العالم يتحول إلى المفاعلات النووية لمحاربة الاحتباس الحراري

53 محطة نووية قيد الإنشاء في العالم.. والتوجه الجديد يحظى حتى بتأييد منظمات الدفاع عن البيئة

TT

ظهرت مؤخرا الطاقة النووية التي كان ينظر إليها دائما باعتبارها مضرة للبيئة، السلاح العالمي الأكثر فعالية ضد التغير المناخي، وذلك بتأييد من بعض النشطاء المهتمين بالبيئة الذين كانوا قبل ذلك يشنون الحملات ضدها. ورغم أنه قد مر نحو 13 عاما على إنشاء آخر المفاعلات النووية في الولايات المتحدة الأميركية، فإن العديد من الدول التي تتعرض لضغوط من أجل تقليل إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري في مختلف أنحاء العالم أصبحت تتجه إلى الطاقة النووية ذات الانبعاثات الأقل بصورة غير مسبوقة. وتدرس إدارة الرئيس باراك أوباما وديمقراطيون بارزون، في محاولة للحصول على مزيد من الدعم للتشريع المتعلق بالتغير المناخي، حاليا، تقديم حوافز ضريبية فيدرالية وضمانات قروض لتمويل مجموعة جديدة من المفاعلات النووية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وهي إجراءات يمكن أن تؤدي في نهاية الأمر إلى تقليل الانبعاثات الكربونية. ويجري حاليا بناء 53 مفاعلا في مختلف أنحاء العالم، امتدادا من الصين إلى البرازيل، في الوقت الذي تسعى فيه بولندا والإمارات وإندونيسيا إلى بناء أول المفاعلات الخاصة بها، حسب ما أفادت مؤسسات رقابية عالمية واتحادات داخل القطاع. ويزيد عدد المصانع التي يجري بناؤها بمقدار الضعف عن مجمل عدد المفاعلات التي كانت موجودة قبل خمسة أعوام فقط. وبدلا من الوقوف ضد الطاقة النووية، احتفى بها مؤخرا بعض النشطاء البيئيين. وقبل عدة سنوات قام النشطاء بمنظمة «غرينبيس» برشق المفاعل النووي على سواحل بحر الشمال وكتبوا عليه «خطر»، تحت قيادة ستيفن تينديل الذي كان يقف كذلك خارج المفاعل بعدما أصبح رئيسا لمكتب المنظمة في بريطانيا شرقي لندن ليبلغ الإعلاميين عن الأسباب التي تجعل «الطاقة النووية شرا».

وجدير بالذكر أنه تم وقف بناء المفاعلات النووية في بريطانيا منذ عدة سنوات خاصة في أعقاب كارثة تشيرنوبل (1986). ورغم ذلك، يميل البريطانيون حاليا إلى إنشاء مفاعلات نووية جديدة في إطار جهودهم ضد التغير المناخي، ويعد تينديل من بين عدة بيئيين يدعمون تلك الخطة. ويقول: «كان الأمر يتعلق بالشر الأعظم، النفايات النووية أم التغير المناخي، لكن هذا لم يعد مطروحا للمناقشة. بالطبع التغير المناخي هو الخطر الأكبر والطاقة النووية أصبحت جزءا من الحل».

وهناك عدة عراقيل تقف أمام الطاقة النووية خاصة ما يتعلق بتكلفتها. فقد تجاوزت تكلفة مفاعلين نوويين من الجيل الجديد ما زالا تحت الإنشاء في فنلندا وفرنسا مليارات الدولارات فوق الميزانية التي كانت مخصصة لكل منهما، كما أن إنشاء كلا المفاعلين قد تخلف إلى حد كبير عن موعده، مما يثير أسئلة حول إمكانية إنشاء مفاعلات نووية أخرى من دون دعم حكومي قوي. وربما تكون هذه التكلفة مرتفعة للدرجة التي تجعل شركات الطاقة تواجه صعوبة في تمويل تلك المشروعات حتى في ظل الدعم الحكومي.

ومن جهة أخرى، يشير خبراء إلى عدد من التحسينات التي طرأت على التكنولوجيا النووية منذ حادثة تشيرنوبل والتسرب الإشعاعي الجزئي في مفاعل «ثري مايل آيلاند» في بنسلفانيا في 1979. وجدير بالذكر أن نسبة الحوادث الصناعية في المفاعلات النووية التي يبلغ عددها 436 في جميع أنحاء العالم قد انخفضت بنسبة 80% منذ الثمانينات؛ وذلك وفقا للاتحاد العالمي للهيئات النووية.

حتى الآن على الأقل، لم يحظ ما يطلق عليه العديد من الناس «العصر النووي الجديد» سوى بالمعارضة الصامتة، إذ لم يحدث أي شيء مماثل للاحتجاجات واقتحام المفاعلات التي ساعدت على تشكل حركة نشطاء البيئة في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الستينات والسبعينات. ومع تراجع حركة المعارضة، حتى الدول التي كانت تعهدت بألا تعمل على بناء مفاعل نووي آخر، مثل السويد وبلجيكا وإيطاليا، غيرت موقفها بعدما أدركت أن مزايا الطاقة منعدمة الانبعاثات تفوق مخاطر التخلص من المخلفات الإشعاعية والانتشار النووي. وفي الولايات المتحدة، دعمت بعض المجموعات البيئية البارزة مشروع قانون التغير المناخي الذي كان مطروحا بالكونغرس والذي يتوقع إنشاء مفاعلات نووية أميركية جديدة. فمثلا، أظهر تحليل أجرته هيئة حماية البيئة لمشروع قانون واكسمان ماركي الذي وافق عليه مجلس النواب أن عدد مفاعلات الطاقة النووية سيزيد على ضعف العدد الحالي في الولايات المتحدة بحلول عام 2050، إذا تم إقرار ذلك القانون بالفعل. كذلك، فإن اللجنة التنظيمية النووية الأميركية تنظر حاليا في طلبات إنشاء نحو 22 مفاعلا نوويا جديدا من الساحل إلى الساحل.

ولا تزال عدة منظمات بيئية تعارض الطاقة النووية، فيما رفضت بعض المنظمات مثل منظمة غرينبيس دعم قانون التغير المناخي الأميركي. ومن جهتها، تقول المجموعات التي تؤيد مشروع القانون مثل «سييرا كلوب» إنها تؤيده نظريا لأن ذلك التشريع سيمثل بداية زيادة معدل استخدام الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية بالإضافة إلى مليارات الدولارات من الاستثمارات في تكنولوجيا جديدة.

ومن جهة أخرى، تحدث ستيف كوشران مدير حملة المناخ القومي بصندوق الدفاع عن البيئة (منظمة تعارض إنشاء المفاعلات النووية الجديدة في الولايات المتحدة) حول التوجه البراغماتي الجديد الذي يسري حاليا بين صفوف النشطاء البيئيين: «يمكنك أن تصف ذلك بأنه قبول على مضض»، مضيفا: «إذا كنا بالفعل جادين بشأن التعامل مع أزمة التغير المناخي، يجب علينا أن نرحب بالبحث داخل نطاق من الخيارات، بدلا من الاقتصار على استبعاد الخيارات من على الطاولة. ربما لا نحب ذلك، لكن تلك هي الحقيقة».

ويرى مراقبون أن ذلك الموقف يمثل تغيرا جوهريا. ويقول مايك تشايلدز رئيس شؤون التغير المناخي بمجموعة «أصدقاء الأرض في بريطانيا»: «نظرا للاحتباس الحراري، أصبحت معظم المجموعات الكبرى أقل نشاطا، وأصبح معظمنا ينظر بطريقة مختلفة إلى سياستنا الداخلية. لقد قررنا ألا نحتفي بالأمر على المستوى الرسمي لأننا نشعر أن جماعات الضغط النووي قوية بما يكفي. لكننا لم نعد نركز طاقتنا على معارضتها».

وما زالت بعض الشخصيات البارزة في حماية البيئة بما في ذلك آل غور نائب الرئيس الأميركي السابق تتشكك بشأن الوعود النووية نظرا للتكلفة العالية لإنشاء المفاعلات والمخاوف المتعلقة بالانتشار النووي التي أبرزتها محاولات إيران الأخيرة لمحو الخط الفاصل بين إنتاج الطاقة النووية والبرامج التي تستهدف الحصول على أسلحة نووية. ومن جهة أخرى، ربما تحاول بعض الدول الأخرى التي تسعى لبناء أول مفاعلاتها النووية لشراء الوقود من الأسواق الآمنة في أوروبا والولايات المتحدة بدلا من محاولة تخصيب الوقود بنفسها. وما زالت لدى الخبراء مخاوف تتعلق برؤية الوقود النووي بهذا القدر من التداول العالمي. وعلى الصعيد نفسه، قال آل غور لـ«واشنطن بوست» خلال الشهر الجاري: «بفرض أنه تم حل الإشكالات المتعلقة بالأمن والنفايات، ما زالت هناك إشكالات متعلقة بالتكلفة ومخاطر الانتشار. أنا لا أعارض الطاقة النووية ولكن تكلفة الجيل الجديد من المفاعلات النووية مرتفعة للغاية». ومع ذلك فإنه بالنسبة لدول مثل بريطانيا، موطن أول مفاعل نووي تجاري في العالم، تعد العودة للطاقة النووية ضرورية لتقليل انبعاثات الكربون. وفي الوقت الذي تضاءلت فيه احتياطات الغاز الطبيعي من بحر الشمال، أصبحت بريطانيا تراهن على الطاقة النووية لتساعدها في الحفاظ على قدر من استقلال الطاقة.

وبعد سنوات من معارضة إنشاء مفاعلات جديدة بعد كارثة تشيرنوبل، اتخذت الحكومة تغييرا جذريا في 2007، حيث حددت قائمة من المواقع المحتملة للمفاعلات النووية. وخلال الشهر الجاري، أعلن المسؤولون البريطانيون عن خطط لتسريع إنشاء عشرة مفاعلات. كما طالبوا بالسعي وراء الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلا أن هذين النوعين من التكنولوجيا ينظر إليهم العديد من الناس باعتبارهما تكنولوجيات محدودة نظرا لوجود مشكلات متعلقة بالنقل والمدى فيما لا يزال إنتاج «الفحم النظيف» على بعد سنوات من الإنتاج التجاري.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»