شبح هجمات مومباي يطارد السلام في جنوب آسيا

تسببت في حدوث تغييرات في أجهزة الأمن الهندية

TT

لم يترك الحصار «الإرهابي» لمومباي المدينة تعاني بشدة من العنف فحسب بل استمر تأثيره يحدث صداه في جنوب آسيا لعام تال، مما أدى بواحدة من أكثر مناطق العالم توتراً إلى الانزلاق أكثر في أزمة.

فالهجمات التي شنها المسلحون من جماعة عسكر طيبة المسلحة ومقرها باكستان أدت إلى الإضرار بالعلاقات المتطورة بين باكستان والهند، وهما أكبر قوتين بجنوب آسيا حيث أدى غضب نيودلهي من المذبحة إلى وقفها لعملية السلام المستمرة منذ خمس سنوات.

ومع تصاعد الغضب الداخلي وسط الحديث عن «ضربات إجهاضية» على معسكرات المسلحين، دفعت الهند بمقاتلاتها لتلحق فوق باكستان مما جعل الجارتين النوويتين على حافة إعلان حرب. وقد خفت حدة التهديد بالحرب لكن التوقعات الخاصة بإحياء مباحثات السلام ظلت قاتمة من جانب نيودلهي. وطالبت الهند بأن تقوم إسلام آباد بحملة قمع ضد المسلحين ومحاكمة قادتهم الذين يعتقد أنهم مسؤولون عن مذبحة مومباي قبل العودة إلى طاولة المفاوضات. وقال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ مؤخرا «إن مسؤولية الحكومة الباكستانية هي تدمير معسكراتهم والتخلص من بنيتهم الأساسية»، مطالبا بمعاقبة الإرهابيين «عن جرائمهم ضد الإنسانية». وقال سينغ، الذي حث إسلام آباد التخلي عن استخدام الإرهاب «كسياسة دولة»، إنه «يجب على الحكومة والشعب في باكستان أن يدركا الضرر الكبير الذي أحدثه تأييدهما للجماعات الإرهابية على جنوب آسيا». ويعتمد الاستقرار في جنوب آسيا الذي يضم خمس سكان العالم بدرجة كبيرة على العلاقات الهندية والباكستانية. وإلى جانب مكافحة الإرهاب تعاني المنطقة من الفقر وضعف معايير التنمية البشرية حيث يعيش 400 مليون من عدد سكانها البالغ 5.1 مليار نسمة تحت خط الفقر. ويذكر أن العلاقات الثنائية بين البلدين تتسم بالعداء منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1947. وخاضت الدولتان منذ ذلك الوقت ثلاث حروب منها حربان حول كشمير المتنازع عليها في منطقة الهيمالايا. وفي تعهدات متكررة بمكافحة الإرهاب وتصاعد التطرف الإسلامي، قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي إن بلاده فعلت أكثر مما فعلته أي دولة أخرى للتخلص من الإرهاب والتطرف.

وقال قريشي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) «إن أفعال باكستان ضد الإرهابيين والمسلحين أكثر وضوحا من الكلمات وحظيت بتقدير المجتمع الدولي عدا الهند». إلا أن مشاكل باكستان معقدة وجيرانها الآخرون (إيران وأفغانستان والصين) يحملونها أيضا مسؤولية تأجيج التطرف. وتتهم أفغانستان باكستان بغض الطرف عن الهجمات التي تشنها طالبان عبر الحدود على أراضيها. وقالت إيران مؤخرا، إن عبد الملك ريجي رئيس جماعة جند الله المسلحة المسؤولة عن الهجوم القاتل في الشهر الماضي على الحرس الثوري الإيراني يختبئ في إقليم بالوشيستان جنوب غرب باكستان. والصين أيضا تتحدث عن أن مسلميها يتلقون حماية وتدريبات في منطقة بشمال غرب باكستان يسودها التمرد لإثارة العنف في إقليم تشينجيانج الصيني. وقد كشفت هجمات مومباي فقر الأجهزة الأمنية في الهند في العدد والعتاد، وثبت أنها كانت نقطة تحول للمؤسسة الهندية في علاج مشكلة الأمن الداخلي وإعادة توجيه السياسة الخاصة بمكافحة الإرهاب. وأخيرا انتبهت الهند لتحديات الإرهاب الحديث مما أحدث تحولا في الوضع على الأرض. وطوال عام 2008 ضرب الإرهابيون كما يحلو لهم وبكثافة متزايدة عبر الهند وأوقعوا 400 قتيل، مما أدى لإثارة غضب وطني وإقالة وزير الأمن شيفراج باتيل. وبعد هجوم مومباي من قبل متشددين يتخذون من باكستان قاعدة لهم منعت السلطات الهندية هجمات إرهابية كبرى أخرى في إنجاز نادر لبلد يحارب الإرهاب العابر للحدود منذ سنوات عديدة. وقامت نيودلهي بتحديث أجهزتها الأمنية والمخابراتية وبذلت ضغطا دبلوماسيا على إسلام آباد للسيطرة على المتشددين المناهضين للهند. كما ساعدت التطورات الداخلية في باكستان حيث يقاتل المجاهدون من أجل البقاء في هذا المجال أيضا.

والآن تبدو الهند مطمئنة بشكل أكبر بشأن تناول التهديدات الإرهابية بعد تولي بالانيبان شيدامبرام المسؤولية في وزارة الداخلية الفيدرالية حيث يشرف على عمليات تحديث وتعبئة واسعة النطاق للقوات. وعقب الهجمات نفذت الهند خطة للتحرك خاصة بالأمن الداخلي شهدت تأسيس وكالة التحقيقات الفيدرالية لمعالجة القضايا الإرهابية ولضمان قدر اكبر من التعاون بين الوكالات الاستخبارية. وتم إنشاء 4 مراكز لحرس الأمن الوطني لمكافحة الإرهاب وثمة خطط لإقامة قيادة موحدة لحرس السواحل وتخصيص مركز لمكافحة الإرهاب. وقال نائب وزير الداخلية ايجاي ماكن إن المهم هو منع الهجمات من خلال استعداد ويقظة الاستخبارات وتقاسم المعلومات والتنسيق العملياتي بين الأجهزة الأمنية. لقد خصصت الحكومة ما يتراوح بين ملياري دولار الى أربعة مليارات دولار للإنفاق على الأسلحة والمعدات لحماية الشريط الساحلي للهند والحدود والمطارات ووسائل النقل الجماعي وذلك بحسب وسائل إعلام محلية. وتقوم الهند بالفعل بتحديث جيشها ومن المقرر مضاعفة إنفاقها للحصول على أسلحة إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2012 . يقول إس كي وهو ضابط شرطة بمحطة قطارات مومباي الرئيسية وهي واحدة من أهداف العام الماضي «ما من قوة أمنية بقادرة على التصدي للمهاجمين الانتحاريين. لكننا مسلحون بشكل أفضل لمنازلتهم بقوة».