داوود جيلاني.. متهم بالإرهاب له أصول شرقية وغربية

تنازعته ثقافتان.. وفي الولايات المتحدة انجذب إلى الفكر الأصولي

داوود جيلاني في طفولته مع شقيقته وأمه الأميركية (نيويورك تايمز)
TT

تُظهر الرحلة من مدرسة باكستانية متشددة إلى نادي بوهيمي في فيلادلفيا حياة ديفيد هيدلي، حسب ما يقوله أشخاص يعرفون الرجل المتهم بالضلوع في عمل إرهابي عالمي. أشرف على تربية هيدلي أبوه داخل باكستان، وعلمه الأب كيف يكون مسلما ورعا، وعندما بلغ هيدلي السابعة عشرة من عمره انتقل إلى فيلادلفيا ليعيش مع أمه الأميركية، وهي ناشطة مجتمعية سابقة تدير حانة اسمها «ممر خيبر». وهيدلي هو أصولي إسلامي لديه زوجة باكستانية تقليدية تعيش مع أطفالها في شيكاغو. وحسب المكان الذي يوجد فيه، يستخدم هيدلي أحد اسمين: الاسم الذي استخدمه في الولايات المتحدة، ديفيد هيدلي، أو الاسم الأردي، الذي أطلق عليه عند مولده، داوود جيلاني. وتشير عيناه إلى أن أصوله تعود إلى مكانين مختلفين، حيث إن إحدى العينين بنية اللون والأخرى خضراء. ويتهم هيدلي، وهو مواطن أميركي، بأنه زعيم خلية شيكاغو التي تآمرت للانتقام من صحيفة هولندية نشرت رسوماً كرتونية عن رسول الإسلام، محمد عليه السلام. وتظهر لائحة الاتهام المرفوعة ضده كيف أنه تمكن من التنقل بسهولة بين عالمين مختلفين، لكن يشير التقرير، الذي ظهر عنه منذ إلقاء القبض عليه، إلى أن هيدلي شعر بأن هناك ثقافتين تتنازعانه، وأنه في النهاية انجذب إلى الثقافة الإسلامية المتطرفة. وكتب هيدلي في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى زملائه في المدرسة العليا في شهر فبراير (شباط) الماضي: «يقول البعض إن (الإرهاب) سلاح الجبناء، لكنني أقول إنه يمكن وصف ذلك بأنه عمل بربري أو غير أخلاقي أو وقح، لكن ليس عملا جبانا». وأضاف: «الشجاعة محصورة في الأمة الإسلامية». وجاءت رسائل هيدلي عبر البريد الإلكتروني، ومن بينها العديد من الرسائل تدافع عن عمليات ضرب العنق والتفجيرات الانتحارية وتصفها بأنها أعمال بطولية، بين الأدلة التي ساقتها الحكومة في قضية رفعتها ضده، وضد شخص آخر اتهم بالتواطؤ معه في المؤامرة، يدعى طهور حسين رانا، وهو مواطن كندي ولد في باكستان ويدير مشروعا تجاريا في شيكاغو. وألقي القبض على الرجلين، اللذين أصبحا صديقين في أكاديمية عسكرية خارج إسلام آباد، خلال الشهر الماضي داخل شيكاغو. واتهم الاثنان بالتخطيط للهجوم على صحيفة «يولاندس بوستن»، وهي الصحيفة الهولندية التي أثارت رسومها الكرتونية مشاعر الغضب في كافة أرجاء العالم الإسلامي. ومنذ ذلك الحين، تجاوز التحقيق شيكاغو وكوبنهاغن، وعلمت السلطات بمساعدة من هيدلي الكثير عن علاقات الرجلين بتنظيمات إرهابية معروفة، منها «القاعدة» وجماعة «عسكر طيبة» الباكستانية، بالإضافة إلى مسؤولين في الحكومة والجيش الباكستاني. ويدرس محققون أميركيون وهنود ما إذا كان الرجلان متورطين في الهجوم الذي وقع داخل مدينة مومباي الهندية، حيث سافرا الاثنان إلى مومباي قبل الهجوم الذي وقع هناك في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويعد هيدلي (49 عاما)، ورانا (48 عاما)، نموذجين على المتطرفين الفقراء الشباب من المدارس الإسلامية المتطرفة، الذين يستهدفون أهدافا داخل أو قريبا من بلادهم، لكن، تجعلهما الخلفية الثقافية وسفرهما إلى مناطق مختلفة أشبه بخالد شيخ محمد، الذي يزعم أنه مهندس هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، الذي كان يدرس في جامعة أميركية، ومحمد عطا، وهو أحد الخاطفين الرئيسيين. وكان والد رانا مديرا سابقا في مدرسة عليا خارج لاهور، ويعمل أحد أخوته طبيبا نفسيا في الجيش الباكستاني وألّف العديد من الكتب، وله أخ يعمل صحافيا في صحيفة «هيلز تايمز» الكندية السياسية.

وبعد أن تدرّب رانا على ممارسة الطب، هاجر إلى كندا عام 1997 وحصل على الجنسية الكندية بعد ذلك بأعوام قليلة. وبعد ذلك نقل زوجته وأطفاله الثلاثة إلى شيكاغو، حيث افتتح شركة سفر تقدم خدمات هجرة في شارع ديفون. وفي عام 2002 دشن مجزر «حلال» وتذبح فيه الماعز والماشية والبقر وفقا للشريعة الإسلامية. ويعيش رانا مع عائلته داخل منزل صغير من الطوب في نورث سايد، ويوجد على سقف المنزل طابق ضخم لاستقبال إشارات الأقمار الصناعية. ويصف الجيران رانا بأنه شخص منعزل نادرا ما يتحدث إلى أحد ولم يلعب أطفاله يوما مع آخرين في الشارع. ويقول ويليام رودوسكي، الذي كان يدير مجزر رانا في كينسمان بولاية إلينوي، على بعد 65 ميلا جنوب غربي شيكاغو: «كان يبدو ملتزما بالدين الإسلامي، وقال إنه يريد إقامة هذا المشروع التجاري حتى يمكنه تقديم اللحم إلى مواطنيه مع كسب القليل من المال». ويقول رودوسكي إنه «صدم بتهم الإرهاب»، وهو نفس ما قاله آخرون كثر كانت لهم علاقات برانا ودخلوا معه في أعمال تجارية. ويضيف: «في حدود ما أعرف، فهو إنسان لطيف جدا ورجل أعمال جيد جدا». لكن، يختلف الوضع نسبيا مع هيدلي، حيث رسم من يعرفوه صورة بها الكثير من المشاكل. ويقول ويليام هيدلي، وهو عم يملك مركز رعاية أطفال في نوتينغام بولاية بنسلفانيا: «لدى معظم الناس تناقضات في حياتهم، ويعرفون كيف يمكنهم التوفيق بينها، لكن، لم يستطع داوود القيام بذلك». ولد داوود جيلاني في واشنطن، حيث كان يعمل والداه لدى السفارة الباكستانية. ويقول أصدقاء للعائلة إن أباه سالم جيلاني، الذي كان دبلوماسيا لبقا وموسيقي وشاعر، وجد طريقه إلى قلب سيريل هيدلي، التي كانت قد تركت مين لاين بولاية فيلادلفيا للعمل سكرتيرة داخل السفارة. وفي عام 1970، غادر الزوجان وطفلهما داوود الولايات المتحدة إلى إنجلترا على متن السفينة «أميركا» ومن هناك ذهب إلى لاهور. ويقول أصدقاء إنه سرعان ما ساءت العلاقة بين الزوجين، حيث إن جيلاني ألزم نفسه بتقاليد موطنه وكان ذلك صعبا على الزوجة. ويقول أصدقاء إنه بعد أن تركت هيدلي جيلاني ولدها وابنتها، التي تدعى سيدة، في باكستان لم تكن هناك معلومات مؤكدة عن حياتها بعد ذلك. وقالت هيدلي، وهي امرأة ذات شعر أحمر وعينين خضراوين، لأصدقاء، إنها تزوجت بعد ذلك من «أمير أفغاني»، لكنها هربت بعد ذلك من كابل عندما قُتل هذا الأمير.

ويضيف أصدقاء أنها وصلت مرة أخرى إلى فيلادلفيا في مطلع السبعينات من القرن الماضي وعملت في العديد من الوظائف المكتبية وتواعدت مع أثرياء حتى قام أحدهم بإقراضها مالا اشترت به مقهى قديماً. وحولته بعد ذلك إلى «ممر خيبر» وزينته بخيام زفاف أفغانية وملأتها بمشروبات من الخارج.

وفي عام 1977، أطيح بالحكومة الباكستانية خلال انقلاب عسكري، ويقول أصدقاء إن هيدلي خافت على أطفالها وسافرت إلى باكستان وسحبت ابنها من كلية حسن أبدال العسكرية وأحضرته للعيش معها.

* خدمة «نيويورك تايمز»