توجه لمحاكمة 8 آلاف مسؤول في قضايا فساد بباكستان

قرب انتهاء سريان قانون أقره مشرف يهدد بأزمة سياسية جديدة في البلاد

TT

عاد شبح الماضي ليخيم على الحزب الحاكم في باكستان مجددا مع الإعلان رسميا عن قائمة تضم أسماء أكثر من 8 آلاف مسؤول حكومي وزعيم سياسي كانوا استفادوا من قانون مثير للجدل أقره الرئيس السابق برويز مشرف عام 2007 ويقضي بإلغاء قضايا الفساد القائمة ضد قيادات «حزب الشعب»، بمن فيهم الرئيس الحالي آصف علي زرداري نفسه. جاء إعلان القائمة بناء على تعليمات من رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، وتضم أسماء وزير الدفاع، أحمد مختار، ووزير الداخلية، رحمن مالك، وكبير المساعدين البيروقراطيين وأقربهم إلى الرئيس زرداري، سلمان فاروقي، إلى جانب عدد من القيادات الدبلوماسية وآخرين من قادة الحزب الحاكم الذين وجهت إليهم اتهامات بالفساد المالي. تتنوع الاتهامات الموجهة إلى قادة «حزب الشعب» بين الاختلاس من الأموال العامة وتلقي رشاوى وإساءة استغلال السلطة. وأطلقت وسائل الإعلام الباكستانية، التي تتمتع بقدر من الاستقلالية، حملة تطالب إما باستقالة أو إقالة الوزراء الذين وجهت لهم اتهامات بالفساد.

وقال شاهد مسعود، وهو معلق تلفزيوني بارز، إن أعضاء الحكومة «يسافرون إلى الخارج ليستولوا على أموال يتلقونها من قوى أجنبية باسم المساعدات. حصلوا على 1.5 مليار دولار، من الأميركيين فقط. الحكومة ستجني كثيرا إذا أعاد هؤلاء الوزراء الأموال التي نهبوها من الخزينة العامة».

ويشار إلى أن القانون الذي ألغى اتهامات الفساد الموجهة إلى زعماء «حزب الشعب» ينتهي العمل به في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009. ومن المحتمل أن يثير ذلك مشكلة جديدة أمام الحكومة بقيادة «حزب الشعب». وأوضح إس. إم. زافار، الخبير الدستوري البارز في باكستان «في أعقاب توقف سريان القانون في 28 نوفمبر، ستبرز مجددا جميع تهم الفساد ضد القيادات الحكومية». ويرى خبراء قانونيون أن ما بين خمس إلى ست قضايا فساد مالي تتضمن مزاعم بتلقي رشاوى من شركات أجنبية ترتبط بالرئيس آصف علي زرداري نفسه ستظهر مجددا بعد انتهاء سريان العمل بالقانون. وكانت هذه القضايا قد ألغاها الرئيس السابق مشرف عام 2007 كجزء من صفقة سياسية مع الزعيمة السابقة للحزب، بي نظير بوتو، قبل مقتلها، تحت رعاية دبلوماسيين أميركيين.

على الجانب الآخر، أكد وزير العدل أفضال سندهو، أن «الرئيس زرداري يتمتع بحصانة ضد المثول أمام أي محكمة في ظل المادة 248 من الدستور ولا يمكن إعادة فتح قضية بحقه». إلا أن خبراء قانونيين عبروا عن اعتقادهم أن الحصانة الدستورية الخاصة بالرئيس لا تتوافر تلقائيا. وقال أكرم شيخ، الرئيس السابق لنقابة محامي المحكمة العليا «هذه الحصانة لا تسري تلقائيا، لذا سيحق للمحكمة تفسير هذا البند الدستوري على النحو الذي تراه مناسبا».

وكان من بين السبل الممكنة أمام حكومة «حزب الشعب» للخروج من المأزق المرتقب نقل القانون المثير للجدل إلى البرلمان للتصديق عليه، إلا أن الحكومة واجهت أزمة أخرى عندما رفضت غالبية أعضاء البرلمان تأييد القانون، الذي رأى فيه زعماء المعارضة محاولة لإضفاء الشرعية على الفساد. جدير بالذكر أن القائمة التي تضم أسماء 8041 مسؤولا حكوميا وزعيما سياسيا صدرت من قبل وزير العدل، أفضال سيندو، بعد يومين من تعرض الحكومة لضغوط هائلة من جانب وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة من أجل الكشف عن أسماء المتهمين بالفساد المالي واختلاس الأموال العامة، وصدر بحقهم لاحقا عفو من قبل الرئيس السابق مشرف خلال الربع الأخير من عام 2007. وظهرت بوادر الأزمة المرتقبة مطلع الشهر الحالي عندما رفض حلفاء الحكومة في البرلمان الموافقة على قانون مثير للجدل يقضي بإسقاط تهم الفساد. وعليه، رضخ «حزب الشعب» الحاكم للضغوط السياسية من أحزاب المعارضة وبعض حلفائه في البرلمان في أعقاب رفض غالبية الأعضاء الموافقة على القانون. وكان من شأن مخاوف الحكومة من فقدان الأغلبية في البرلمان، دفعها إلى التراجع عن قرارها السابق بطرح القانون المثير للجدل داخل المجلس الوطني (المجلس الأدنى في البرلمان)، الذي سنه الرئيس السابق مشرف لإسقاط اتهامات الفساد ضد الرئيس آصف علي زرداري وكبار قادة الحزب الحاكم. إلا أن خبراء قانونيين بارزين آخرين رأوا أن قرار سحب القانون من المجلس الوطني من شأنه إثارة مشكلات قانونية خطيرة أمام الحكومة، بالنظر إلى أن توقف سريان القانون سيترتب عليه إحياء اتهامات الفساد ضد الرئيس زرداري وأعضاء بارزين آخرين في الحزب الحاكم. وقد أصدر مشرف القانون تحت مسمى «قانون المصالحة الوطنية». وعلى ما يبدو، بدأت الضغوط تتصاعد من قبل أحزاب سياسية ضد الحكومة في أعقاب صدور القرار الأخير. من ناحيته، تعهد رئيس الوزراء السابق نواز شريف بتعبئة الرأي العام ضد ما سماه «القانون الأسود» الذي «قنن الفساد المالي».

وواضح أن القضية تحولت إلى أزمة بقاء بالنسبة لحكومة «حزب الشعب» مع إعلان اثنين من حلفائها هما «حركة متحدة قوامي»، وهي حزب سياسي سبق له التحالف مع الرئيس السابق مشرف، ومجموعة مؤلفة من 15 من أعضاء البرلمان من المناطق القبلية، انفصالهما عن النهج الحكومي فيما يخص قضية قانون إسقاط تهم الفساد ضد قيادات «حزب الشعب الباكستاني». في هذا السياق، قال ألطاف حسين، زعيم «حركة متحدة قوامي» الذي يعيش في منفاه بالخارج، لقناة تلفزيونية خاصة مقرها لندن «ننتظر من الرئيس آصف علي زرداري القيام بتضحية كبرى لإنقاذ النظام السياسي».