مسؤولة مكتب التواصل الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: لا نتوقع أن يتفق الناس معنا بالضرورة.. لكنهم يحتاجون إلى معرفة مواقفنا

كاثرين فان دي فاتي: قبل 11 سبتمبر لم نتحدث مع العالم العربي والإسلامي بشكل مباشر.. هذا تغير الآن

كاثرين فان دي فاتي
TT

منذ دشنت الولايات المتحدة الأميركية مبادرة التواصل الإعلامي عام 2006، وأنشأت 3 مراكز أساسية في لندن وبروكسل ودبي للتواصل مع وسائل الإعلام في الشرق الأوسط وأوروبا، استطاعت الولايات المتحدة أن تتحدث مع العالم العربي والإسلامي حول الكثير من القضايا التي تهم المنطقة بشكل مباشر وفي وقت الحدث نفسه، وهذا لم يكن معهودا من قبل. جاءت مبادرة التواصل الإعلامي بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والتي قال الكثيرون في واشنطن إنها فتحت الأعين على نقص فادح في الحوار المفتوح والمباشر بين واشنطن والعالم العربي والإسلامي. واليوم لا يكاد يمر أسبوع إلا وهناك حوار بين مسؤولين بالإدارة الأميركية وصحف ووسائل إعلام عربية يتم فيها شرح وتوضيح السياسة الأميركية حول القضايا الأساسية بالمنطقة. ذلك السعي الأميركي للتواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية ومن بينها وسائل الإعلام العربية والشرق الأوسطية، يقف وراءه مسؤولون أميركيون عملوا وقضوا سنوات في الشرق الأوسط ومن بينهم مديرة مكتب التواصل الإعلامي في لندن كاثرين فان دي فاتي، التي شغلت منصبها في أغسطس (آب) الماضي بعد سنوات عملت خلالها في سورية ومصر والأردن والإمارات. وتوضح فان دي فاتي أن مبادرة التواصل الإعلامي توسعت منذ تم تدشينها، وأن عدد مكاتب التواصل الإعلامي تضاعف إلى 6 الآن، بالإضافة إلى مكتب لندن الرئيسي الذي ترأسه ويتبع له مكتبا التواصل في دبي وبروكسل، وتم إنشاء 3 مكاتب جديدة في ميامي للتواصل مع أميركا اللاتينية، ومكتب في طوكيو للتواصل مع شرق آسيا ومكتب في جنوب أفريقيا للتواصل مع أفريقيا. وتشير فان دي فاتي في حوار مع «الشرق الأوسط» في لندن إلى أن مكاتب التواصل حققت الكثير ومن بين ذلك الحوار المباشر مع المنطقة، موضحة أنه قبل 11 سبتمبر لم يكن هناك تواصل مباشر ويومي وعلى مدار الساعة. لكن فان دي فاتي، الديناميكية التي تتحدث العربية بلهجة شامية وتعرف الكثير جدا عن المنطقة، تقول إن التواصل الإعلامي يهدف إلى توضيح وتفسير السياسة الأميركية، وليس إلى تغيير القناعات حولها بالضرورة، موضحة أن عملها ليس دعاية أو بروباغندا، بل هو محاولة لتفسير سياسة أميركا في الشرق الأوسط. وهنا نص الحوار:

* هل هذا وقت جيد لشغل منصب مدير مكتب التواصل الإعلامي في لندن، أقصد بعد انتخاب باراك وأوباما رئيسا لأميركا؟ هل عملك أسهل وأفضل وللعاملين في الدبلوماسية العامة عموما بعد الرئيس أوباما؟ ـ أعتقد أنه وقت رائع للعمل في هذا المنصب. أعتقد أن أغلب الأوقات أوقات جيدة. لكن في بداية عهد إدارة جديدة وبداية علاقات جديدة خصوصا فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن هذا وقت جيد للعمل. الرئيس أوباما عندما كان في القاهرة قال: إننا نريد بداية جديدة. أنا هنا وجديدة مع البداية الجديدة، وبالتالي هذا وقت جيد جدا لشغل هذا المنصب.

* مكتب التواصل الإعلامي في لندن جزء من مبادرة حديثة نسبيا تضم دبي وبروكسل وقد بدأتم عام 2006، فكيف تعرفون النجاح؟ وكيف تقيسون النجاح في تحقيق أهدافكم؟

ـ دعيني أرجع بالسؤال قليلا للوراء لأنني أعتقد أن هناك أكثر من سؤال هنا. أولا. يجب تعريف ما هي مبادرة التواصل الإعلامي وما هو هدفها. مبادرة التواصل الإعلامي عندما أنشئت كان هدفها التأكد من أن صوت الحكومة الأميركية مسموع في الإعلام بوضوح وبدقة وفي الوقت المناسب. لأنه لا فائدة للأشخاص الذين يريدون سماع وجهة نظرنا في موضوع معين أن ينتظروا حتى صباح الاثنين عندما تستيقظ واشنطن كي يتواصلوا مع واشنطن ويعرفوا وجهة نظر أميركا في القضية التي يريدون السؤال حولها. مكتب التواصل الإعلامي يقدم وسيلة للتواصل مع واشنطن 7 أيام في الأسبوع، 24 ساعة في اليوم. المكتب أنشئ أساسا كي تتمكن وسائل الإعلام في الشرق الأوسط وأوروبا من سماع صوتنا سواء إذا كان أمام الكاميرات أو في الصحافة المطبوعة. وأريد أن أوضح أننا وسعنا مكتبنا للتواصل الإعلامي للضعف ليشمل إضافة إلى لندن ودبي وبروكسل، مكتبا في جنوب أفريقيا للقارة الأفريقية، ومكتبا آخر في طوكيو لشرق آسيا، ومكتبا في ميامي ليخدم أميركا اللاتينية. أي أصبح لدينا سلسلة مكاتب تواصل إعلامي تغطي أغلب الكرة الأرضية.

* لماذا افتتحتم مكاتب في جنوب أفريقيا وميامي وطوكيو؟ هل صورة أميركا سلبية أو لا تقدم بشكل ملائم في هذه المناطق؟ فاليابان مثلا من أهم حلفاء أميركا حول العالم. فلماذا تريدون مكتبا في طوكيو؟ ـ أعتقد أن سوء الفهم شائع، لكن الأكثر أهمية من ذلك هو أن ذلك ببساطة وقت مزدحم للغاية، هناك الكثير من وسائل الإعلام والكثير من المحطات التلفزيونية والكثير من البلوغرز. وفي ظل هذا الازدحام الإعلامي يجب التأكد من أن سياسة أميركا يتم إيضاحها ووصفها وتقديمها وتفسيرها وبصوت الحكومة الأميركية وليس بأصوات أخرى. وبالتالي إذا لم نكن موجودين لتوضيح ما هي سياساتنا، وما هو هدف وزيارة الرئيس الأميركي لآسيا على سبيل المثال، أو هدف خطاب الرئيس في القاهرة. إذا لم نقم بهذا ونعرف ونوضح سياساتنا والأهداف من ورائها، فإن جهة أخرى ستفعل ذلك نيابة عن أميركا. إذن الأول والأهم أن نتحدث نيابة عن أنفسنا. وأن نوضح ما هي سياساتنا. فالسياسة ليست شيئا واحدا، السياسة معقدة ومركبة بشكل كبير.

فنحن أكبر دولة في العالم ولدينا ليس فقط سياسات إقليمية تتعلق بكل إقليم من أقاليم العالم. بل لدينا سياسات عالمية مثل الاحتباس الحراري وإنفلونزا الطيور ونزع أسلحة الدمار الشامل. لدينا علاقات ثنائية، ونحتاج إلى أن نوضح للناس طوال الوقت ما هي هذه السياسات. ليست المسألة سوء فهم فقط، هذا جزء صغير من الموضوع، لكنه ليس الموضوع كله. هذا جزء صغير من صورة أكبر كثيرا.

* هل تحاولون الوصول إلى الجميع؟ بطريقة أخرى هل تتوجهون لمخاطبة قناة «العالم» و«برس تي في» الإيرانيتين أو تلفزيون «المنار» التابع لحزب الله مثلا؟ ـ نحن منفتحون للحديث مع الجميع تقريبا بغض النظر عن ما إذا كانوا مع أو ضد سياساتنا. لكن يجب أن أستدرك هنا قليلا لأننا بحسب القانون غير مسموح لنا بالتواصل مع إعلاميين إيرانيين رسميين. هذا هو القيد الوحيد الذي علينا، بخلاف ذلك نحن نتحدث مع الجميع، خصوصا هؤلاء الذين لا يتفقون معنا.

* الفكرة من وراء مبادرة التواصل الإعلامي هي توضيح السياسة الأميركية للشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، لكن ما هي فائدة محاولة توضيح السياسات إذا كان الكثيرون في منطقة الشرق الأوسط لا يرون أن هذه السياسات عادلة؟ فكيف يمكن تغيير وجهات النظر حول أميركا بالتواصل الإعلامي إذا كانت السياسات المعنية في نظر الكثيرين من سكان المنطقة غير عادلة مثل الصراع العربي ـ الإسرائيلي مثلا؟ ـ الإجابة عن هذا معقدة إلى حد ما. فمركز التواصل الإعلامي هدفه توضيح السياسة الأميركية للإعلام، وهو بالتالي جزء صغير من مساعي الحكومة الأميركية. لدينا قسم شؤون عامة ومسؤولون عن الشؤون العامة في كل بلد لدينا فيها تمثيل دبلوماسي. ولدينا طائفة واسعة من الجهود للتفاعل مع باقي العالم وذلك كي تكون لدينا علاقات جيدة معهم، هذا يمكن أن يتم عبر الإعلام أو عبر التعليم أو عبر الثقافة، وقد عملت في كل هذه المجالات، وهي كلها شديدة الأهمية. لكن فيما يتعلق بسياسة أميركا في قضية معينة، فنحن لا نتوقع أن تتفق الناس معنا بالضرورة. فغالبا ما لا يتفقون، فلا أحد يتفق على كل شيء. لكنهم يحتاجون إلى معرفة مواقفنا من خلالنا. أما مسألة الإقناع وما إذا كانوا يتفقون معنا أم لا، فهذه مسألة أكبر وأصعب. لكن أملنا هو أنه إذا أوضحنا الأسباب وراء سياساتنا، فإن الناس على الأقل ستفهم وتحاول أن تسمع لنا، فالهدف ليس تغيير وجهات نظر الجميع، لكن أن تجعلهم يتوقفون ويستمعون. دعيني أطلعك على مثال من جانب آخر من حياتي. فقد استمعت مرتين أو 3 إلى وجهات نظر دبلوماسيين لبلاد نعتبر أنها معارضة لسياساتنا، ولن أسمي هذه الدول لأن هذا ليس دبلوماسيا، لكن مرة أو مرتين كانت وجهة نظرنا في واشنطن والرأي العام الأميركي ورأيي الشخصي مخالفا تماما لمواقف وسياسات تلك الدول. وقد استمعت إلى دبلوماسيين من هذه البلاد التي نختلف معها يتحدثون حول سياسات بلادهم مع توضيح السياق، وقد جعلني هذا أفكر مرتين. جعلوني أتخذ خطوة للخلف وأقول: الصورة الحقيقية أكثر تعقيدا مما أعتقد. تعرفين تعبير: إذا أردت أن تكون مفهوما، فيجب أولا أن تفهم. هدفنا هو أن يفهم الناس ما هي أهدافنا وما نسعى إليه، وربما تباعا يفهمون السبب وراء سياساتنا. وهذا لا يعني أنهم دائما سيتفقون معنا في سياساتنا.

* أنتم تبذلون جهودا كبيرة للتواصل مع الشرق الأوسط وتساعدون في دعوة مسؤولين من واشنطن للحديث إلى الصحافيين هنا في لندن ودبي وبروكسل وغيرها من المناطق التي بها مراكز للتواصل الإعلامي. فكيف تقيمون نجاحكم حتى الآن؟ وما هو الفرق بين فهم المنطقة للسياسة الخارجية الأميركية الآن مقارنة بخمس سنوات ماضية مثلا؟ ـ أعتقد أن أكبر تغيير إيجابي أراه هو أن الحكومة الأميركية قبل 11 سبتمبر وقبل عام 2003 لم تتواصل مع الإعلام العربي على المستوى القومي، أي إن الحكومة الأميركية تنشئ مراكز للتواصل مع وسائل الإعلام في العالم العربي. حقيقة لم نتحدث للإعلام العربي كثيرا وبشكل مباشر وعلى الهواء وبشكل منظم. لكننا نفعل هذا الآن، ومراكز التواصل الإعلامي جزء من هذا الجهد. في الماضي لا نعتقد أننا كحكومة أميركية تواصلنا مع الإعلام العربي في المهجر مثلا (الشرق الأوسط والحياة والقدس العربي ومحطات التلفزيون المختلفة). كان اتصالنا بالأساس مع وسائل الإعلام يتم بشكل فردي حيث كنا نعمل. التواصل مع الإعلام العربي على ذلك المستوى، أي على مستوى الحكومة الأميركية، بدأ فقط في السنوات القليلة الماضية. ومراكز التواصل الإعلامي جزء من ذلك الجهد. والمرتجى أن تعمل مراكز التواصل الإعلامي باللغة التي تخرج بها وسائل الإعلام العربية، أي اللغة العربية، وفي التوقيت الملائم دائما، أي ساعة الحدث. وإذا سألتني: هل نحقق نجاحا؟ الإجابة: نعم، نحن نحقق نجاحا. الرئيس أوباما أعطى حوارا لقناة «العربية» في اليوم الثاني لتوليه الرئاسة على ما أعتقد. أنا أسمي هذا تقدما كبيرا في مساعي التواصل مع الشرق الأوسط والعرب. وهذه ليست عملية أحادية الجانب، فنحن نستمع إلى الإعلام العربي طوال الوقت. وهدفنا الأساسي في مكتب التواصل في لندن هو ببساطة قراءة ومتابعة وسائل الإعلام العربية، وفهم كيف تغطي صحيفة «الشرق الأوسط» ذلك الموضوع، أو كيف تعالج صحيفة «الحياة» تلك المسألة. أو «القدس العربي» ومحطات التلفزيون، وجعل زملائنا في واشنطن يعرفون ذلك. يعرفون مثلا كيف يرى الناس في الشرق الأوسط سياسة أميركا. هذه عملية تسير في اتجاهين أو في طريقين وهي أشبه بالحوار. هذه ليست محاضرة منا. التواصل الإعلامي يعني أننا نستمع ونتكلم. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون خلال زيارتها لباكستان قالت: «الأمر ليس كما تعتقد أنني أعتقد.. دعنا نتحدث حول هذا».

إذن ينبغي النظر إلى مراكز التواصل الإعلامي على أنها عملية تسير في اتجاهين. هل هي كافية؟ لا. هي ليست كافية، كلما وسعنا جهودنا، توسعت رقعة الإعلام التي نغطيها. كم محطة تلفزيونية اليوم في الشرق الأوسط؟ ربما 300. فهل شخص في لندن وشخصين في دبي كافيان للتعامل مع 300 وسيلة إعلام وكل المطالب الإعلامية الأخرى؟ لا. هذا لا يكفي على الإطلاق. لذلك عملنا لا ينتهي أبدا. بل عملية متواصلة.

* أنت تحدثت عن دور مراكز التواصل الإعلامي في توضيح كيف تفكر واشنطن وما هو المنطق وراء سياساتها وذلك عبر دعوة مسؤولين أميركيين للتحدث لوسائل الإعلام العربية والشرق أوسطية وتوضيح سياسات أميركا. لكن مثلا في عملية السلام هناك حتى الآن صمت كامل من المسؤولين المعنيين أكثر بالملف فيما يتعلق بـ «أين نحن؟» ولماذا ليس هناك تقدم. وهذا الصمت يفتح الباب لانتقادات وتفسيرات سلبية. وغياب التواصل المباشر مع الإعلام العربي في هذه النقطة لا يبدو متسقا مع ما تحاولون القيام به ويفتح الباب لتبادل اللوم والاتهامات؟ ـ هذه نقطة مهمة وقد سمعت الناس يتحدثون عنها عدة مرات. لكنني أيضا يجب أن أقول إننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الدبلوماسية التقليدية تميل إلى أن تكون بعيدا عن الأعين والكاميرات. فمن الصعب جدا أن يتفاوض الناس والأضواء مسلطة عليهم. من الصعب عليهم جدا أن يتوصلوا لتنازلات أو تسويات وسطية أو يعدلوا مواقفهم وسط أضواء الإعلام. هناك جزء من عملية التفاوض يجب أن يكون بعيدا عن أضواء الإعلام. جورج ميتشل أجرى مفاوضاته حول أيرلندا الشمالية بعيدا عن الإعلام. لكن من الصحيح أيضا أن الناس تريد أن تعرف أين نحن. لكن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تحدثت مرارا بصراحة حول موضوع السلام في الشرق الأوسط والمفاوضات، كذلك جورج ميتشل، لكن هناك جزء ينبغي أن يظل بعيدا عن الأعين وخلف الستائر.

* ألا تشعرين أحيانا أن قلة التواصل الإعلامي من واشنطن يعثر مهمتك؟ ـ أعتقد أن الموضوع ليس قلة تواصل. أعتقد أن ما تتحدثين عنه ليس قلة تواصل، بقدر ما هو حاجة الناس للشعور بأن الأمور تتحرك، وحاجتهم للإحساس بالأمل. لقد قلنا إن موضوع السلام على رأس أولويات السياسة الأميركية، وأعطينا الملف قدرا كبيرا جدا من الاهتمام. لكن الناس في المنطقة يريدون السلام ويحتاجون السلام أكثر من أي شيئ. ومن هنا فإن المطلوب: ليس أعطيني مزيدا من المعلومات. لكن: أعطيني أحساسا أن الامور تتحرك. لكن هذه عملية صعبة ومؤلمة وليست سهلة وكل المنخرطين في العملية مثل الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية وكبار المسؤولين في واشنطن يقولون هذا. وكل ما عمل في منطقة الشرق الأوسط يعرف اهمية موضوع السلام وأهمية القضايا المرتبطة به. إذا الحاجة للمعلومات هي الحاجة للإحساس أن الأمور تتحرك للأمام. والجميع الآن قلق من أن الأمور لا تتحرك بالسرعة التي ينبغي أن تتحرك بها.

* أنتِ عملتِ في الإمارات وسورية ومصر والأردن. فما هو الفرق بين التعامل مع وسائل الإعلام العربية ووسائل الإعلام الآسيوية أو الأفريقية أو الأوروبية؟ فقضايا الشرق الأوسط معقدة جدا، فهل التعامل مع الإعلام العربي أصعب من غيره؟ وهل هناك خلافات من بلد عربي لآخر؟ ـ أغلب عملي في الواقع كان مع وسائل الإعلام العربية. وكل بلد كان مختلفا عن البلد الآخر. فالمناخ الإعلامي في الإمارات العربية مختلف عن مصر أو سورية. في الإمارات الكثير من الصحافيين ليسوا إماراتيين مثلا، بسبب وجود مطبوعات وصحف وقنوات تلفزيونية من بلدان أخرى تغطي قضايا المنطقة، وبالتالي يكون لديك مجموعة متنوعة وشيقة من الزملاء، معولمة جدا. في سورية المناخ الإعلامي أقل تنوعا والكثير من وسائل الإعلام ما زالت ملكيته حكومية. وهذا يعطي العمل في سورية طعما ولونا آخر. في مصر أنا كنت في الإسكندرية، والمشهد الإعلامي في الإسكندرية محدود. المشهد الكبير هو في القاهرة، كنت أعمل في الإسكندرية مع مجموعة قليلة من الصحافيين الذين عرفتهم بشكل وثيق. كل دولة مختلفة. وإذا تحدثت عن الإعلام الآسيوي يجب أن نحدد أي دولة. فإذا تحدثنا عن الهند التي بها 7 قنوات تلفزيونية تبث باللغة الإنجليزية وتعمل على مدار 7 أيام في الأسبوع 24 ساعة في اليوم، ويشاهدها 300 مليون مشاهد تقريبا، هذا مشهد إعلامي ضخم، وعالم بحد ذاته. أما باكستان فقد أصبحت أخيرا مشهدا إعلاميا حيويا جدا، وعلى نطاق واسع جدا. المشهد الإعلامي كبير في العالم العربي، لكن في دول جنوب آسيا المشهد الإعلامي أكبر وأضخم بسبب السكان والمساحة، فالهند مليار شخص. باكستان 175 مليون شخص.

* كيف يؤثر عملكم على السياسيين في واشنطن؟ بمعني آخر أنتم تتابعون الإعلام العربي وتوضحون لواشنطن كيف تفكر المنطقة في القضايا المختلفة، فهل يؤثر هذا على صانعي السياسة في واشنطن؟ ـ طول الوقت. فهذا عملنا. نصف عملنا هو قراءة الصحف العربية ومتابعة المحطات التلفزيونية وإبلاغ واشنطن بكل ذلك. يقرأه المسؤولون في واشنطن ويعرفون كيف يفكر ويشعر الناس في المنطقة. فمن المهم لصانعي القرارات في واشنطن أن يعرفوا كيف يتم تقديم وتفسير سياسات أميركا في وسائل الإعلام الأجنبية، وإبلاغ المسؤولين في واشنطن بهذا هو جزء أساسي من عملنا. أفضل مثال يمكن أن أعطيه حول تأثير مراكز التواصل الإعلامي على زملائنا في واشنطن، هو كلام وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حول المستوطنات خلال مؤتمرها الصحافي في القدس في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري. فما قالته وزيرة الخارجية في القدس نقل على نطاق واسع وبشكل غير دقيق في الكثير من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط على أنه تراجع أو تغيير في المعارضة الأميركية طويلة الأمد لسياسة البناء الاستيطاني الإسرائيلي. مراكز التواصل الإعلامي وزملاؤنا في أقسام الشؤون العامة في السفارات الأميركية بالمنطقة أبلغوا المسؤولين في واشنطن بالطريقة التي فهمت بها تصريحات هيلاري كلينتون، وهو ما ساعد زملاءنا في واشنطن على معرفة كيف فهمت المنطقة تصريحات هيلاري كلينتون. هذا أسهم لاحقا في إصدار الحكومة الأميركية عدة بيانات قوية تشدد على أن سياسة أميركا حيال الاستيطان لم تتغير، كما قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون «موقف إدارة أوباما من الاستيطان واضح، ولا لبس فيه ولم يطرأ عليه أي تغيير. كما قال الرئيس (باراك أوباما) في مناسبات عدة فإن الولايات المتحدة لا تقبل بشرعية مواصلة الاستيطان الإسرائيلي». (قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 2 نوفمبر الجاري في القدس إن العرض الإسرائيلي بالتجميد الجزئي للاستيطان «غير مسبوق» مما أثار انتقادات عربية وتشكيك في تغيير واشنطن لموقفها حيال الاستيطان. ورد مسؤول ملف المفاوضات في السلطة الفلسطينية صائب عريقات على تصريح هيلاري كلينتون قائلا إنه لا يمكن قبوله ولا تصحيحه ويهدد حل الدولتين).

* تتحدثون حول دعم المجتمع المدني. لكن لوحظ مثلا أن الإدارة الأميركية الحالية خفضت من حجم دعمها المادي للمجتمع المدني في مصر.. أليس هذا تراجعا عما تدعون إليه؟ ـ في السنة المالية 2009 انخفضت المساعدات الاقتصادية الأميركية لمصر بشكل كبير. وهذا القرار اتخذته الإدارة السابقة، الرئيس جورج بوش، بالتشاور مع الكونغرس. لكن مع ذلك فإن التزامنا بالديمقراطية لا يزال قويا على الرغم من الانخفاض العام في المعونة، ولدينا 20 مليون دولار مخصصة لبرنامج دعم الديمقراطية. كما أن هناك تمويلا إضافيا لمنظمات المجتمع المدني المصري والمنظمات غير الحكومية عبر مصادر تمويل أخرى. بما في ذلك 1.3 مليون دولار في السنة المالية 2009 من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، وحوالي مليوني دولار من الصناديق التي يديرها مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل.

والولايات المتحدة تدرك قيمة الدعم المباشر للمجتمع المدني المصري وترى أنه من الضروري مواصلة هذا الدعم. ففي السنة المالية 2009، مولت الحكومة الأميركية مشاريع مع طائفة واسعة من المنظمات غير الحكومية المسجلة وغير المسجلة التي تركز على الانتخابات، والإصلاح السياسي وحقوق الإنسان وسيادة القانون، والمشاركة المدنية، والإعلام، ومكافحة الفساد. ونحن عازمون على مواصلة دعم منظمات المجتمع المدني المصرية، سواء كانت مسجلة رسميا أم لا خلال السنة المالية 2010.

* أخيرا ما هو الفرق بين الدبلوماسية العامة والدعاية (البروباغندا).. هل الدبلوماسية هي بروباغندا بثياب القرن الحادي والعشرين؟ ـ هذا سؤال ممتاز.. فالبروباغندا تتضمن مستوى من عدم الأمانة، كأني سأقول شيئا به جانب غير صحيح أو أمين. نحن لا نفعل هذا في الدبلوماسية العامة، فنحن في الدبلوماسية العامة نحاول أن نوضح سياساتنا ونفسرها كما هي، وهذا لا يشبه البروباغندا في شيء.

* كاثرين فان دي فاتي مديرة مراكز التواصل الإعلامي في لندن. تولت هذا المنصب في أغسطس 2009. وقبل وصولها إلى لندن كانت مستشارة للشؤون العامة في السفارة الأميركية في دمشق في الفترة من 2007 ـ 2009. كما عملت مديرة للمركز الثقافي الأميركي في الإسكندرية في مصر، ومدير قسم الشؤون العامة في السفارة الأميركية في أبوظبي بالإمارات، ومسؤول الشؤون الثقافية في عمان بالأردن. وفي واشنطن، شغلت كاترين فان دي فاتي منصب المنسق الثقافي لمكتب شؤون جنوب ووسط آسيا، ومسؤولة عن برنامج تبادل القطاع الخاص لمنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. تحمل فان دي فاتي درجات علمية من جامعة ييل وجامعة لندن، وهى متزوجة ولديها ابنة واحدة.