الإعلاميون السعوديون.. من جبل «دخان» إلى جبل «الرحمة»

تجربتا الحج والحرب والنزوح والنفرة تضع احترافيتهم في مواجهة تحديات

مصور صحافي يعايش حدثا بالكاميرا (تصوير: خالد الخميس)
TT

قبل أيام كانوا على جبهة المواجهات في الجنوب السعودي يتسابقون نحو سفوح جبل دخان لموافاة العالم بآخر أنباء المعركة والقتال والمتسللين والنازحين. واليوم هم على سفوح جبل الرحمة بمشعر عرفات ينقلون صورا إنسانية محملة بالإيمان والصدق عن حجاج بيت الله الحرام في وقفتهم الكبرى بعرفة حيث يجتمع 3 ملايين حاج سنويا في هذا المكان. أولئك هم الإعلاميون السعوديون الذين يخوضون في غضون شهر تجربة حرب وحج ونزوح ونفرة، معتدين بتجاربهم الصحافية في نقل المشهد بمهنية وكفاءة مهما كانت الصورة متباينة بين المشهدين، والوقت الفارق بالنسبة لكثير منهم بين إعداد مادة عن الحرب وأخرى عن الحج لا يبلغ 24 ساعة. إعلاميون موجودون في المشاعر المقدسة بعد مغادرتهم جبل دخان في الجنوب السعودي ذكروا أن الوسائل والمفردات يجب أن تتغير. فهنا ملابس الإحرام وهناك البزات العسكرية، وهنا أصوات التلبية وهناك أصوات القصف والانفجارات، وهنا الأكف ترفع الدعاء وهناك الأكف تشد على الزناد. ويذكر هادي الفقيه، رئيس بعثة صحيفة «عكاظ» السعودية في المشاعر المقدسة بمكة المكرمة، بعد أن كان يقف على جبهة المواجهات في قيادة بعثة لنقل أنباء الحرب، بأن الإعلامي بين المشهدين يجب أن يخلع مفردات وتعابير المشهد السابق وينخرط في أجواء الحج الصحافية، مؤكدا أن على الإعلامي أن يراجع أدواته خشية أن تتسرب كلمات مشهد حرب إلى مشهد حج, مؤكدا أن الإعلامي وهو يوجد بين المشهدين يواجه تحديات في نقل الصورة الصحافية بدقة تحت أي ظرف. ويشير الفقيه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الإعلامي في الحج يجب أن يعايش الحدث بنظرة غريب حتى يتمكن من نقل الصورة المألوفة عن الحج بزاوية غير مألوفة ونظرة جديدة. في حين يقول محمد الحسن، مراسل قناة «العربية»، الذي كان مشاركا في تغطية مواجهات الجنوب في جازان ويعمل الآن في مهمته الصحافية لنقل وقائع الحج من المشاعر المقدسة، بأن الصحافي يظل صحافيا في أي موقف يقوم بمتابعته وتغطيته، واقفا على الحياد ومعتدا بمهاراته في نقل الخبر عبر النص والصورة والصوت بدقة ومصداقية. وحول الفوارق المهنية بين العمل في جبل دخان أو المراسلة من جبال منى وعرفات يذكر الحسن أن أحداث القتال تظهر فيها قدرة الصحافي على نقل الخبر الجديد عن آخر التطورات إلى المشاهد، حيث الوصول إلى المعلومة أمر شاق في كثير من الأحيان، بينما الحج يظل مشهدا معروفا في إجماله خصوصا في ظل وفرة الأخبار أمام المراسلين وتتمثل المهارة الصحافية في نقل القصة الإنسانية والتفاصيل الدقيقة في مشهد الحج بطريقة مغايرة ومبتكرة, مشيرا إلى أنه يعيش بين تجربتي الحج والحرب بأذن هنا وأذن هناك وقلب وأمنيات بنجاح الحج والانتصار على المعتدين.

الرحلة من جبل دخان إلى جبل الرحمة أجبرت المصورين بدورهم على رصد الأحداث بزوايا مختلفة. فصورة الحرب كما يراها خالد الخميس وهو مصور في «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» شارك في تغطية أحداث الجنوب ويحمل كاميرته اليوم إلى جبل الرحمة حيث وقوف الحجيج بعرفة هي صورة لا تحتمل إلا مشاهد التأهب والاستعداد والقوة. بين مشاهد الآليات في كرّها وفرّها وقسمات وجوه الجنود وهي تشتد في رصد لأي خطر. أما صورة الحج فهي ترصد لحظات الخشوع والإيمان وذرف الدموع في المشاعر المقدسة. لقطات إنسانية يراها الخميس بأنها تبرز ما للحج من معنى إيماني وأثر إنساني في النفوس وعلى الوجوه والقسمات.

وهكذا تظل تجربة حج وحرب، ونزوح ونفرة، ومخيمات لاجئين وأخرى للحجيج والقاصدين، وأفواج ملبية وأخرى مدرعة متأهبة، فرصة مهنية مميزة عاشها إعلاميون سعوديون في فترة وجيزة بين جبلي دخان والرحمة.