مسؤولون أميركيون وعراقيون: «القاعدة» في العراق تستعيد قوتها مرة أخرى

قالوا إنها تحولت إلى شبكة عراقية بعد مقتل قادتها الأجانب.. وتحالفت مع جماعات أخرى لتقويض الانتخابات

TT

أشار مسؤولون أميركيون وعراقيون إلى أن تنظيم «القاعدة» استعاد قوته مرة أخرى خلال الشهور الأخيرة، في العراق، ويبدو أنه يستعد لشن حملة منسقة لعرقلة عمل الحكومة العراقية خلال انسحاب القوات الأميركية. وقد أكدت الجماعة مسؤوليتها عن التفجيرات الأربعة القوية التي استهدفت خمسة مبان حكومية في بغداد في أغسطس (آب) وأكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، والتي تعتبر أكثر الهجمات التي تستهدف الحكومة دموية خلال أكثر من ست سنوات من الغزو الأميركي. وتقول السلطات إن جماعة «القاعدة» في العراق تنوي تنفيذ المزيد من التفجيرات الضخمة خلال الشهور القادمة في محاولة لاستعادة مكانتها في معاقلها السابقة خارج العاصمة. وتمثل الاستراتيجية الجديدة تحولا في جهود الجماعة من تأجيج العنف الطائفي الذي هدد بدفع العراق إلى شفير الحرب الأهلية عام 2007. وكانت الجماعة قد عانت عددا من الانتكاسات بعد زيادة عدد القوات الأميركية في العراق في ذلك العام، لكن المسؤولين الأميركيين والعراقيين يؤكدون أن «القاعدة» في العراق حققت بعض النجاحات أخيرا عبر التحالف مع جماعات أخرى في محاولة تستهدف تقويض الانتخابات المقرر إجراؤها في يناير (كانون الثاني) المقبل وتعطيل تشكيل حكومة جديدة. وعلى الرغم من فقد الجماعة العديد من قادتها ومصادر تمويلها والدعم الشعبي فإنها ستستفيد من الانقسام العميق الذي تعانيه المؤسسة السياسية والامتعاض السني تجاه الحكومة التي تقودها أغلبية شيعية وتفكك القوات الأمنية العراقية وعدم قدرة الولايات المتحدة على القيام بعمليات قتالية في العراق. وقال الجنرال راي أوديرنو، أعلى مسؤول عسكري أميركي في العراق، متحدثا عن قدرة «القاعدة» على شن تفجيرات «لا يزالون قادرين على القيام بهجمات ضخمة». الملاحظ أن الجماعة التي قادها في السابق إرهابيون من خارج العراق تحولت الآن إلى شبكة عراقية على الأغلب تتكون من خلايا صغيرة تعتمد على تدفق المقاتلين والأسلحة المهربة عبر الحدود السورية برغم تضاؤل نسبتها. ويقول اللواء حسين كمال، مدير جهاز الاستخبارات العراقية التابع لوزارة الداخلية، إن المسؤولين العراقيين لديهم شكوك في أن تكون التفجيرات التي وقعت 19 أغسطس (آب) و25 أكتوبر (تشرين الأول)، التي استهدفت وزارات الخارجية والعدل والمالية، قد تم التخطيط لها في منطقة الزبداني الواقعة جنوب غربي سورية والقريبة من الحدود اللبنانية. وأضاف أن قادة جماعة «القاعدة» في العراق التقوا بأعضاء سابقين في حزب البعث في 30 يوليو (تموز) لوضع تلك الاستراتيجية. وقال كمال في مقابلة معه «لقد وضعوا خطة لتنفيذ عمليات مشتركة في وسط بغداد مستهدفين مباني مهمة». وأشار كمال إلى أن القنابل الأربع التي استخدمت في الهجمات التي قتلت أكثر من 250 شخصا وأصابت أكثر من 1000 تم تصنيعها في بغداد في أماكن قريبة من الأهداف، وأن القنبلتين اللتين استخدمتا في أغسطس (آب) تم تصنيعهما من الأسمدة والمتفجرات التقليدية وتمت تعبئتهما في صهريجي ماء. أما القنبلتان اللتان استخدمتا في أكتوبر (تشرين الأول) فقد صنعتا من مادة «سي 4» المتفجرة وقذائف مدفعية. وقد أثرت التفجيرات بقوة على مكانة حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أثنى قبل بضعة أسابيع من الحادثتين على جهوزية قواته لحفظ الأمن بعد انسحاب القوات الأميركية من المدن.

وفي إطار سعيها للكشف عن العناصر التي تقف وراء التفجيرات، أعلنت الحكومة العراقية عن اعتقالها أعضاء من حزب البعث واتهموا سورية بإيواء الخلايا الإرهابية، لكن المسؤولين السوريين أكدوا أنهم يدينون أي هجمات على الأراضي العراقية. غير أنه في أعقاب الانتخابات المحلية التي جرت في العراق هذا العام لوحت «القاعدة» بغصن الزيتون للجماعات السنية المتطرفة الأخرى وبعثت برسالة أشارت فيها إلى أنها لا تزال تمد يد العفو لمن تعاملوا مع الأميركيين. وتشير ريتا كاتز، التي تدير منظمة «سايت» الاستخبارية التي تقوم بتحليل الجماعات المتطرفة إلى أن بعض الجماعات ردت بصورة مشجعة على العرض، لكن لا توجد دلائل قوية على زيادة كبيرة في عدد أفراد الجماعة. ولا يبدو أن القوات شبه العسكرية السنية التي عملت مع القوات الأميركية في السابق قد عادت إلى الانضمام إلى «القاعدة» مرة أخرى، على الرغم من حنق الكثيرين من الولايات المتحدة لتسليمها مسؤولية قيادتهم إلى الحكومة التي يقودها الشيعة.

ويلقي المسؤولون العراقيون والأميركيون باللائمة على «القاعدة» في تنفيذ الهجمات البارزة الأخيرة التي استهدفت المدنيين في بغداد وشمال العراق هذا العام. لم تؤد هذه التفجيرات إلى وقوع أي نوع من العنف الطائفي الذي أعقب تفجيرات مشابهة في عامي 2006 و2007، حيث يشير المسؤولون إلى أن «القاعدة» بدأت في تغيير استراتيجيتها باستهداف مواقع حكومية. وقالت كاتز، مشيرة إلى استهداف المباني الحكومية التي تعتبرها «القاعدة» امتدادا للاحتلال الأميركي «ربما تكون الجماعة قد أدركت أنها كي تكسب دعما شعبيا واسعا فإن عليها قتال العدو الذي يمكن تبرير قتاله بسهوله في ضوء الشريعة الإسلامية. وعلى الرغم من أن الجماعة قد لا تزال مستمرة في استهداف المدنيين خاصة في المناطق الشيعية فإنها لا تقر القيام بذلك خشية فقد الدعم الشعبي الذي بدأت في اكتسابه». وذكرت الرسالة التي نشرت وترجمها معهد سايت إلى أن دولة العراق الإسلامية نشرت هذا الشهر رسالة أخرى تطلب فيها من السنة التوحد من أجل هدف واحد. وقال المسؤولون الأميركيون إن الهجمات الأخيرة كانت محاولة أخيرة من جانب جماعات مهمشة ضعيفة لاستعادة الدعم مرة أخرى. وألقى الكولونيل مارك ستامر، بريغادير كوماندر في محافظة الأنبار، باللوم على تنظيم القاعدة في شن هجمات أخيرا، قائلا «أعتقد أن هناك بعض الجماعات المشتتة التي تحاول التوحد من أجل الوصول إلى هدف مشترك قصير المدى».

* خدمة واشنطن بوست «خاص الشرق الأوسط»