبة، وأيضا نهج الحوار والحكمة والاعتدال انطلاقا من روح الميثاق الوطني في مقاربة قضايانا الداخلية الشائكة، وذلك على قاعدة المصلحة الوطنية العليا والخير العام. ونحن ما زلنا نعمل في ضوء التوجه الذي رسمناه في خطاب القسم».

وجزم سليمان بأن أي إصلاح أو تطوير للنظام «يجب أن يخدم هدفنا في بناء الدولة. وبغية الحفاظ على المشاركة الكاملة بما لا يناقض ميثاق العيش المشترك، الذي يسبغ الفرادة على نظامنا، تبرز الحاجة إلى تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وتطوير قانون الانتخابات النيابية لإنتاج التمثيل الأفضل، وإعادة الحقوق للمغتربين بما فيها حق الجنسية والانتخاب».

وأضاف سليمان أنه في سياق السعي «لتحقيق التوازن المطلوب بين الصلاحيات والمسؤوليات، تمكينا للمؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية، من تأدية دورها الوطني»، يظل التوافق هو الشرط الضروري لإنجاز هذه الأهداف، وذلك طبقا لنص الدستور وروحه بعيدا عن المحاصصة، وتوزيع المسؤوليات لا تنازع الصلاحيات. وأشار سليمان إلى أن «هذا التوجه لا يستقيم دون معالجة الثغرات التي ظهرت في عمل السلطات الدستورية، وذلك بعد مضيّ عقدين على اعتماد اتفاق الطائف ميثاقا وطنيا بمثابة العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، والذي لا بد لنا من المضي في السعي لتطبيق كامل بنوده».

وعبّر سليمان عن أمله في أن تنجح حكومة الوحدة الوطنية في «تحقيق ورشة الإصلاح، وحل المشكلات المتراكمة للمواطنين. كما يمكن لهيئة الحوار الوطني، التي ستلتئم قريبا، إيجاد المناخات المناسبة للمضي قدما في هذا التوجه الإصلاحي». وأوضح أن «هيئة الحوار هذه لن تكون سلطة جديدة منافسة أو موازية للسلطة التنفيذية، وهي لا تنوب عنها بالتأكيد، ولا تتعارض مع عملها ومبادراتها. بل يمكنها أن تعمل كإطار وطني جامع، لتعزيز المناقشة الهادئة والحوار، ومواكبة السلطات الشرعية بإيجاد المناخ الملائم لتمكينها من الاضطلاع بدورها والمسؤوليات الموكولة إليها بموجب الدستور».

وأشاد سليمان بنجاح الإرادة الوطنية الجامعة «في التصدي للعدوان الإسرائيلي وتحرير معظم الأرض ومواجهة ظاهرة الإرهاب»، وقال إن هذه الإرادة «أظهرت جدارة لبنان بامتلاك عناصر القوة والقدرة، وتثبيت نفسه بين الأمم، كوطن منيع السياج، محتفظا بحقه في المقاومة لاسترجاع ما تبقى من أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر بكل الوسائل المشروعة والقدرات المتاحة».