الإرهاب يلقي بظلاله على «مقديشو الصغيرة» في منيابوليس

العاصمة الفعلية للشتات الصومالي بأميركا متعددة الوجوه

TT

على بعد بناية بالكاد من نهر المسيسبي يوجد حي لم يكن مارك توين ليتخيل وجوده على أرض الواقع. سارت أعداد من الرجال بالحي مخضبة بالحناء، ونساء يرتدين حجابا يغطي كامل الجسد، الثلاثاء، أمام مطعم «ما شاء الله»، ومقهى «الأمين كوفي شوب»، ومكتب «كاه إكسبرس موني وايرينغ»، و«مسجد القانتين»، والعديد من الكيانات الصومالية الأخرى. قالت أدار كاهين (48 عاما)، التي كانت مطربة شهيرة في وطنها وتعمل الآن متطوعة في مركز اجتماعي محلي: «عندما جئت إلى هنا كلاجئة عام 1995، لم يكن هناك سوى بضع مئات من الصوماليين، وكنا نشعر بوحدة شديدة». وأضافت بنبرة مرحة: «الآن، الجميع هنا. بات الأمر كأننا عدنا إلى مقديشو. وهذا هو الاسم الذي نطلقه على هذا المكان: مقديشو الصغيرة». في الواقع، يحمل هذا الطرف من منيابوليس، التي تعد العاصمة الفعلية للشتات الصومالي في أميركا، أوجها متعددة: الأمل والتجديد واليأس والخوف. إلا أن هذا المكان يشكل في المقام الأول، خاصة بالنسبة للشباب، موطنا لخوض مرحلة انتقالية والبحث عن هوية. في هذا الإطار، أكد سعيد فاهيا، الذي قدم إلى الولايات المتحدة عام 1997، ويترأس حاليا اتحاد المنظمات الصومالية، أن «الحفاظ على الهوية في مثل هذه الظروف صعب للغاية. في الثقافة الصومالية، يجري تعليم عناصر التقاليد كافة في سن التاسعة، ويتعرف المرء على عشيرته والعشائر الثانوية منها حتى 25 جيلا. إلا أنه ليست هناك آلية لتعلم ذلك هنا، ولا يوجد إطار يمكن العمل من خلاله». بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تحولت «مقديشو الصغيرة» إلى مركز لتحقيقات مكثفة حول شبكة تجنيد رجال شباب للقتال في الصومال لصالح جماعة إسلامية راديكالية تطلق على نفسها «شباب». ويرى المحققون أن الفقر وحروب العصابات الضارية والبنايات السكنية المكدسة أفرزت جميعها واحدة من أكبر العمليات العسكرية داخل الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. من ناحيتهم، أعلن مسؤولون فيدراليون، الاثنين، توجيه اتهامات بالإرهاب ضد ثمانية من أبناء الجالية الصومالية، لا يزال سبعة منهم هاربين. وكان من شأن ذلك ارتفاع عدد الرجال القاطنين بمنطقة منيابوليس (14 فردا) ممن أدينوا أو اعترفوا هذا العام بنشر أفكار أو تجنيد أو تدريب شباب محليين للانضمام إلى ميليشيا مسلمة تشن حربا في الصومال ضد الحكومة المدعومة من واشنطن.

من جهتهم، قال بعض الأقارب إن ستة من الشباب من أبناء منيابوليس قتلوا في الصومال في غضون الأشهر الـ13 الأخيرة، بينهم واحد يعتقد مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه تفجيري انتحاري. ومن المعتقد أن قرابة 20 من الشباب من أبناء الحي يشاركون بالفعل في القتال الدائر في الصومال. ومن جانبه، أعرب فاهيا عن اعتقاده بأن الذين توجهوا إلى الصومال «يحاولون استعادة هويتهم. وإيجاد هدف لهم في الحياة، واستكشاف من أين قدموا ومعرفة هويتهم الحقيقية». الملاحظ أن الذين سافروا للقتال في الصومال لا يستحثون رد فعل موحد من قبل الآخرين الباقين في الولايات المتحدة. خارج مركز «بريان كويل الاجتماعي»، تجمع خمسة من الشباب الصوماليين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة في سن الطفولة. وقف الشباب تحت سماء ملبدة بالغيوم حولت النهار إلى اللون الرمادي، وتشاركوا في تدخين التبغ، والحديث عمن انضم إلى الجهاد. في هذا الإطار، قال سعيد علي (20 عاما)، عاطل: «بعضهم راوده اعتقاد بأن الولايات المتحدة أرض الشيطان. لقد عانوا من فقدان ثقافتهم ولغتهم ودينهم. فهم لديهم هناك أسرة، ويشعرون هناك بدفء الوطن». وأضاف أنه لو توافر لديه المال اللازم سيتوجه إلى الصومال هو الآخر. وزاد قائلا: «صديقي ذهب إلى هناك. ويدير فندقا حاليا. ويحمل سلاحا من طراز (AK ـ 47). إنه يعيش حياة طيبة». ويعد البحث العسير عن الهوية قصة قديمة في هذه المنطقة. فمنذ أمد بعيد، فتحت مينيسوتا أيديها للترحيب بلاجئي الحرب، في البداية كانوا من الكوريين، ثم من الفيتناميين والإثيوبيين. ووفرت منيابوليس مساكن مدعومة وإعانات سخية. ووجد الوافدون الجدد فرص عمل منخفضة الأجر في مصانع لحوم الدجاج، حيث لا يعد إتقان اللغة الإنجليزية ضروريا للعمل. وصلت الموجة الأولى من المهاجرين الصوماليين بعد عام 1991 عندما دخلت البلاد في حرب أهلية بين مختلف العشائر لا تزال رحاها تدور حتى اليوم. ووفد مزيد من الصوماليين إلى الولايات المتحدة عاما بعد الآخر، وسرعان ما انضم الأقارب إلى أبنائهم الذين سبقوهم إلى الولايات المتحدة، حسبما يجيز القانون الأميركي. وانتقل البعض إلى هنا قادمين من مدن أميركية أخرى. وبنى الكثير من أبناء الجالية الصومالية أسرا لهم، ومارسوا نشاطات تجارية وحققوا استقرارا ماليا. وحرصوا على إرسال أموال إلى أقاربهم في الصومال، ومتابعة أخبار بلادهم عبر وسائل الإعلام ومواقع شبكة الإنترنت، وفي بعض الحالات، استثمروا في شركات صومالية حتى في الوقت الذي أصبح فيه أطفالهم أطباء ومحامين أميركيين. إلا أن آخرين سقطوا في هوة فقر مدقع: عانت الكثير من النساء من الأمية، وعانى الرجال المتقدمون في العمر، الذين عملوا في رعي الماعز، من الشتاء القارص. وتفاقمت معدلات البطالة والتسرب من المدارس، وكذلك حوادث التطرف. من جانبه، قال عبد العزيز وارسيم (37 عاما)، وهو مترجم ومستشار لشؤون الشباب، عمل من قبل مع عصابات محلية مثل «صومالي هارد بويز» و«آر بي جيز»: «إننا أقلية واضحة هنا، ونتبع دينا وثقافة مختلفة. لذا يشعر الناس تجاهنا بعنصرية شديدة». وأشارت تقديرات صدرت عام 2007 إلى أن أعداد الصوماليين في مينيسوتا بلغت 35 ألف فرد، وتعيش الغالبية العظمى منهم في «مقديشو الصغيرة» الواقعة بين الطريقين السريعين ونهر مسيسبي. ويظهر في المنطقة بوضوح «ريفرسايد بلازا»، وهو مشروع سكني عام. وتضم الكتل الخرسانية الكئيبة المظهر أكثر من 4 آلاف و500 شخص، معظمهم من الصوماليين، داخل تكتلات سكنية شبيهة بالنسق المعماري السوفياتي. تفوح في الردهات روائح توابل حارة، وتحمل الجدران ملصقات تعلن عن شركات سفر توفر خدمة السفر إلى الأماكن المسلمة المقدسة في السعودية. ويبيع متجر «حلال مينيمارت»، اللحوم المذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية، وهو واحد من بين أكثر من 12 متجرا في الحي. يعد «مركز بريان كويل» القلب اللوجستي للجالية الصومالية. ويوفر وجبات الطعام لأكثر من ألف أسرة شهريا، وتساعد العديد من الجماعات في توفير الطعام والخدمات القانونية، وتلبية الاحتياجات الأخرى. ويجري استغلال صالة الألعاب الرياضية أيضا في استضافة الأفراح. بيد أن المحور الثقافي للحي يكمن في المساجد والمقاهي، حيث يجتمع الناس لمناقشة أخبار مجتمعهم والقضايا السياسية في بلادهم وقضايا دينية أو مجموعة متنوعة من القضايا الأخرى. أما الشباب، فيتمتعون بقنوات أخرى للترفيه والاتصال، بينها شبكة الإنترنت. وتشير أقاويل إلى أن بعض أعضاء المجموعة التي توجهت إلى الصومال كانوا من أتباع أنور العولقي، الإمام المتشدد، الأميركي المولد، الذي ينشر خطبا له على شبكة الإنترنت بلغة إنجليزية ممتازة حول الحاجة إلى القتال من أجل الإسلام. يذكر أن الميجور بالجيش الأميركي، نضال مالك حسن، المتهم بقتل 13 شخصا في قاعدة «فورت هود» في تكساس هذا الشهر، تبادل رسائل عبر البريد الإلكتروني مع العولقي، المقيم في اليمن. من ناحيته، قال عمر جمال، مدير «مركز مناصرة العدالة الصومالية» هنا، إن العولقي وخطبه النارية ألهمت الكثير من الشباب للانضمام لاحقا إلى جماعة «شباب» في الصومال. وأثنى العولقي على هذه الميليشيا، التي يقول المسؤولون الأميركيون إنها متحالفة مع تنظيم القاعدة. وقال جمال: «لقد تبادلا رسائل عبر مدونته. ودعوا من أجله، وشاهدوا مقاطع الفيديو التي نشرها. لقد سقطوا تحت تأثير نفوذه». لكن كلمة «جهاد» لا تستثير ذات الاستجابة من الجميع داخل «مقديشو الصغيرة». خارج المركز الاجتماعي، استمرت مجموعة من الشباب في مناقشة أوضاع من ذهبوا للقتال في الصومال. بالنسبة لنور بصير (18 عاما)، طالب، يبدو الجهاد فكرة بعيدة للغاية. ورغم أنه كان من المقربين إلى برهان حسن، أحد الشباب الذين قتلوا في الصومال الصيف الماضي، فإنه لا يتفهم سبب الاغتراب السائد بين الكثير من الشباب هنا. وقال بصير: «كل الشباب الذين رحلوا كنا نجلهم. وعندما كنا نأتي هنا للعب كرة السلة، كانوا يتوجهون إلى المسجد. وبصورة ما، بدا وكأنهم تعرضوا لغسيل مخ. والآن، باتوا في عداد الموتى».

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»