العراقيون يجدون شيئا آخر ليختلفوا حوله.. كرة القدم

الماضي يعود ليلقي بثقله على الحاضر.. والنتيجة قرار «الفيفا» تعليق أنشطة الاتحاد العراقي

اثنان من رواد مقهى في بغداد يدخنان النارجيلة ويتابعان وقائع مباراة لكرة القدم على شاشة التلفزيون («نيويورك تايمز»)
TT

عانى المنتخب العراقي لكرة القدم من صعوبات كثيرة، فقد كان صدام حسين يضرب اللاعبين عندما يخسرون، ودفعت الحرب التي أطاحت بصدام الفريق الوطني إلى المنفى بعد أن بدأ المتطرفون يقتلون الرموز الرياضية. وكانت أول مباراة لهم داخل أرض الوطن خلال أعوام في فصل الصيف من العام الحالي مع المنتخب الفلسطيني حيث كان هو الفريق الوحيد الذي وافق على الحضور إلى بغداد خلال الحرب. وخلال ذلك استمر المنتخب في المنافسة دوليا. ولكن، ربما يتوقف ذلك، على الأقل لمدة من الزمن. فقد أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) قرارا يوم الجمعة الماضي بوقف المنتخب العراقي، واتهم الحكومة بالتدخل في شؤون الهيئة التي تشرف على عمل المنتخب الوطني. ولا تعد هذه مجرد حكاية عن كرة القدم ولكنها قصة ترمز إلى الحياة داخل العراق، وهو نموذج آخر على عدم قدرة العراقيين على تسوية خلافاتهم. وعلى الرغم من أن هذا الخلاف ليس مهما مثل اللغط القائم الذي يعطل الانتخابات الوطنية، فإن له مرارة خاصة، حيث إنه دائما كان يتم النأي بكرة القدم داخل العراق عن الخلافات السياسية والطائفية. وقد بدأ الأمر عندما قال الاتحاد العراقي لكرة القدم إن هناك خطورة كبيرة في عقد انتخابات مجلس الاتحاد داخل العراق، ومنح «الفيفا» تمديدا لمجلس الاتحاد العراقي. ولكن الحكومة كانت تريد إجراء انتخابات وقامت بحل الاتحاد الوطني وهو ما أدى إلى قرار من «الفيفا» بتعليق عمل المنتخب الوطني. ويظهر الخلاف قدرة الانقسامات السياسية على التشويش على حاضر سياسي لم يتشكل بعد. ويشتكي بعض المسؤولين العراقيين من أن الاتحاد العراقي لكرة القدم لا يزال به أشخاص كانت لهم علاقات مع أحد أبناء صدام حسين وهو عديّ الذي كان يسير الألعاب الرياضة داخل العراق بيد من حديد.

ويرتبط الخلاف أيضا بالنظرة التي يريد قادة عراقيون أن تكون لدى العالم عن بلادهم، حيث إنه من الصعب إقناع المستثمرين بإنفاق أموالهم هنا إذا كان اتحاد كرة القدم العراقي يقول إن هناك خطورة كبيرة في إجراء انتخاباته. ويوجد في الفريق الوطني العراقي، كما هي الحال مع البلاد كلها، موارد ضخمة غير مستغلة إلى حد بعيد. وفي العام الحالي، فشل الفريق في التأهل لكأس العالم حتى بعد أن تعاقد مع مدرب صربي جديد بارز وهو بورا ميلوتينوفيتش، الذي قاد خمسة منتخبات من قبل إلى كأس العالم، منها المنتخب الأميركي.

ولكن، خلال بعض أشد أيام الحرب في عام 2007، فاز الفريق العراقي بكأس آسيا ليحصل على لقب «أسود الرافدين». وتلا ذلك الفوز احتفال استخدمت فيه الأسلحة النارية وهو ما جعل الجيش الأميركي في حالة تأهب إلى أن تأكد من أن الطلقات النارية ليست هجوما من جانب المتمردين. وهناك حب كبير لكرة القدم في العراق لدرجة أن تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، الذي يزعم ارتباطه بالتنظيم التابع لأسامة بن لادن، لم يجرؤ على محاكاة احتقار بن لادن لهذه اللعبة. وتعد المباريات داخل العراق من التجمعات العامة القليلة التي لم يستهدفها مفجرون انتحاريون مطلقا. ويتبع يونس محمود، لاعب الوسط ونجم المنتخب العراقي، المذهب السني وهو من محافظة كركوك المتنازع عليها، حيث يعيش العرب والتركمان والأكراد في حالة حرب فعلية. ويتميز محمود بخريطة العراق التي وشمها على ذراعه اليمنى وأسلوبه الهجومي في اللعب لدرجة أن أطلق عليه لقب «الجزار»، ويعد محمد بطل العراقيين جميعا (على الرغم من أنه، مثل قادة اتحاد كرة القدم، رفض في الأعوام الأخيرة العودة إلى العراق للعيش فيها بسبب خوفه على حياته).

ويتميز المشجعون العراقيون بالمشاعر الثائرة بصورة تتجاوز ما هو معروف عالميا، ففي وقت مبكر من العام الحالي وفي مدينة الحلة جنوب بغداد قتل شرطي حارس مرمى فريق فائز في مباراة محلية وذلك بسبب شعوره بالغضب كما تبين بعد ذلك. ففي لحظة هياج، فقد الضابط السيطرة على بندقيته. ويأتي في محور الخلاف مع «الفيفا» حسين سعيد، الذي يرأس الاتحاد العراقي لكرة القدم، من مقر إقامته في عمان، بالأردن، أو من لبنان، حسب ما يقوله البعض. وكان سعيد، وهو كابتن سابق للفريق الوطني كان يحظى بشعبية كبيرة، ناشطا في اتحاد كرة القدم عندما كان عدي صدام حسين يشرف على الألعاب الرياضية داخل العراق. يذكر أن عدي قتل عام 2003 على يد الأميركيين. ويقول منتقدو سعيد إن ذلك جعل منه مساعدا في عمليات تعذيب الرموز الرياضية، ولكن يقول مناصرون إنه مثل الرياضيين العراقيين كافة لم يكن أمامه خيار سوف تحمل المعاملة السيئة. ويرفض سعيد هذه الاتهامات. وقال في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي: «جميعها أكاذيب وافتراءات، لم يكن هؤلاء يستخدمون وسائل إرهابية ضد الرياضيين». ويرد على شكاوى حكومية من أن اتحاد كرة القدم لا يزال في المنفى قائلا إن قيادات الاتحاد يقومون بزيارات دورية إلى كردستان في الشمال ومحافظة بابل في الجنوب، حيث ينعمان بأمن أفضل من بغداد. ولا يحمل أحد المنتخب العراقي المسؤولية عن هذه الخلافات. وبعد فوز المنتخب العراقي بكأس آسيا، أمطر مسؤولون حكوميون الفريق بالهدايا ومن بينها جوازات سفر دبلوماسية وهدايا تبلغ قيمتها 10 آلاف دولار أعطاها رئيس الوزراء لكل لاعب. ولكن أتاح الأداء الضعيف للمنتخب خلال العام الحالي للحكومة فرصة كي تتحرك ضد اتحاد كرة القدم العراقي، الذي يسيطر على الفريق ومصادره التمويلية. ويقول أحمد راضي، وهو لاعب كرة قدم سابق يترأس لجنة الرياضة والشباب في البرلمان: «خلال أيام خنق عدي صدام حسين للألعاب الرياضية في العراق، كان هناك الكثير من الضغوط النفسية وكانت فعالة. ويعاني اللاعبون من النوع نفسه من الضغوط بسبب تدخل الساسة وهو الشيء الذي لم يتغير بعد».وهناك حاليا راحة كروية مدتها ثلاثة أشهر، وقال سمير صادق الموسوي، رئيس اللجنة الأولمبية العراقية التي تدعمها الحكومة والتي حلت اتحاد كرة القدم، إن يتوقع أن تستأنف البلاد قرار التعليق الذي اتخذته «الفيفا» قبل المباراة المقبلة. وأضاف: «نأمل أن نخرج من القتال من دون أية خسائر». واستبعد الموسوي، وهو لاعب سابق للجودو، أن تكون إجراءات لجنته التي تشرف على اتحادات الرياضة العراقية لديها أي علاقة بالسياسية أو الأفعال السابقة لأي شخص. وأضاف في مقابلة أجريت معه: «هذه ديمقراطية».

ويقول عبد القادر زينل، وهو لاعب كرة قدم عراقي سابق تحول إلى التعليق الرياضي، إن ذلك ربما يكون الحال، ولكن هذه الديمقراطية ربما لا تفضي إلى لعب جميل. ويضيف: «خلال الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية داخل كرة القدم العراقية لم تكن لدينا مثل هذه المشكلة الخطيرة، والآن أشعر بالخوف على مستقبل كرة القدم العراقية».

* خدمة: «نيويورك تايمز».